بينما أنا أتصفح الجرائد الالكترونية كما جرت العادة, أثارت استغرابي ظاهرة جديدة في المجتمع العربي عامة و المغربي خاصة, ألا و هي الانتحار على طريقة بطل في مسلسل تركي مدبلج ,بحيث أقدم طفل يبلغ من العمر تسع سنوات في قرية بإقليم "اليوسفية" على شنق نفسه بحبل داخل غرفة بمنزل أسرته محاولا تقليد شخصية بالمسلسل التركي "ماتنسانيش" الذي تبثه القناة المغربية العامة الثانية, على نفس المنوال الذي قضى به طفل عراقي منذ أكثر من عام بشنق نفسه بمنزل عائلته في قرية جنوبي العراق متأثراً بمسلسل تلفزيوني تركي بوليسي( وادي الذئاب). وفي الآونة الأخيرة دخلت أشياء غريبة علي مجتمعنا ، دخلت المسلسلات وبالذات المسلسلات التركية إلي بيوتنا , وأصبح لها جمهور كبير ، طبعا هذه المسلسلات والأفلام المدبلجة كذلك تمثل وقت للترويح علي النفس من تعب العمل ولقمة العيش وتمثل شيئا لشغل أو تضيع الوقت لربات البيوت الخ .. . المهم بغض النظر عن الأسباب التي أدت لمتابعتها ، وبغض النظر عن أنه لا يليق بنا أن نتفرج عليها ، ولكن أريد أن أركز علي نقطة في هذا الموضوع في غاية الأهمية .وهي مسألة متابعة الأطفال لهذه المسلسلات التركية وهذه الأفلام المتحررة سواء كانت هندية أو مصرية ... فلا تظنوا أن الأطفال لا يفهمون شيئا مما يشاهدونه علي التلفاز, بل بالعكس فالطفل منذ ولادته وهو في حالة بحث دائم ، وفي كل يوم يتعلم أشياء جديدة فغالبا ما نظلم عقولهم ونستحقر مقدراتهم ، فإذا كانت مسلسلات الأطفال تؤثر عليهم وتسيطر على أفكارهم كما تعرفون, فما بالكم بهذه المسلسلات التي تتقن فن الاستقطاب و الاستحواذ على عقل البعض منهم. قد أجد بعض العذر للأم أو الأب أو الشباب لمشاهدتها لكن لماذا نترك أطفالنا يشاهدوها معنا ويكونوا متابعين لكل تفاصيلها فقط تخيل معي بعض الأطفال يشترون صور وملصقات لأشهر الممثلات و الممثلين. .بل الأدهى والأمر من ذلك هو أن هؤلاء الأطفال يطبقون ما يرونه علي هذه المسلسلات بحذافيره مع بعضهم البعض , كما ينعكس ذلك على سلوكهم و طريقة كلامهم و هلم جرا... لم يعد التلفزيون أداة من أدوات التسلية فقط بل أصبح من أهم العوامل التي تؤثر على تنشئة الطفل اجتماعياً في مختلف مراحل تطوره، فمشاهدة هذا الأخير لا تتطلب معرفة القراءة والكتابة وفي كثير من الأحيان يستطيع الطفل مشاهدة التلفزيون قبل أن يستطيع الكلام، هذا إضافة إلى الوقت الذي يقضيه الطفل في مشاهدة التلفزيون والذي يفوق في كثير من الأحيان الوقت المخصص للقراءة أو اللعب، وهذا ما دفع بعض الباحثين إلى القول بأن التلفزيون هو الوالد الثالث فهو يأتي في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية بالنسبة للطفل وذلك بعد الأم والأب. إن التلفاز هو وسيلة فعالة وأداة للتوجيه حتى إن عدد من علماء الاجتماع أكد على أن التلفاز له دور كبير وفعال في تغيير العادات والقيم لدى شريحة كبيرة من الشباب والشابات سواء بالإيجاب أو السلب حسب نوعية ما يقدمه من برامج أو مواد. والمؤسف أنه في الآونة الأخيرة تسابقت القنوات الفضائية في تقديم مسلسلات هابطة من هنا وهناك التي من شأنها أن تقضى على قيم الرجولة والشهامة عند الشاب و الشابة ... مسلسلات لا هم لها إلا أن تعرض قصص الحب والرومانسية ولا يوجد فيها ذرة منفعة أو فائدة للمشاهد. علاوة على المخالفات الشرعية التي نراها من عرى ومجون وخضوع في القول. والمؤسف أيضا أن الأطفال الصغار أصبحوا يهتمون بهذه المسلسلات ويتابعونها ويحفظونها أكثر من حفظهم لآية واحدة من كتاب الله . بربكم على ماذا يربى أطفالنا ؟ ، على أي قيم سيكبرون؟ ولعل الخطورة الأكبر في الأفلام والمسلسلات المدبلجة تكمن في أنها مصنوعة في بلدان مختلفة في تركيبتها الاجتماعية والثقافية عن التركيبة الاجتماعية والثقافية لبلداننا العربية والمسلمة وكذلك تكمن الخطورة في المضمون الذي تركز عليه هذه الأفلام والمسلسلات . فمعظم قيم الشباب أقرب إلى القيم المعروضة في التلفزيون. ففي مقارنة بين القيم التي يحملها الأطفال والشباب والتي تظهر في سلوكهم اليومي واتجاهاتهم، وبين القيمة التي تنطوي عليها الرسائل التلفزيونية وكذلك القيمة التي تنطوي عليها الكتب المدرسية أو التي تسعى إليها التوجهات الأسرية، فإننا نجد أن معظم قيم الشباب والأطفال أقرب إلى القيمة التي تتضمنها الرسائل التلفزيونية ومن أمثلة ذلك اتجاهاتهم نحو الحب والجنس والعنف ومخالفة الأعراف التقليدية. .ويتنامى هذا الدور الذي تلعبه الدراما مع تنامي الدور الذي يحتله التلفزيون داخل الأسرة وفي عملية التربية والتنشئة الاجتماعية فقبل اقتحام التلفزيون للبيوت كانت قاعدة التربية ثلاثية الزوايا البيت والمدرسة ودور العبادة, إلا أنه مع دخول التلفزيون إلى المنازل - هذا الجهاز الرسمي الأكثر أهمية والأشد فعالية والأعمق أثراً والأوسع انتشاراً والأسهل تناولا- احتل المرتبة الأولى في توجيه الناشئة إلى الانحلال الخلقي , و كل ما يسهم في طمس الهوية.