ضمن سلسلة "الردود العلمية على خريج دار الحديث الحسنية "محمد ابن الأزرق الأنجري" الجزء السابع / الحلقة الثالثة. بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين، وحرم نكاح المتعة إلى يوم الدين، وبعد: فقد تقرر فيما سبق نشره من مقالات حول الموضوع، أن أخانا "ابن الأزرق" يضعف حديث سبرة، بأسباب واهية ابتكرها بسبب خياله الواسع الذي جعله يعتقد أن الجنة التي أخرج منها أبوانا آدم وحواء كانت في كوكب آخر، وليست في السماء ولا في الأرض. ومن بين تلك الشبه التي يتعلق بها، زعمه أن الإمام مالكا رحمه الله يشكك في الحديث، لا لشيء إلا لأنه لم يروه في الموطأ! فما حقيقة هذه الدعوى ؟، وما هو سنده الذي اعتمد عليه في إطلاق هذا الحكم ؟. هذا ما سنتعرف عليه في هذه الحلقة الثالثة من الجزء السابع من سلسلة ردودنا العلمية على خريج دار الحديث الحسنية" محمد ابن الأزرق الأنجري"، فلنتابع... نص الشبهة. قال "ابن الأزرق" في مقاله حول "زواج المتعة" ج 1 : (وقد كان إمامنا مالك الصيرفي الجهبذ أول وأقدم من أشار إلى تضعيف حديث سبرة، فإنه كان يعرفه ويرويه من طريق شيخه الزهري، لكنه لم يحتج به في الموطأ رغم وضوحه والحاجة إليه، لو صح. قال الحافظ ابن عبد البر في كتاب التمهيد: رواه إبراهيم بن علي التميمي عن مالك عن ابن شهاب عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء عام الفتح. ولا يصح عن مالك. ثم قال ابن عبد البر: وقد روي عن مالك هذا الحديث عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة. هكذا مختصرا، روته طائفة لا يحتج بمثلها عن مالك، وليس يصح فيه لمالك عن ابن شهاب حديث هذا الباب والله أعلم ه قلت: لم يفسر الحافظ ابن عبد البر سبب عدم الصحة، ورواية الزهري للحديث متواترة عنه، والإمام مالك من جلة أصحاب الزهري، فيبعد أن يفوته حديث مثل هذا. وإذا كان كل فرد من الطائفة التي روت الحديث عن مالك ضعيفا، فإن تعددهم أمارة على الثبوت أيها الحافظ الكبير. وكيف تصحح ما يروى عن النبي عليه السلام من طريقين ضعيفين، عملا بتقوية الحديث بتعدد الطرق، ولا تصحح برواية طائفة ما يروى عن إمام ؟ أم أنك تخشى ما يترتب على الاعتراف برواية الإمام للحديث؟ إن ذلك يعني أن الحديث من جملة ما أسقطه الإمام من الموطأ خلال أربعين عاما من التهذيب، وهذا يعني أن الحديث لا يصلح للاحتجاج، أي أنه ضعيف عند الإمام ) اه. وذكر في كتابه "زواج المتعة : قراءة جديدة في الفكر السني" ص: 135 ما يدل على أن الإمام مالك كان يعرف حديث سبرة، فقال: ( روى الحافظ أبو الحسين بن المظفر في غرائب مالك بن أنس رقم 145 من طريق عمرو بن أبي سلمة أحد رواة الموطأ، قال : ذكر مالك، عن الزهري، عن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة قال أبو الحسين: ليس هذا في الموطأ ) اه. قلت: لنا على صنيع "ابن الأزرق" في هذين المقطعين ثلاث ملاحظات: الملاحظة الأولى: وقع فيما نقله الأستاذ عن الحافظ "ابن عبد البر" سقط يؤثر في المعنى العام الذي أراده صاحب الكلام منه، حيث سقط الاستثناء ب"غير" في الجملة التالية: « وليس يصح فيه لمالك عن ابن شهاب حديث هذا الباب والله أعلم ». وهذا الاستثناء واقع بين قوله: «ابن شهاب »، و «حديث»، وبالتالي فإن الصواب هو : « وليس يصح فيه لمالك عن ابن شهاب غير حديث هذا الباب والله أعلم ». والمقصود بحديث الباب هنا، هو حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم « نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية». الملاحظة الثانية: الحديث عند ابن المظفر برقم 149 وليس 145 كما ذكر "ابن الأزرق". الملاحظة الثالثة: اقتصر عند إيراده لهذه الطريق عن مالك رحمه الله بذكر الراوي عنه وهو عمرو بن أبي سلمة، ولم يقم بدراسة سند الحديث، ولا ذكر حال الرواة بينه وبين ابن المظفر كما تقتضيه قواعد علم الحديث، وفيما يلي عرض لسند الحديث كما أورده ابن المظفر رحمه الله: « حدثنا أيوب بن محمد بن محمد بن داود القرى، بمصر، نا ابن سهل الحضرمي ، نا عمرو بن أبي سلمة، قال: ذكر مالك، عن الزهري، عن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة قال أبو الحسين: ليس هذا في الموطأ » ه. قلت: لم أظفر لحد الآن بترجمة لشيخ ابن المظفر وهو: أيوب بن محمد بن محمد بن داود القري، كما لم أجد ترجمة مستفيضة لشيخ أيوب بن محمد وهو: مسعود بن سهل الحضرمي إلا في كتاب "طبقات الشافعيين" لابن كثير ص: 157، حيث قال عنه: ( قال ابن يونس، في تاريخ مصر: يروى عن محمد بن إدريس الشافعي، وبشر بن بكر، وعمر بن أبي سلمة، وغيرهم ). أما عمرو بن أبي سلمة، فقد اختلف الأئمة فيه على أقوال، أوسطها حكم ابن حجر عليه حيث قال: « صدوق له أوهام »، بالإضافة إلى أن الذهبي قد وثقه في كتابيه: "ديوان الضعفاء" ص: 303، و "من تكلم فيه وهو موثق" ص: 146 فقال: «ثقة، قال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به ». فيكون حديثه حسنا في أقل أحواله، لكن يبقى الإشكال في الواسطة بينه وبين ابن المظفر، فلا يمكن إثبات صحة الحديث حتى نجد ما يدل على عدالتهما، كما تدل على ذلك قواعد هذا العلم الشريف. لكن على فرض صحة الحديث الذي رواه الحافظ ابن المظفر رحمه الله، فهل تكون روايته تلك دليلا على ضعف الحديث عند الإمام مالك رحمه الله ؟، هذا ما سنناقشه من خلال المحاور التالية: المحور الأول: هل جمع "الموطأ" جميع أحاديث الإمام مالك ؟ لم يضع الإمام مالك في "الموطأ" كل الأحاديث التي صحت لديه، وهذا مشهور ومعروف بين المشتغلين بعلم الحديث قديما وحديثا، قال البيهقي في السنن الكبرى 5 / 567 : « ولمالك بن أنس , مسانيد لم يودعها الموطأ رواها عنه الأكابر من أصحابه خارج الموطأ , والله أعلم ». قلت: في قوله: "رواها عنه الأكابر من أصحابه" دليل على صحتها وعدم نكارتها. لذلك ألف العلماء عدة تصانيف ضمنوها الأحاديث التي رواها الإمام مالك خارج الموطأ، وقد اعتنى بهذا النوع من الأحاديث مجموعة من كبار المحدثين كأبي زرعة الرازي. قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: 1 / 331: « حدثنا عبد الرحمن قال سمعت علي بن الحسين بن الجنيد المالكي يقول: ما رأيت أحدا أحفظ لحديث مالك بن أنس لمسنده ومنقطعه من أبي زرعة. قلت : ما في الموطأ والزيادات التي ليست في الموطأ؟ قال: نعم.» وقال القاضي عياض في "ترتيب المدارك" 2 / 80، في معرض ذكره لعناية العلماء بجمع أحاديث مالك رحمه الله سواء في الموطأ أو غيره: « وجمع كثير منهم حديث مالك من الموطأ وغيره، فممن ألف في ذلك القاضي إسماعيل صنع موطأ المسند على رجاله إلى مالك بن أنس من موطئات مالك وسائر حديثه». ثم سرد مجموعة من التآليف حول أحاديث مالك بشكل عام إلى أن قال 2/ 82 83 84: « ومحمد بن المظفر الحافظ كتاب فيما وصله مالك مما ليس في الموطأ ... وللقاضي أبو بكر ابن السليم كتاب التوصيل مما ليس في الموطأ ... ولأبي عمر بن عبد البر كتاباه الكبيران المشهوران في الكلام عليه وشرح معانيه كتاب التمهيد وكتاب الاستذكار، وله كتاب التقصي في مسند حديثه ومرسله وكتاب في حديث مالك خارج الموطأ» اه. فهذا يؤكد ما سبقت الإشارة إليه من أن الإمام مالكا لم يضع في الموطأ كل ما صح لديه، ولم يقل أحد من المتقدمين ولا المتأخرين أن ما لم يروه الإمام مالك في الموطأ يعتبر ضعيفا عنده، والتمسك بهذه الشبهة لا يدل إلا على ضعف حجة صاحبها لأنها أوهى من بيت العنكبوت. وأخونا "ابن الأزرق" يعرف هذه الحقيقة، بدليل أنه ذكر رواية الإمام مالك لهذا الحديث من طريق عمرو بن أبي سلمة والتي أخرجها الحافظ أبو المظفر في كتابه:"غرائب مالك بن أنس"، لكنه كعادته ابتكر هذه القاعدة المنكرة التي لا تستند إلا على الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا. المحور الثاني: إلزام قوي إن من بين تلك الأحاديث التي رواها الإمام خارج "الموطأ"، حديث « إنما الأعمال بالنيات »، فهو مروي من طريق مالك رحمه الله في صحيح البخاري، ومع ذلك لم يورده الإمام في كتابه، وهو من الأحاديث التي يستدل بها "ابن الأزرق" في بعض مقالاته، ومنها المقال المتعلق بالمتعة في جزئه الأول، ومقاله حول تصحيح حديث الخلافة والذي عنونه ب " حديث الخلافة بميزان المحدثين / الجزء 4". فهل يملك الجرأة على تضعيف هذا الحديث الجليل الذي أطبقت الأمة على قبوله ؟، أم يناقض أصله الذي ابتدعه، ويقر بصحته مع التمسك بضعف حديث سبرة عند إمام دار الهجرة رحمه الله ؟، أم سيواصل عناده ويأتي بتأصيل خلفي جديد لم يسبقه إليه إنس من قبل ولا جان ؟. المحور الثالث: نماذج لأحاديث صحيحة رواها الإمام مالك خارج الموطأ 1 حديث: « إنما الأعمال بالنيات ». رواه البخاري من طريق مالك برقم 54: حدثنا عبد الله بن مسلمة، قال: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى ... الحديث ». ورواه أيضا برقم 5070: حدثنا يحيى بن قزعة، حدثنا مالك، بنفس الرجال بعد مالك. ورواه مسلم أيضا من طريق مالك برقم 1907، بنفس سند البخاري، قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عمر بن الخطاب، به. كما رواه النسائي برقم 75 و 3437 من طريق ابن القاسم. وردا على من توهم أن الإمام مالك قد روى هذا الحديث في الموطأ قال ابن الملقن في كتابه " الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1 / 147: « ولم يبق من أصحاب الكتب المعتمد عليها من لم يخرجه سوى مالك فإنه لم يخرجه في الموطأ، نعم رواه خارجها وأخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديثه، ووهم ابن دحية فقال في كلامه على هذا الحديث: إن مالكًا أخرجه في موطئه وأن الشافعي رواه عنه وهو عجيب منه ». وقال ابن حجر العسقلاني في الفتح 1/ 11: « إن هذا الحديث متفق على صحته أخرجه الأئمة المشهورون إلا الموطأ ووهم من زعم أنه في الموطأ مغترا بتخريج الشيخين له والنسائي من طريق مالك». استدراك وردّ: قد يستدرك البعض علينا بأن هذا الحديث قد ورد في "الموطأ" من رواية محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة برقم 983، إلا أنها وإن كانت من الروايات المعتمدة لكنها أقل رتبة من باقي الروايات التي لم تنقله عن مالك، كرواية يحيى بن يحيى الليثي المقدمة عند المغاربة، ورواية أبي مصعب الزهري، ورواية عبد الله بن مسلمة القعنبي، والذي يعتبر من أثبت الناس في الموطأ كما ذكر يحيى بن معين وغيره. أضف إلى ذلك أن محمد بن الحسن الشيباني لم يقتصر في هذه الرواية على أحاديث مالك رحمه الله فقط، بل أدخل فيها آثارا عن غيره، قال اللكنوي في "التعليق الممجد على موطأ محمد" 1 / 141: « فجميع ما في هذا الكتاب من الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة على الصحابة ومن بعدهم مسندة كانت أو غير مسندة ألف ومائة وثمانون (1180) ، منها عن مالك ألف وخمسة (1005) ، وبغير طريقه مائة وخمسة وسبعون (175) ، منها عن أبي حنيفة ثلاثة عشر (13) ، ومن طريق أبي يوسف أربعة (4) ، والباقي عن غيرهما»، فقد يكون هذا الحديث مما سمعه من مالك خارج الموطأ فأدخله فيه . وقد لازم محمد ابن الحسن الإمام مالك حوالي ثلاث سنين، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 9 / 135: « وقال الشافعي: قال محمد بن الحسن: أقمت عند مالك ثلاث سنين وكسرا، وسمعت من لفظه سبع مائة حديث». بينما لازم القعنبي مالكا ثلاثين سنة يروي عنه الموطأ قراءة وسماعا، قال الذهبي في السير 10 / 259 263: « وروى: عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني الواهي، عن الميموني، سمعت القعنبي يقول: اختلفت إلى مالك ثلاثين سنة، ما من حديث في (الموطأ) إلا لو شئت قلت: سمعته مرارا ... وروى: محمد بن علي بن المديني، عن أبيه، قال: لا يقدم أحد من رواة (الموطأ) على القعنبي ... وقال الإمام ابن خزيمة: سمعت نصر بن مرزوق يقول: أثبت الناس في (الموطأ) : القعنبي، وعبد الله بن يوسف بعده ... قال أبو عبد الله الحاكم: قال الدارقطني: يقدم في (الموطأ) : معن بن عيسى، وابن وهب، والقعنبي. ثم قال: وأبو مصعب ثقة في (الموطأ) ». فإذا ثبت ذلك وتقرر. وعلى فرض أن الإمام مالك كان يروي حديث "إنما الأعمال بالنية" في موطئه، ف ( إن ذلك يعني أن الحديث من جملة ما أسقطه الإمام من الموطأ خلال أربعين عاما من التهذيب، وهذا يعني أن الحديث لا يصلح للاحتجاج، أي أنه ضعيف عند الإمام ) الجملة الأخيرة التي بين قوسين من قواعد "ابن الأزرق" التي ضعف بها حديث سبرة، فهي ملزمة له هنا أيضا . فهل يجرؤ صاحبنا على القول بأن حديث عمر رضي الله عنه: «إنما الأعمال بالنية» ضعيف عند الإمام مالك؟. 2 قال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم: 6140: حَدَّثَنَا يُونُسُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ ظَلَمَ مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا يُطَوَّقُهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ " والحديث رواه البخاري رقم 2452، 3198، ومسلم: 1610 وغيرهما، وقد أورده الدارقطني في " الأحاديث التي خولف فيها مالك بن أنس" وقال: « هكذا حدث به عبد الله بن وهب عن مالك وليس هو في الموطأ ». 3 روى مسلم في صحيحه رقم 1072 : حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي، حدثنا جويرية، عن مالك، عن الزهري، أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث، حدثه قال: اجتمع ربيعة بن الحارث، والعباس بن عبد المطلب، فقالا: والله، لو بعثنا هذين الغلامين - قالا لي وللفضل بن عباس - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه، فأمرهما على هذه الصدقات، فأديا ما يؤدي الناس ... الحديث ». 4 روى البخاري رقم 22، ومسلم 184، والسند للبخاري قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار» ...الحديث. 5 قال البخاري ح 100: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال حدثني مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ...» الحديث. المحور الرابع: فائدة تتبع روايات الإمام مالك خارج الموطأ لقد روى إمامنا مالك مجموعة من الأحاديث في الموطأ مرسلة أو معضلة أو موقوفة، لكنها موصولة خارجه، وبتتبع روايات الحديث من طريق مالك خارج الموطأ، نستطيع أن نصل الروايات التي رواها فيه منقطعة. وفيما يلي سرد لبعض الأمثلة على ذلك، أوردها من كتاب " الأحاديث التي خولف فيها مالك بن أنس" للدارقطني رحمه الله، ص: 58 63: 1 روى مالك في الموطأ عن الزهري عن سالم مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن بلالا ينادي بليل»، وحدث به في غير الموطأ متصلا عن سالم عن أبيه، وكذلك رواه أصحاب الزهري عن الزهري. 2 روى مالك في الموطأ عن الزهري عن سالم مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل يعظ أخاه في الحياء فقال (دعه فإن الحياء من الإيمان) رواه في غير الموطأ متصلا عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، وكذلك رواه أصحاب الزهري عنه. 3 روى مالك في الموطأ عن الزهري عن سالم مرسلا (أن عمر بينما هو يخطب إذ دخل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما زدت على أن توضأت وأقبلت فقال عمر الوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل) ورواه في غير الموطأ عن الزهري عن سالم عن ابن عمر (أن عمر) متصلا، وكذلك رواه أصحاب الزهري عن الزهري منهم معمر ويونس والزبيدي وابن أخي الزهري وأبو أويس وغيرهم. 4 روى مالك في الموطأ عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة موقوفا قال (لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك) ورواه في غير الموطأ مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم 5 روى مالك في الموطأ عن الزهري عن أنس (كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة) موقوفا، وأسنده عنه ابن المبارك وغيره في غير الموطأ. ومن أراد التوسع في الموضوع أكثر فليراجع كتاب الدارقطني المشار إليه، وكذا كتاب"غرائب مالك بن أنس" لابن المظفر. فإنهما مليئان بالنماذج والأمثلة على الأحاديث التي وصلها الرواة عن مالك خارج الموطأ، وهي فيه مرسلة أو موقوفة أو معضلة. المحور الخامس: أسئلة مهمة، وإشكالات حقيقية: كثيرا ما يطرح أخونا "ابن الأزرق" بعض الأسئلة والإشكالات التي لا تزيد الحقل المعرفي إلا غموضا عند من لا علم له، ولو استغل قدرته على البحث في طرح إشكالات حقيقية، لأغنى الساحة العلمية ببحوث مفيدة، تعود عليه وعلى أمته بالنفع الكبير في الدنيا والآخرة. فالسؤال الحقيقي الذي يجب أن يطرح في هذا المقام هو: لماذا لم يضع الإمام مالك رحمه الله جميع الأحاديث التي صحت عنده في الموطأ ؟، ثم لماذا روى في الموطأ أحاديث موقوفة أو مرسلة أو معضلة وهي عنده بأسانيد موصولة أو مرفوعة ؟. إن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة لا يتحملها مقال أنجز في مدة وجيزة، بل يحتاج إلى بحث مستقل تجمع من خلاله الروايات والطرق، وينظر فيه إلى طرائق أهل عصره وزمانه في التأليف، كما تجمع أقوال أئمة هذا الشأن في الموطأ، لعل الله أن يلهم صاحب هذا العمل الصواب. وقد وجدت كلاما لابن حجر رحمه الله يمكن أن يكون منطلقا للبحث في الموضوع، حيث قال في مقدمة الفتح 1 / 6 عن سبب عدم وضع الإمام مالك لجميع مروياته في الموطأ: « فصنف الإمام مالك الموطأ وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم ». خاتمة: وفي نهاية هذه الحلقة، لا يسعني إلا أن أدعو لي ولأخي ""ابن الأزرق" بالهداية والتوفيق، مع إخلاص القصد والنية، لعل الله أن يلهمنا الصواب والسداد. هذا وقد تبين من خلال هذا المقال، أن الإمام مالكا لم يضعف يوما حديث سبرة رضي الله عنه، فإن صح عنه خارج الموطأ فهو شاهد آخر على ثبوته، وإن لم يصح، فلا يضير الإمام أن لا يعرف هذا الحديث وإن كان من جلة أصحاب الزهري، فإن للمتقدمين في رواياتهم خفايا وأسرارا لا يدرك كنهها إلا العالمون. وقد استفدت من تجربتي مع الأستاذ "محمد بن الأزرق الأنجري" أن علم الحديث له خبايا وأغوار، فهو عبارة عن أحجية معقدة جدا، لا يستطيع فك رموزها إلا من أتاه الله صدق النية، وسلامة الطوية، مع صبر وجلد، وفهم ودراية. فمن خاض في قليله تاه، ومن لم يدرك شرفه زهد فيه وازدراه، ومن أوكله الله إلى نفسه ضل وخاب. وهذا صديقنا العزيز "ابن الأزرق" يتشبث بكل شبهة ليجد له سلفا من المحدثين الذي ضعفوا حديث سبرة، فنسب ذلك إلا الإمام مالك والشافعي ويحيى بن معين والبخاري والدارقطني، وقد تبين لنا من خلال هذا البحث أن قصة تضعيف إمامنا للحديث خرافة من خرافات القرن، وأسطورة من أساطير هذا الزمان. فماذا عن بقية الشبهات ؟، هذا ما سنعرفه في حلقاتنا القادمة فانتظرونا... وإلى ذلك الحين هاهو صاحب المقال يحييكم بتحية المسلمين، تحية أهل السلم والسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ورمضان مبارك سعيد، أهله الله علينا وعلى جميع المسلمين بالإيمان والصحة واليمن والبركة والرخاء ... ولا تنسونا من صالح دعائكم.