هذه ردود سريعة وقراءة نقدية لمقال: (من أجل الوطن واستقراره، الحاجة إلى ثورة ثقافية متعددة الأبعاد) لكاتبه محمد إنفي، وقبل الاسترسال في الكتابة لا بد أن أشير إلى أنني تناولت بالنقد والنقض في هذا الموقع مقالا للكاتب نفسه، عنوانه: (عن التطرف والإرهاب و"الداعشية" بالمغرب) وعنوان مقالي: (عن التزوير والاتهام والخيانة بالمغرب) بتاريخ 09/06/2015 . يلاحظ أولا أن العنوان طويل وعريض كألسنة كتابنا العلمانيين وأقفيتهم، وغير متماسك، فهو عبارة عن كلمات مرصوفة لا يربطها رابط يفهمه القارئ، ثم لا علاقة له بمضمون المقال، لأن المقال إقصائي يبعث على الإرهاب والتطرف اللذين يتوهم الكاتب أنهما يقضان مضجعه. والكاتب قد شاب رأسه ولم يرد أن يتعلم، فقد كتب أيضا بنفس النغمة والفكرة فأعاد على مسامعنا نفس الأسطوانة المشروخة، وفاتته الحكمة القائلة: "إذا كنت كذوبا فكن ذكورا" فتخبط وتناقض. 1 بدأ مقاله كما فعل في ذلك المقال بإحراق البخور على أعتاب الأجهزة الأمنية ليوهم السذج أنه وطني مخلص، قال: ((يكفي المرء أن يتتبع ما تفككه الأجهزة الأمنية من خلايا إرهابية....، ليدرك أن استقرار بلادنا مهدد، ومن الداخل، أساسا، الذي تجد فيه قوى الشر والفتنة العناصر المشحونة فكريا وعاطفيا والقابلة للتجنيد الإرهابي....وإذا كانت الأجهزة الأمنية المختصة قد ضاعفت جهودها .... وطورت نفسها وحسنت أداءها... الأمن الذي يقوم بدوره خير قيام في مواجهة التهديدات الإرهابية)). ولكن ذاكرته خانته في الفقرة الموالية فدان هذه الأجهزة الأمنية والنظام الذي تخدمه وأعلن بعظمة لسانه: ((أن ما نعيشه اليوم من تجليات للفكر المتطرف في صيغه المختلفة، هو نتاج للظروف السياسية التي عاشها المغرب بين سنوات الستينيات والثمانينيات من القرن الماضي. ففي خضم الصراع بين الاستبداد والتوجه الديمقراطي التقدمي، الذي عرف أوجه في تلك السنوات، ارتكب النظام المغربي فضائع كثيرة وكبيرة، ذات طابع سياسي واجتماعي وثقافي وحقوقي....)). وما يدريك، وأنت السياسي المحنك، لعل الأجهزة الأمنية تفكك ما تصنعه بيدها أو يصنع على عينها لأرب سياسي؟! لتصبح أنت ومن على شاكلتك أبواقا مجانية، تدافع عنها بدل الاشتغال بالدفاع عن المواطن المسحوق وتوعيته والمطالبة بحقوقه. 2 تناقض آخر في نفس الفقرة: ((إن الخطاب الديني المتطرف الذي انغرس عميقا، لأسباب تاريخية وسياسية واجتماعية وثقافية سنعرض لبعضها أدناه، في المؤسسات الدينية الرسمية (المجالس العلمية) والمجتمعية (المساجد) لا يزيد إلا انتشارا وتوسعا وضراوة، كالمارد الخارج من القمقم، وأصبح، بذلك، يشكل خطرا حقيقيا على أمن واستقرار البلاد)). وهذاغير مستقيم، لأن تلك المؤسسات كما هو معلوم تحت الرعاية الملكية، وهل في مصلحة الملك أن يدمر نفسه بنفسه برعاية خطر حقيقي على أمن واستقرار البلاد؟ وهل تلك الأجهزة الأمنية التي تقوم بدورها خير قيام كما قلت، تعمل في واد، والملك في واد آخر؟هذيان أي هذيان!! 3 ((كيف نشأ الفكر المتطرف في المغرب؟)) هذا سؤال طرحه الكاتب، وكأنه أثبت لنا بالدليل والبرهان أن المغرب تحت سيطرة الإرهابيين والمتطرفين، وصفقنا لاكتشافه وإثباته، فتطلعنا إليه لنعرف الكيفية التي نشأ بها! ثم أخذ يفلسف ويهرف بما لا يعرف، ويتهم الدراسات الإسلامية التي تعتمد على النقل والتي زرعت زرعا بكليات الآداب والعلوم الإنسانية وإغلاق شعب الفلسفة وإغلاق معهد السيسيولوجيا بالرباط في بداية السبعينات ... ((وتغييب قيم الحداثة والعقلانية بهدف الحد من الفكر التحليلي النقدي لدى الطلبة، ...وإذا أضفنا إلى كل هذا فتح المراكز الجهوية التربوية أمام حملة الباكالوريا لولوج التعليم دون المرور عبر الجامعة لتفادي التفاعل مع ما يعتمل فيها من تيارات فكرية وسياسية تنشد التغيير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية...، ندرك مغزى حرمان الأساتذة من متابعة الدراسة الجامعية بمذكرة للوزير"عز الدين العراقي" سنة 1980 (المذكرة 504)). والسؤال الملح بعد كل هذه البهرجة والتلفيق: ما ذنب الدراسات الإسلامية وما دورها في كل هذا؟ والعاقل الذي يحترم نفسه يفهم من كل ما ذكر الكاتب أن الإرهاب سببه هو السياسة والاستبداد والتهميش والإقصاء واحتكار السلطة، وهذا ما اتفق عليه المجانين قبل العقلاء في مشارق الأرض ومغاربها. ولكن الهدف المبيت والحقد الدفين يعميان صاحبهما فتتبدى عورتهوهو يستنتج ببلاهة عكس ما يتعلمه المبتدئون في علوم السياسة. 4 ((كيف السبيل إلى إرجاع المارد إلى قمقمه؟)) سؤال آخر طرحه الكاتب بتبجح وخنزوانة وكبر، يرى نفسه ممتطيا صهوة الثقافة العصرية ومبعوثا رحمة للعالمين: ((لن تكفي، على أهميتها، مراجعة مناهج ومقررات التربية الدينية بالمدرسة المغربية في مواجهة ظاهرة التطرف الديني، على الأقل في المدى المنظور ...فنحن في حاجة إلى ثورة دينية تنويرية عامة وشاملة من أجل اقتلاع جذور التطرف الديني الذي، غالبا، ما يغذي التطرف الثقافي والعرقي)). الهدف من هذه الفقرة هو التمهيد للطعن في العلماء عامة، وخص بالذكر الشيخين الريسونيوبنحمزة، ولكنهما كما قال المتنبي: وإذا أتتك مذمتي من ناقص===فهي الشهادة لي بأني كامل أ قال عن الريسوني: ((هل يمكن أن ننتظر، مثلا، من الدكتور "أحمد الريسوني" الذي يُقسِّم المغاربة إلى فسطاطين: فسطاط المؤمنين وفسطاط الكافرين، أن ينخرط في إصلاح حقيقي للمجال الديني، يستوعب قيم العصر وقيم التسامح وقيم الحرية، بما فيها حرية المعتقد؟ وهل هذا الذي يعتبر الفلسفة مادة لنشر الإلحاد ومنتجة للإرهابيين، يمكن أن يدافع عن قيم العصر؟ ثم، أليس في هذا الكلام استغباء للمغاربة واستخفاف بذكائهم؟ هل هناك تضليل أخطر من ذاك الذي يتستر وراء كلام حق يراد به باطل؟)). هذه دينونة ظالمة للدكتور وتزكية متعالية للكاتب، ويمكننا أن نغير من الفقرة ما يستوجب التغيير فيظهر لنا الكاتب متطرفا إرهابيا من الطراز الأول، فنقول: هل يمكن أن ننتظر، مثلا، من الكاتب محمد إنفي الذي يُقسِّم المغاربة إلى فسطاطين: فسطاط المتطرفين الإرهابيين وفسطاط المثقفين المتنورين، أن ينخرط في إصلاح حقيقي وإحداث ثورة ثقافية متعددة الأبعاد، تستوعب قيم العصر وقيم التسامح وقيم الحرية، بما فيها حرية المعتقد؟ وهل هذا الذي يعتبر التربية الإسلامية مادة لنشر الإرهاب ومنتجة للإرهابيين، يمكن أن يدافع عن قيم العصر؟ ثم، أليس في هذا الكلام استغباء للمغاربة واستخفاف بذكائهم؟ هل هناك تضليل أخطر من ذاك الذي يتستر وراء كلام حق يراد به باطل؟والعلمانيون مهرة في الكذب، يتقنون هذا التضليل باللعب على العواطف ودغدغتها من أجل تحقيق مكاسب سياسية وإيديولوجية. ب ثم قال عن الشيخ بنحمزة: ((لنأخذ نموذجا آخر لعالم ديني متطرف؛ وهو عالم رسمي... إنني أتفهم، شخصيا، بعض ردود الأفعال القوية ضد "بنحمزة"، خاصة وأنه تجاوز كل حدود اللياقة وكال لدعاة تدريس الأمازيغية كل أصناف القذف والشتم والقدح بأسلوب يطفح بالعنصرية والنزعة الإقصائية. لكن السؤال هو: هل هذا الرجل يجهل الدستور أو يتجاهله حين ينتقص، وبطريقة تبعث على التقزز، من قيمة لغة رسمية بحكم الدستور ولغة يستعملها مغاربة يقطنون بالمدن ويستوطنون السهول والجبال؟ وبمعنى آخر، فهي ليست لغة أقلية وليست لغة مهجورة. لذلك، فهجومه عليها غير مفهوم، أو بالأحرى غير أخلاقي وغير مسؤول، خاصة وأن مثل هذا الخطاب يهدد التماسك الاجتماعي ويغذي كل أنواع التطرف (الديني والثقافي والهوياتيوالعرقي)). وإذا غيرنا في هذه الفقرة "بنحمزة" وو ضعنا مكانه "إنفي" والأمازيغية مكان الإسلام أمكننا أن نضبط الكاتب متلبسا عن جدارة واستحقاق بكل المساوئ التي وصم بها الرجل ظلما وعدوانا، أقول: إنني أدرك جيدا، ما يرمي إليه محمد إنفي، خاصة أنه تجاوز كل حدود اللياقة وكال لدعاة تدريس التربية الإسلامية كل أصناف القذف والشتم والقدح بأسلوب يطفح بالعنصرية والنزعة الإقصائية. لكن السؤال هو: هل هذا الرجل يجهل الدستور أو يتجاهله حين ينتقص، بطريقة تبعث على التقزز، من قيمة دين رسمي بحكم الدستور، ودين يعتنقه مغاربة يقطنون بالمدن ويستوطنون السهول والجبال؟ وبمعنى آخر، هو ليس دين أقلية وليس دينا مهجورا. لذلك، فهجومه عليه غير مفهوم، أو بالأحرى غير أخلاقي وغير مسؤول، خاصة أن مثل هذا الخطاب يهدد التماسك الاجتماعي ويغذي كل أنواع التطرف الديني والثقافي والهوياتي والعرقي. وبهذا القلب نثبت أن كاتبنا متطرف لأن كل الأوصاف التي نبز بها الشيخ موجودة فيه وزيادة. يا هذا! إن الوطن لن يعرف الهدوء والاستقرار الذي تريده إلا بأحد أمور ثلاثة، وكلها مستحيلة لسبب أو لآخر: 1 ترحيل كل مغربي رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا إلى المريخ مثلا، أو الذوبان في الحداثة والإباحية التي تريدون فرضها على المجتمع المغربي ولو بالحديد والنار، أو القضاء عليهم قضاء مبرما، فانظر هل في مكنتك ذلك. 2 تهجير كل علماني متطرف إلى الغرب لممارسة الحداثة هناك، ولكن هذا لن يقبله السادة في الغرب، لأن هذه الطغمة المتطرفة أنيطت بها رسالة استعمارية لا بد من تأديتها في أرض هذا الوطن، أو التوبة والاعتزاز بثقافة هذا البلد ودينه وقيمه والدفاع عنها، ولكن هذا شرف لا يستحقونه، أو القضاء عليهم قضاء مبرما، وهذا لن يكون لأن الله كتب في الأزل أن هذه العصابة المرتزقة لا بد أن تلوث ظاهر هذه الأرض الطيبة بمعاصيها وباطنها بفضلاتها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. 3 الدعوة إلى كلمة سواء بين أبناء الوطن لتحرير البلاد والعباد من التبعية والهيمنة الغربية والاحتكام إلى الديمقراطية، فإذا فاز الإرهابيون والمتطرفون، علمانيين كانوا أو إسلاميين، احترمت إرادة الناخبين والمنتخبين. ولكن دون هذا خرط القتاد، ولن يسمح به الإرهاب الدولي الذي تمارسه الدول (الديمقراطية) ومن يدور في فلكهم. وبغير هذا، كل ما تكتبه ومن لف لفك من العصابة المجرمة لا يساوي قلامة ظفر، لا يقدم ولا يؤخر، لأن الإرهاب نعمة للأنظمة الحاكمة في العالم كله، فبه تعيش وتتسلط، وبه ينتعش اقتصاد شركات الأسلحة، وبه تضمن الدول المهيمنة التبعية واستمرار الهيمنة والتقسيم وتغيير الجغرافيا. ولكني أؤمن إيمانا جازما أن هذا لن يستمر، لأن دوام الحال من المحال، ولكني أبشرك أن هذا الوضع الهازل سيمتد إلى ما شاء الله، وسيشيب فيه أحفادك، فإن اردت بهم خيرا فوجههم إلى وجهة غير الوجهة التي سلكتها، وقل لهم: إن جدكم شاب رأسه في مناقشة التطرف وتحليل أسباب ظهور وانتشار الإرهاب، فخدم الاستعمار والاستبداد معا من حيث يدري ولا يدري، وفي انتظار الذي يأتي ولا يأتي. 5 ونختم بتناقض آخر وهو التأصيل للكفر بآيات كثيرة جمعها الكاتب من سور متعددة ونزعها من سياقاتها دعما لحرية المعتقد وهذا يدل على أن ما نعاه على الشيخ من تقسيم المغاربة إلى فسطاطين: فسطاط الكافرين وفسطاط المؤمنين، يؤمن به ويدعو إليه، على أن الدكتور الريسوني لا يحكم بل يحكي الواقع، قال: ((وإذا كانت الدولة ترغب، حقيقة، في أن تكون عصرية وديمقراطية وحداثية، فلا مناص من استيعاب مقومات الدولة المدنية القائمة على حرية الاعتقاد والمعتقد- ليس فقط عملا بمقولة الدين لله والوطن للجميع، بل استحضارا للآيات القرآنية في الموضوع من قبيل ""فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"،"لا إكراه في الدين"،"لكم دينكم ولي دين"،"إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها"، "ولا تزر وازرة وزر أخرى (المقصود، هنا، بكلمة أخرى هي النفس) ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"...وغيرها من الآيات الكريمة المتعلقة بهذا الموضوع موضوع حرية الاعتقاد)). وواضح أن قراءة هذه الآيات في سياقاتها وتحت مظلة علوم القرآن تعطي نتائج عكسية لما يريده الكاتب، فمثلا قوله تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) معناه الحقيقي هو التهديد كقوله تعالى في آية أخرى: (اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير) ولا شك أن الله تعالى لا يأمر الناس أن يعملوا ما يشاءون وإلا فما معنى محاسبتهم يوم القيامة على ما يفعلون؟ وهذا موضوع آخر، والذي أريد لفت الانتباه إليه هو أن الواجب على الكاتب أن يبتعد عن التأصيل الذي ليس من أهله، فإن كان من فسطاط المؤمنين أو المتطرفين الظلاميين بتعبيره فليعلم أن القرآن أسمى وأعلى وأطهر من أن يتلاعب به، وآيه الكريمة تقرأ في سياقها العام والصحيح بإخلاص وتدبر. أما الاجتزاء واقتطاعها من سياقها فيورد المجتزئ المقتطع موارد الهلاك. وإن كان من فسطاط الكافرين أو المثقفين التنويريين بزعمه فلا معنى للاستشهاد بما لا يؤمن به. كلمة أخيرة: المغرب، كالبلدان العربية كلها، منكوب بهذه العصابة من أشباه الكتاب وأدعيائهم الذين شدوا قشورا من الثقافة الغربية وجهلوا كل الجهل لباب الثقافة الإسلامية، ثم ركبوا متن الغرور العريض يغمزون ويلمزون ويقذفون ويشتمون ويتهمون ويتطلعون إلى الشهرة والجوائز في الدوائر الغربية جزاء ما يقترفون من آثام وجرائم في حق أمتهم. ولكن: ((كل يعمل على شاكلته)). ((فأهذه ردود سريعة وقراءة نقدية لمقال: (من أجل الوطن واستقراره، الحاجة إلى ثورة ثقافية متعددة الأبعاد) لكاتبه محمد إنفي، وقبل الاسترسال في الكتابة لا بد أن أشير إلى أنني تناولت بالنقد والنقض في هذا الموقع مقالا للكاتب نفسه، عنوانه: (عن التطرف والإرهاب و"الداعشية" بالمغرب) وعنوان مقالي: (عن التزوير والاتهام والخيانة بالمغرب) بتاريخ 09/06/2015 . يلاحظ أولا أن العنوان طويل وعريض كألسنة كتابنا العلمانيين وأقفيتهم، وغير متماسك، فهو عبارة عن كلمات مرصوفة لا يربطها رابط يفهمه القارئ، ثم لا علاقة له بمضمون المقال، لأن المقال إقصائي يبعث على الإرهاب والتطرف اللذين يتوهم الكاتب أنهما يقضان مضجعه. والكاتب قد شاب رأسه ولم يرد أن يتعلم، فقد كتب أيضا بنفس النغمة والفكرة فأعاد على مسامعنا نفس الأسطوانة المشروخة، وفاتته الحكمة القائلة: "إذا كنت كذوبا فكن ذكورا" فتخبط وتناقض. 1 بدأ مقاله كما فعل في ذلك المقال بإحراق البخور على أعتاب الأجهزة الأمنية ليوهم السذج أنه وطني مخلص، قال: ((يكفي المرء أن يتتبع ما تفككه الأجهزة الأمنية من خلايا إرهابية....، ليدرك أن استقرار بلادنا مهدد، ومن الداخل، أساسا، الذي تجد فيه قوى الشر والفتنة العناصر المشحونة فكريا وعاطفيا والقابلة للتجنيد الإرهابي....وإذا كانت الأجهزة الأمنية المختصة قد ضاعفت جهودها .... وطورت نفسها وحسنت أداءها... الأمن الذي يقوم بدوره خير قيام في مواجهة التهديدات الإرهابية)). ولكن ذاكرته خانته في الفقرة الموالية فدان هذه الأجهزة الأمنية والنظام الذي تخدمه وأعلن بعظمة لسانه: ((أن ما نعيشه اليوم من تجليات للفكر المتطرف في صيغه المختلفة، هو نتاج للظروف السياسية التي عاشها المغرب بين سنوات الستينيات والثمانينيات من القرن الماضي. ففي خضم الصراع بين الاستبداد والتوجه الديمقراطي التقدمي، الذي عرف أوجه في تلك السنوات، ارتكب النظام المغربي فضائع كثيرة وكبيرة، ذات طابع سياسي واجتماعي وثقافي وحقوقي....)). وما يدريك، وأنت السياسي المحنك، لعل الأجهزة الأمنية تفكك ما تصنعه بيدها أو يصنع على عينها لأرب سياسي؟! لتصبح أنت ومن على شاكلتك أبواقا مجانية، تدافع عنها بدل الاشتغال بالدفاع عن المواطن المسحوق وتوعيته والمطالبة بحقوقه. 2 تناقض آخر في نفس الفقرة: ((إن الخطاب الديني المتطرف الذي انغرس عميقا، لأسباب تاريخية وسياسية واجتماعية وثقافية سنعرض لبعضها أدناه، في المؤسسات الدينية الرسمية (المجالس العلمية) والمجتمعية (المساجد) لا يزيد إلا انتشارا وتوسعا وضراوة، كالمارد الخارج من القمقم، وأصبح، بذلك، يشكل خطرا حقيقيا على أمن واستقرار البلاد)). وهذاغير مستقيم، لأن تلك المؤسسات كما هو معلوم تحت الرعاية الملكية، وهل في مصلحة الملك أن يدمر نفسه بنفسه برعاية خطر حقيقي على أمن واستقرار البلاد؟ وهل تلك الأجهزة الأمنية التي تقوم بدورها خير قيام كما قلت، تعمل في واد، والملك في واد آخر؟هذيان أي هذيان!! 3 ((كيف نشأ الفكر المتطرف في المغرب؟)) هذا سؤال طرحه الكاتب، وكأنه أثبت لنا بالدليل والبرهان أن المغرب تحت سيطرة الإرهابيين والمتطرفين، وصفقنا لاكتشافه وإثباته، فتطلعنا إليه لنعرف الكيفية التي نشأ بها! ثم أخذ يفلسف ويهرف بما لا يعرف، ويتهم الدراسات الإسلامية التي تعتمد على النقل والتي زرعت زرعا بكليات الآداب والعلوم الإنسانية وإغلاق شعب الفلسفة وإغلاق معهد السيسيولوجيا بالرباط في بداية السبعينات ... ((وتغييب قيم الحداثة والعقلانية بهدف الحد من الفكر التحليلي النقدي لدى الطلبة، ...وإذا أضفنا إلى كل هذا فتح المراكز الجهوية التربوية أمام حملة الباكالوريا لولوج التعليم دون المرور عبر الجامعة لتفادي التفاعل مع ما يعتمل فيها من تيارات فكرية وسياسية تنشد التغيير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية...، ندرك مغزى حرمان الأساتذة من متابعة الدراسة الجامعية بمذكرة للوزير"عز الدين العراقي" سنة 1980 (المذكرة 504)). والسؤال الملح بعد كل هذه البهرجة والتلفيق: ما ذنب الدراسات الإسلامية وما دورها في كل هذا؟ والعاقل الذي يحترم نفسه يفهم من كل ما ذكر الكاتب أن الإرهاب سببه هو السياسة والاستبداد والتهميش والإقصاء واحتكار السلطة، وهذا ما اتفق عليه المجانين قبل العقلاء في مشارق الأرض ومغاربها. ولكن الهدف المبيت والحقد الدفين يعميان صاحبهما فتتبدى عورتهوهو يستنتج ببلاهة عكس ما يتعلمه المبتدئون في علوم السياسة. 4 ((كيف السبيل إلى إرجاع المارد إلى قمقمه؟)) سؤال آخر طرحه الكاتب بتبجح وخنزوانة وكبر، يرى نفسه ممتطيا صهوة الثقافة العصرية ومبعوثا رحمة للعالمين: ((لن تكفي، على أهميتها، مراجعة مناهج ومقررات التربية الدينية بالمدرسة المغربية في مواجهة ظاهرة التطرف الديني، على الأقل في المدى المنظور ...فنحن في حاجة إلى ثورة دينية تنويرية عامة وشاملة من أجل اقتلاع جذور التطرف الديني الذي، غالبا، ما يغذي التطرف الثقافي والعرقي)). الهدف من هذه الفقرة هو التمهيد للطعن في العلماء عامة، وخص بالذكر الشيخين الريسونيوبنحمزة، ولكنهما كما قال المتنبي: وإذا أتتك مذمتي من ناقص===فهي الشهادة لي بأني كامل أ قال عن الريسوني: ((هل يمكن أن ننتظر، مثلا، من الدكتور "أحمد الريسوني" الذي يُقسِّم المغاربة إلى فسطاطين: فسطاط المؤمنين وفسطاط الكافرين، أن ينخرط في إصلاح حقيقي للمجال الديني، يستوعب قيم العصر وقيم التسامح وقيم الحرية، بما فيها حرية المعتقد؟ وهل هذا الذي يعتبر الفلسفة مادة لنشر الإلحاد ومنتجة للإرهابيين، يمكن أن يدافع عن قيم العصر؟ ثم، أليس في هذا الكلام استغباء للمغاربة واستخفاف بذكائهم؟ هل هناك تضليل أخطر من ذاك الذي يتستر وراء كلام حق يراد به باطل؟)). هذه دينونة ظالمة للدكتور وتزكية متعالية للكاتب، ويمكننا أن نغير من الفقرة ما يستوجب التغيير فيظهر لنا الكاتب متطرفا إرهابيا من الطراز الأول، فنقول: هل يمكن أن ننتظر، مثلا، من الكاتب محمد إنفي الذي يُقسِّم المغاربة إلى فسطاطين: فسطاط المتطرفين الإرهابيين وفسطاط المثقفين المتنورين، أن ينخرط في إصلاح حقيقي وإحداث ثورة ثقافية متعددة الأبعاد، تستوعب قيم العصر وقيم التسامح وقيم الحرية، بما فيها حرية المعتقد؟ وهل هذا الذي يعتبر التربية الإسلامية مادة لنشر الإرهاب ومنتجة للإرهابيين، يمكن أن يدافع عن قيم العصر؟ ثم، أليس في هذا الكلام استغباء للمغاربة واستخفاف بذكائهم؟ هل هناك تضليل أخطر من ذاك الذي يتستر وراء كلام حق يراد به باطل؟والعلمانيون مهرة في الكذب، يتقنون هذا التضليل باللعب على العواطف ودغدغتها من أجل تحقيق مكاسب سياسية وإيديولوجية. ب ثم قال عن الشيخ بنحمزة: ((لنأخذ نموذجا آخر لعالم ديني متطرف؛ وهو عالم رسمي... إنني أتفهم، شخصيا، بعض ردود الأفعال القوية ضد "بنحمزة"، خاصة وأنه تجاوز كل حدود اللياقة وكال لدعاة تدريس الأمازيغية كل أصناف القذف والشتم والقدح بأسلوب يطفح بالعنصرية والنزعة الإقصائية. لكن السؤال هو: هل هذا الرجل يجهل الدستور أو يتجاهله حين ينتقص، وبطريقة تبعث على التقزز، من قيمة لغة رسمية بحكم الدستور ولغة يستعملها مغاربة يقطنون بالمدن ويستوطنون السهول والجبال؟ وبمعنى آخر، فهي ليست لغة أقلية وليست لغة مهجورة. لذلك، فهجومه عليها غير مفهوم، أو بالأحرى غير أخلاقي وغير مسؤول، خاصة وأن مثل هذا الخطاب يهدد التماسك الاجتماعي ويغذي كل أنواع التطرف (الديني والثقافي والهوياتيوالعرقي)). وإذا غيرنا في هذه الفقرة "بنحمزة" وو ضعنا مكانه "إنفي" والأمازيغية مكان الإسلام أمكننا أن نضبط الكاتب متلبسا عن جدارة واستحقاق بكل المساوئ التي وصم بها الرجل ظلما وعدوانا، أقول: إنني أدرك جيدا، ما يرمي إليه محمد إنفي، خاصة أنه تجاوز كل حدود اللياقة وكال لدعاة تدريس التربية الإسلامية كل أصناف القذف والشتم والقدح بأسلوب يطفح بالعنصرية والنزعة الإقصائية. لكن السؤال هو: هل هذا الرجل يجهل الدستور أو يتجاهله حين ينتقص، بطريقة تبعث على التقزز، من قيمة دين رسمي بحكم الدستور، ودين يعتنقه مغاربة يقطنون بالمدن ويستوطنون السهول والجبال؟ وبمعنى آخر، هو ليس دين أقلية وليس دينا مهجورا. لذلك، فهجومه عليه غير مفهوم، أو بالأحرى غير أخلاقي وغير مسؤول، خاصة أن مثل هذا الخطاب يهدد التماسك الاجتماعي ويغذي كل أنواع التطرف الديني والثقافي والهوياتي والعرقي. وبهذا القلب نثبت أن كاتبنا متطرف لأن كل الأوصاف التي نبز بها الشيخ موجودة فيه وزيادة. يا هذا! إن الوطن لن يعرف الهدوء والاستقرار الذي تريده إلا بأحد أمور ثلاثة، وكلها مستحيلة لسبب أو لآخر: 1 ترحيل كل مغربي رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا إلى المريخ مثلا، أو الذوبان في الحداثة والإباحية التي تريدون فرضها على المجتمع المغربي ولو بالحديد والنار، أو القضاء عليهم قضاء مبرما، فانظر هل في مكنتك ذلك. 2 تهجير كل علماني متطرف إلى الغرب لممارسة الحداثة هناك، ولكن هذا لن يقبله السادة في الغرب، لأن هذه الطغمة المتطرفة أنيطت بها رسالة استعمارية لا بد من تأديتها في أرض هذا الوطن، أو التوبة والاعتزاز بثقافة هذا البلد ودينه وقيمه والدفاع عنها، ولكن هذا شرف لا يستحقونه، أو القضاء عليهم قضاء مبرما، وهذا لن يكون لأن الله كتب في الأزل أن هذه العصابة المرتزقة لا بد أن تلوث ظاهر هذه الأرض الطيبة بمعاصيها وباطنها بفضلاتها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. 3 الدعوة إلى كلمة سواء بين أبناء الوطن لتحرير البلاد والعباد من التبعية والهيمنة الغربية والاحتكام إلى الديمقراطية، فإذا فاز الإرهابيون والمتطرفون، علمانيين كانوا أو إسلاميين، احترمت إرادة الناخبين والمنتخبين. ولكن دون هذا خرط القتاد، ولن يسمح به الإرهاب الدولي الذي تمارسه الدول (الديمقراطية) ومن يدور في فلكهم. وبغير هذا، كل ما تكتبه ومن لف لفك من العصابة المجرمة لا يساوي قلامة ظفر، لا يقدم ولا يؤخر، لأن الإرهاب نعمة للأنظمة الحاكمة في العالم كله، فبه تعيش وتتسلط، وبه ينتعش اقتصاد شركات الأسلحة، وبه تضمن الدول المهيمنة التبعية واستمرار الهيمنة والتقسيم وتغيير الجغرافيا. ولكني أؤمن إيمانا جازما أن هذا لن يستمر، لأن دوام الحال من المحال، ولكني أبشرك أن هذا الوضع الهازل سيمتد إلى ما شاء الله، وسيشيب فيه أحفادك، فإن اردت بهم خيرا فوجههم إلى وجهة غير الوجهة التي سلكتها، وقل لهم: إن جدكم شاب رأسه في مناقشة التطرف وتحليل أسباب ظهور وانتشار الإرهاب، فخدم الاستعمار والاستبداد معا من حيث يدري ولا يدري، وفي انتظار الذي يأتي ولا يأتي. 5 ونختم بتناقض آخر وهو التأصيل للكفر بآيات كثيرة جمعها الكاتب من سور متعددة ونزعها من سياقاتها دعما لحرية المعتقد وهذا يدل على أن ما نعاه على الشيخ من تقسيم المغاربة إلى فسطاطين: فسطاط الكافرين وفسطاط المؤمنين، يؤمن به ويدعو إليه، على أن الدكتور الريسوني لا يحكم بل يحكي الواقع، قال: ((وإذا كانت الدولة ترغب، حقيقة، في أن تكون عصرية وديمقراطية وحداثية، فلا مناص من استيعاب مقومات الدولة المدنية القائمة على حرية الاعتقاد والمعتقد- ليس فقط عملا بمقولة الدين لله والوطن للجميع، بل استحضارا للآيات القرآنية في الموضوع من قبيل ""فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"،"لا إكراه في الدين"،"لكم دينكم ولي دين"،"إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها"، "ولا تزر وازرة وزر أخرى (المقصود، هنا، بكلمة أخرى هي النفس) ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"...وغيرها من الآيات الكريمة المتعلقة بهذا الموضوع موضوع حرية الاعتقاد)). وواضح أن قراءة هذه الآيات في سياقاتها وتحت مظلة علوم القرآن تعطي نتائج عكسية لما يريده الكاتب، فمثلا قوله تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) معناه الحقيقي هو التهديد كقوله تعالى في آية أخرى: (اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير) ولا شك أن الله تعالى لا يأمر الناس أن يعملوا ما يشاءون وإلا فما معنى محاسبتهم يوم القيامة على ما يفعلون؟ وهذا موضوع آخر، والذي أريد لفت الانتباه إليه هو أن الواجب على الكاتب أن يبتعد عن التأصيل الذي ليس من أهله، فإن كان من فسطاط المؤمنين أو المتطرفين الظلاميين بتعبيره فليعلم أن القرآن أسمى وأعلى وأطهر من أن يتلاعب به، وآيه الكريمة تقرأ في سياقها العام والصحيح بإخلاص وتدبر. أما الاجتزاء واقتطاعها من سياقها فيورد المجتزئ المقتطع موارد الهلاك. وإن كان من فسطاط الكافرين أو المثقفين التنويريين بزعمه فلا معنى للاستشهاد بما لا يؤمن به. كلمة أخيرة: المغرب، كالبلدان العربية كلها، منكوب بهذه العصابة من أشباه الكتاب وأدعيائهم الذين شدوا قشورا من الثقافة الغربية وجهلوا كل الجهل لباب الثقافة الإسلامية، ثم ركبوا متن الغرور العريض يغمزون ويلمزون ويقذفون ويشتمون ويتهمون ويتطلعون إلى الشهرة والجوائز في الدوائر الغربية جزاء ما يقترفون من آثام وجرائم في حق أمتهم. ولكن: ((كل يعمل على شاكلته)). ((فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)). ما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)).