مع كل انتخابات رئاسية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومع كل موعد تنافس بين الجمهوريين والديمقراطيين، تتسابق الأنظمة في الدول العربية وفي دول المغرب الكبير لإعلان تعاطفها مع أحد المرشحين ،فتجد هؤلاء ينحازون إلى المرشح الذي يعتقدون أنه سيذهب في اتجاه خدمة مصالحهم، في حين أن الولاياتالمتحدةالأمريكية دولة مؤسسات ولا يستطيع فيها الرئيس أن يغير شيئا بعيدا عن هذه المؤسسات. أتذكر في سنة 2008 عندما كنت طالبا فى الجامعة، حينها كان التنافس محتدما بين باراك اوباما المرشح الديمقراطي و المرشح الجمهوري جون ماكين، حيث كانت الأنظمة العربية تطبل لأوباما وتعلق عليه آمالها ، بل هناك من الأنظمة من أعلنت عبر وسائل إعلامها أن مخلص العرب من أزماتهم قد جاء إلى البيت الأبيض، وأنه لن يتوانى في دعم المسلمين وقضاياهم .
وصل باراك حسين اوباما إلى البيت الأبيض ولم نر منه شيئا، وبقيت قضايا العرب والمسلمين في العالم كما كانت، بل ازداد العالم اضطرابا وخرابا أكثر مما كان عليه في عهد سابقه ،فالرئيس الذي عولنا عليه كثيرا أن ينتصر لقضية فلسطين وإدانة الاحتلال الإسرائيلي ما فتئ يدعم الاحتلال ويؤكد في أكثر من مرة على أحقية إسرائيل في جعل القدس عاصمة لها، والرئيس"المسلم" الذي ذرفنا من أجله الدموع غادر البيت الأبيض دون أن يحقق للعرب ولو جزءا من أحلامهم .
يبدو أن الأنظمة لا تتعلم الدروس ولا تتعض بالتاريخ، وتعيد نفس الأخطاء مع حكام البيت الأبيض، مع أن هؤلاء لا يمكنهم أن يخدموا مصلحة هؤلاء بل هؤلاء يحرصون على مصالح أمريكا ويسعون أن تكون مصلحة أمريكا هي العليا ومصلحة العالم هي السفلى،
لكن مع ذلك فهؤلاء أعادوا نفس الأخطاء مع هذه الانتخابات وراهنوا على فوز كلينتون واعتبروها أفضل من ترامب الذي يعادي المسلمين وقضاياهم .
للأسف الشديد لم يتحقق حلم العرب بفوز مرشحتهم كلينتون، وللأسف الشديد استطاع من كان في نظرهم عدوا لهم ولقضاياهم الفوز بكرسي الرئاسة، وهم الآن يعتقدون أنهم سيواجهون سنوات الجحيم مع هذا الأحمق الذي قد يرتكب حماقات ضد دولهم وضد مصالحهم، وضد عروشهم التي لا يغادرونها إلا بإحدى الحسنيين إما موت محقق من عند الله أو ثورة شعبية تزلزل الأرض من تحت أقدامهم .
فاز ترامب بالرئاسة كما فاز أوباما قبله وكما فاز بوش و بيل كلنتون قبلهما وكما سيفوز آخرون في المستقبل، ولكن أحوال الشعوب في دول العالم العربي وفي المغرب الكبير لن تتغير بتغير قادة الولاياتالمتحدةالأمريكية لأن دولنا يحكمها الاستبداد، والاستبداد لا يغير الأوطان بل يخربها عن بكرة أبيها، فالزعامات التي تصل إلى البيت الأبيض تحكمها المؤسسات كما تحكمها مصالح الشعب الأمريكي الذي يضعونه في أولوياتهم .
متى تتعلم دولنا أن أمريكا دولة تبحث عن مصالحها، وأنها لا يمكن أبدا أن تمنح الفرصة لمرشح يمكن أن يضيع مصالحها؟ ومتى نفهم أن هذا الرئيس لا يصيغ السياسات بشكل فعلي؟ ومتى نستوعب أن السياسات تصنعها المؤسسات وليس الرئيس كما هو الشأن في أوطاننا التي يحكم فيها الزعيم ويسود وينفذ السياسات على هواه.
على الأنظمة في دولنا وخاصة التي تحكم بالحديد والنار، أن تتعلم الدروس من أمريكا ولا تعول كثيرا عليها ولا على رؤسائها، فأمريكا لن تتغير بتغير حكامها ولن تخرج عن الخط المرسوم لها من طرف اللوبيات التي تتحكم في السياسة وفي الاقتصاد، كما أنها لن تتخلى عن إسرائيل كما يعتقد الكثير من المخدوعين الذين يعتقدون أن الديمقراطيين سيخدمون مصالحهم .
لا تعولوا كثيرا على أمريكا ولا تنخدعوا بحملات مرشحيها، فلا أحد من المرشحين سيحقق أمنياتكم قد يتهم بعضهم بعضا بالعمالة وبالخيانة لكنهم بعد الفوز إخوانا على سرر متقابلين ،وهانحن شاهدنا ترامب الذي صورته كلنتون بأنه وحش، وبأنه لا يستحق حكم أمريكا تتقاطر عليه التهاني بعد فوزه حتى أن منافسته اتصلت به وهنأته بفوزه كما أنه هو الآخر خرج وشكرها على جهودها من أجل أمريكا ومصلحتها .
هذه هي أمريكا وهذه هي الديمقراطية الأمريكية، وهذه هي الحملات الانتخابية لكن في النهاية الكل متفق على أن مصلحة أمريكا هي العليا ومصلحة شعوبنا هي السفلى .
فاز ترامب بالرئاسة واختفت كل التهم الموجهة إليه في الحملات الانتخابية، والعرب المنخدعين بالسياسة الأمريكية سيصدمون بلا شك بنتيجة الانتخابات، فكلنتون التي كانت تعدهم في الحملة الانتخابية بما لذ وطاب ، لم تستطع الفوز فما علينا سوى الانتظار ل 4 أو 8 سنوات أخرى لعل الشعب الأمريكي يمن علينا برئيس أمريكي يحل مشاكلنا ويحرر أراضينا ويساعدنا على إرساء دعائم الديمقراطية في أوطاننا.
هنيئا لأمريكا التي تبحث عن حكام يخدمون مصلحة بلادهم، وهنيئا لنا أيضا بحكام يحكمون شعوبنا إلى ما لا نهاية وينتظرون من قادة أمريكا خدمة دولهم .