حين خضتم حملتكم الإنتخابية، و في أوج الثورات التي أطاحت بالرؤساء الملوك، بعثتم الأمل في نفوس المغاربة جميعا و استبشرنا خيرا بصعود أناس يبدؤون خطبهم " بباسم الله " معلنين الحرب على الفساد. نعم سيدي ألهبتم حماسة الجماهير عندما أعلنتم أن عهد الفساد ولى، و أن رؤوس المفسدين ستقطع بلا رحمة لأن الشعب ضاق درعا باستحلال أمواله و نهب ثرواته، فأنتم أدرى الناس بمن يمتص الدماء و يفلس الصناديق، و يهرب العملة و يستغل المأذونيات السمينة، و مقالع الرمال و يبرم الصفقات المشبوهة... استبشرنا خيرا و نحن نرى أناسا جاؤوا من أحياء شعبية بطونهم خاوية إلا من خبز و شاي و بيصارة و مما يأكله البسطاء من أبناء الشعب، فقلنا الحمد لله الذي وهبنا بعد طول انتظار أناسا يشعرون بوجع الفقير و ألم المسكين. أعلنتم سيدي الرئيس حربكم المقدسة على التماسيح و العفاريت و رسمتم صورة لأنفسكم أمام الجماهير على أنكم أسد المرحلة الذي جاء ليعيد الأمور إلى نصابها. و خلال الخمس سنوات التي شارفت على الإنتهاء انتظرنا سقوط رؤوس الفساد واحدا تلو الآخر، و كنا مستعدين لتحمل تبعات الإصلاح على أن يكون شاملا يلزم جميع طبقات المجتمع و ليس على حساب الضعفاء. نأسف سيدي الرئيس لأنك إستأسدت على فقراء وطنك عندما حرمتهم من الدعم و عندما سلخت المأجورين بإصلاحك المعوج لنظام التقاعد و عندما رفعت أثمنة الماء و الكهرباء و المواد الغذائية.. لقد أردتم إصلاحا فرضتموه على الطبقات الفقيرة و المتوسطة فقط و لم تجرؤوا على الإقتراب من البرجوازية الفاسدة و من الباطرونا بدعوى حماية الإستثمارات. جئتم لتكرسوا الوضع القائم و ليس لتغيروا ما هو كائن. تعلمون سيدي الرئيس أن إنقاذ الوطن مسؤولية جميع فئات المجتمع و في مقدمتهم من أنعم الله عليهم و رزقهم من فضله، و ليس مسؤولية فئة دون أخرى. تعلمون سيدي الرئيس أن الوطنية لا تتجزأ و أن أول من يتحمل و يضحي للوطن هم فقراءه فلما لم تلزم أغنياءه بالإصلاح. لماذا ألزمتنا -و كنت حازما- بإصلاح ما أفسده غيرنا؟ هل نحن من أفلس صناديق التقاعد و المقاصة و مكتب الكهرباء و مكتب المطارات...؟ لماذا علينا أن نتحمل أخطاء غيرنا و أخطاء من سبقوك في التسيير؟ لماذا يدفع الفقير فاتورة فساد السياسي و الباطرون و المسؤول السامي وووو سيدي الرئيس، لو كانت إجراءاتكم الإصلاحية جدية لأخذتم من الغني لتطعموا الفقير، و لكن ما نراه يؤكد لنا أن سياستكم كتزيد الشحمة في ظهر المعلوف.. لم نر إجراء واحدا يشارك به أغنياء الوطن في إنقاذ الوطن. ستقولون لنا أنكم أول من أحدث الراميد، و صندوق دعم الأرامل، و التعويض عن فقدان الشغل، و رفعتم من الحد الأدنى للتقاعد و الأجور... كل ذلك على حساب الفقير و المواطن المغلوب على أمره، فالحسبة بسيطة إرفع الدعم عن كل شئ و أسكتهم بالفتات.. فأين هم التماسيح و العفاريت من هذا كله؟ لماذا لم تعد تذكرهم في خطاباتك النارية؟ أم أنك صرت حملهم الوديع بعدما فترة الترويض، أم أنه خطاب استهلاكي للإنتخابات؟ كان حريا بسيادتكم أن تستقيلوا إن كنتم غير قادرين على مواجهة الفساد الذي اتخذتموه شعارا لكم و كان أحرى أن تكونوا في صف الشعب الذي حملكم مسؤولية تسيير شأنه العام لا ضده. و لعل التقارير الدولية توقظ فيكم شيئا من الضمير فنحن في الرتية 88 دوليا في مؤشر الفساد و من أغلى الدول من حيث تكلفة المعيشة و تعليمنا يحتل رتبا متأخرة جدا و قس على ذلك الصحة و التشغيل... سيدي الرئيس، الإنتخابات على الأبواب و قد كنتم آخر سياسي وثق فيه شباب هذا الوطن و في نفس الوقت قطعت سياستكم شعرة معاوية التي تربطنا بالسياسة.