منذ تسعينيات القرن الماضي بدأت تقارير المجالس التعليمية لبعض المؤسسات العمومية تشير إلى مشاكل الأقسام المكتظة، ومع مرور الزمن تبين أن الاكتظاظ ليس حالة استثنائية ظرفية، فقد استفحل وتأصل. وبالرجوع إلى المعطيات الإحصائية ومؤشرات التطلع المستقبلي نستنتج أن هذه الظاهرة كانت متوقعة ومتحكم فيها بل مقصودة. فكيف يتعامل الأستاذ مع هذه الوضعية الصعبة؟ وأية طرق بيداغوجية يتعين اتباعها للحصول على أعلى مردودية؟ هناك طريقة اهتدى إليها بعض خبراء التربية الفرنسيين والأفارقة تسمى « la pédagogie des grandsgroupes » إنها بيداغوجيا الزحام ، طريقة تدريس لا قبل لنا بها ولا يتم تلقينها للأساتذة المتدربين في مراكز التكوين، لكنها معروفة منذ سنة 1984. فقد تبَنّتْهاالكامرون وغينيا وطوغووالكوت ديفوار ودول نامية أخرى. ورُب سائل يقول لِما لمْ تسمّها بيداغوجيا المجموعات الكبيرة أو بيداغوجيا الاكتظاظ؟ وهنا أحيلكم على الحمولة الفكرية لكلمة "زِحام"، فهي من جهةترادفهاالرحمة، إذ أن كبراءنا ما فتئوا يشيعون مقولة " تزاحموا تراحموا" على أساس أنها حديث شريف إلى أن ترسخ في مخيلة المغربي أن الزحام يجلب الرحمة، وقد حان وقت استغلال هذه اللازمة من طرف المسؤولين؛ ومن جهة أخرى لكون المغاربة يشهدون أن الزحام يُعيق التعلم وذلك بقولهم " قاري فالزحام" لنعت كل شخص جاهل يتظاهر بالعلم. وتتقاطع في بيداغوجية الزحام عدة مقاربات: حسب قابلية التلاميذ للاستيعاب ومدى توفر التجهيزات والأدوات وتبعا للنشاط المراد تقديمه يلجأ الأستاذ إلى هذه الاستراتيجية أوتلك، من الطريقة الإلقائية إلى العمل ضمن ورشات؛ إلا أن البيداغوجيا الفارقية لا تجدي أماممجموعة غير متجانسة كبيرةلا تتفاوت عناصرهافي المستوى المعرفيفقط، فهناك المتلعثم والخجول وبطيء الفهم وشارد الذهن والمشاغب ....كما تنتفي كل استراتيجيات التعليم التفاعلي النشيط ؛ كيف لا والاكتظاظ يحُد من حركات الأستاذ والتلاميذ على السواء،وما يصاحبه من ضجيج يعرقل التواصل السمعي؟ وهكذا تبدو بيداغوجيا الزحام حلا ترقيعيا، لكن لا مناص من اعتمادها وتطويرها لضمان حد أدنى من التحكم في العملية التعليمية والسير في الاتجاه المؤدي إلى طريق تحقيق مدرسة النجاح. وإلى كل من يُصر على تطبيق بيداغوجيا الزحام أقدم هذه النصائح و الملاحظات 1-الصرامة.. الصرامة.. يا من ابتليت بالاكتظاظ؛ لا تستخدم الدعابة لكسر الرتابة، فالوضع سيصبح خارج السيطرة. 2-بإمكان تلاميذ الأقسام المتقدمة أن يصبحوا أساتذة لمجموعات من تلاميذ الأقسام الأولى، تحت إشرافك طبعا. 3-عملية التصحيح ليست مستحيلة، كل قسم يتكلف بتصحيح أوراق قسم آخر مهما كان عددها. 4-حصة الأناشيد ستطغى على باقي المكونات. 5-اشغل التلاميذ ما أمكن ولا تترك لهم وقت فراغ، وإلا تحول القسم إلى ما يشبه حديقة ألعاب. 6-عندما تحس بالاختناق اعط الدرس في الساحة، فالتلاميذ يحبون اكتشاف فضاءات جديدة. 7-مكتبك-إن وُجد له مكان -هو أبعد نقطة يمكن أن تبلغها في القسم. 8-تأكد بأن تلاميذك سيبقون مجهولي الاسم حتى نهاية السنة. 9-لا تحاول فرض الصمت المطلق، فلا بد من ضجيج هنا وهناك: ثرثرة بين اثنين في ركن يصعب الوصول إليه، دندنة يُجهل مصدرها، أطراف تُحك على الطاولات، طلب إذن للخروج إلى المرحاض ... والأخطر من ذلك ينتظرك في فصل الشتاء، إنه السعال، اُدع الله من الآن أن يجنب تلاميذك نزلات البرد. 10-لائحة القسم طويلة لدرجة يستحيل معها ضبط غياب التلاميذ. 11-المتعثرون داخل القسم لا أمل لهم في المساعدة للاستدراك مما يدفعهم إلى طلب دعم يَتَوَلّاه أساتذة آخرون في الساعات الليلية المؤدى عنها. 12-عندما يرتكب تلميذ حماقة دَعْهُ وشأنه لأنك إذا انشغلت بأمره توالت الحماقات من تلميذ لآخر دون توقف. 13-تكديس 70 طفلا في حجرة ضيقة يُعد تعذيبا في دول أخرى، والسكوت عنه تواطؤ يعاقب عليه القانون. 14-على سبيل المقارنة، في مجال تربية الدواجن ينصح الخبراء بتخصيص 2m2لكل دجاجة، أما عندوزارة التربية والتكوين فالاتساع في القلب.