في خضم التحديات والهزائم التي تواجهنا في الحياة، نسمع دوماً النصيحة حسنة النية “كن إيجابيًّا”، لكن مع ازدياد الأعباء، تبدو هذه الحكمة أكثر خيالية وبعداً عن الواقع، فمن الصعب أن تجد دافعاً للتركيز على الجانب الإيجابي حين لا يعدو هذا التفكير كونه نوعاً من التمني. العائق الحقيقي أمام الإيجابية هو أدمغتنا التي تبحث عن التهديدات والتركيز عليها، والتي كانت في الماضي إحدى آليات البقاء المفيدة التي ساعدت على استمرار البشر منذ فجر التاريخ، حسب “العربية” عن موقع “The Entrepreneur”. عندما عاش البشر كصيادين أو جامعي ثمار في بيئات يتواجد بها خطر التعرض للقتل يومياً عن طريق شخصٍ أو شيء ما، كان استعداد الإنسان الدائم للتهديدات المحيطة مفيداً. هذا النمط من التفكير يتسبب اليوم بالتشاؤم والسلبية، نتيجة بحث العقل الدؤوب عن التهديدات المحتملة في محيطه، لكن عملية البحث هذه تضخم من احتمال سير الأمور بشكل سيئ. رغم أهمية هذه الآلية فتواجد تهديد حقيقي في الأرجاء، إلا أنها ليست بذات الفائدة حين تقضي شهرين مقتنعاً بفشل المشروع الذي تعمل عليه، ففي هذه الحالة تتسبب هذه الآلية في تشويه نظرتك للواقع بشكل قد يدمر حياتك. صحتك والإيجابي في الحقيقة، التشاؤم ضار بالصحة، إذ أظهرت العديد من الدراسات تمتع المتفائلين بحياة أكثر صحة على المستويين النفسي والجسدي مقارنة بغيرهم. الإيجابية والأداء الحفاظ على نظرتك الإيجابية ليس جيداً لصحتك فقط، بل هو أيضاً وقود لأداءٍ أفضل، وذلك حسب إحدى الدراسات التي أجراها مارتن سليجمان حول العلاقة بين الإيجابية وأداء بعض مندوبي مبيعات وثائق التأمين. يحتاج عقلك فقط لبعض المساعدة كي يستطيع التغلب على الصوت الداخلي السلبي، وإليك خطوتين بسيطتين يمكنك اتباعهما لتدريب عقلك على النظر للجانب الإيجابي. الخطوة الأولى: افصل الحقيقة عن الخيال تتطلب الخطوة الأولى معرفة كيفية إيقاف الحوارات الداخلية السلبية مع النفس، فكلما استمرت النفس في اجترار أفكارها السلبية، كلما أمست هذه الأفكار أشد قوة، بينما في الحقيقة معظم أفكارنا السلبية هي مجرد أفكار لا حقائق. عندما تجد نفسك مقتنعاً بالأفكار السلبية المتشائمة التي يرددها صوتك الداخلي، عليك أن تتوقف وتكتبها، وأوقف ما تفعله واكتب ما تفكر به، ستساعدك لحظة التوقف هذه على إبطاء زخم أفكارك السلبية، وستمنحك صفاء الذهن المطلوب لتقييم هذه الأفكار بشكل أكثر عقلانية لتحديد مدى صحتها. قيّم هذه العبارات للوصول لمدى واقعيتها، ويمكنك التأكد أنها محض أوهام إن رأيت فيها كلمات مثل “أبداً” أو “دائماً” أو “أسوأ من أي وقت مضى”.. أو أي كلمات مشابهة. هل تفقد مفاتيحك دوماً؟ بالطبع لا، ربما تنساها بشكل متكرر، لكنك تتذكرها في معظم الأيام، ألن تجد حلاً للمشكلة التي تواجهها؟.. إن كنت في وضعٍ متأزم فربما حان الوقت لطلب المساعدة، وإن كانت المشكلة غير قابلة للحل فعلياً، فلم تهدر وقتك بضرب رأسك بالحائط؟ أما إن بدت العبارات التي كتبتها كحقائق، فشاركها مع أحد أصدقائك الذين تثق بهم لترى إن اتفقوا معك أم لا، ستظهر الحقيقة خلال نقاشكما، وعندما تشعر بأن أمراً ما سيحدث حتماً أو أنه لن يحدث أبداً، فهذا ميل العقل الطبيعي للبحث عن التهديد المحيط عن طريق تضخيم شدة الحدث أو قابليته للتكرار، ستساعدك معرفة أفكارك والتعامل معها كأفكار وفصلها عن الحقائق على الهروب من دوامة الأفكار السلبية إلى مستقبل أكثر إيجابية. الخطوة الثانية: تعرّف على الإيجابيات الآن لديك الأداة التي تمكنك من الهرب من أفكارك الانهزامية، حان وقت دفع العقل للتركيز على الأمر الآخر: الإيجابيات، وسيتطلب الأمر بعض الممارسة قبل أن تصبح النظرة الإيجابية سليقة لديك. في البداية سيحتاج عقلك بعض المساعدة المتمثلة في الاختيار الواعي لإحدى الإيجابيات للتفكير به، يمكنك اختيار أي فكرة إيجابية يستطيع العقل الانتباه إليها، قد يبدو الأمر سهلاً عندما تسير الأمور على ما يرام، ويكون مزاجك جيداً، لكنه سيشكل تحدياً حين تواجهك المشكلات وتغمرك الأفكار السلبية أو حين تسير الأمور على غير إرادتك، في هذه الأوقات يمكنك التفكير في يومك وتحديد إحدى إيجابياته مهما صغرت، وإن لم تستطع الوصول لإحدى إيجابيات اليوم فيمكنك الاستعانة باليوم أو حتى الأسبوع السابق، أو ربما يمكنك التركيز على أحد الأحداث التي تترقبها بحماس. يتعلق الأمر بإيجاد حدث إيجابي يستطيع عقلك تحويل انتباهه إليه، بدلاً من الانتباه إلى الأفكار السلبية التي قد تهاجمه، تعرّفنا في الخطة الأولى على كيفية تجريد الأفكار السلبية من قوتها عن طريق الفصل بين الحقيقة والخيال، بينما تدور الخطوة الثانية حول استبدال الأفكار الإيجابية بالسلبية، بمجرد وصولك لأحد الأفكار الإيجابية يمكنك تحويل انتباهك إليها في كل مرة يركز فيها عقلك على السلبيات. قد تواجهك بعض الصعوبة في هذا الأمر، يمكنك وقتها أن تعيد تدوين الأفكار السلبية وبيان عدم صحتها، ثم استمتع بالأفكار الإيجابية، أعلم كم تبدو هذه الخطوات بسيطة، لكن لها قدرة مذهلة على إعادة تدريب العقل ليكتسب نظرة أكثر إيجابية، كما أن لها القدرة على كسر العادات القديمة لدينا، إن أجبرنا نفسنا على اتباعها، يستطيع كل منا الاستفادة من بعض الإيجابية لمواجهة ميل عقولنا المعتاد للسلبية. اتبع هذه الخطوات، وسترى آثار التفكير الإيجابي على جسدك وأدائك وصحتك النفسية.