لقاء يجمع وهبي بجمعية هيئات المحامين    نهاية أزمة طلبة الطب والصيدلة: اتفاق شامل يلبي مطالب الطلبة ويعيدهم إلى الدراسة    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    هولندا.. إيقاف 62 شخصا للاشتباه في ارتباطهم بشغب أحداث أمستردام    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا ابتداء من 11 نونبر الجاري بالرباط    الطفرة الصناعية في طنجة تجلعها ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث السكان    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    امستردام .. مواجهات عنيفة بين إسرائيليين ومؤيدين لفلسطين (فيديو)    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    الأمانة العامة للحكومة تطلق ورش تحيين ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية وتُعد دليلا للمساطر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    مجلة إسبانية: 49 عاما من التقدم والتنمية في الصحراء المغربية    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متى كان الانتحار شرفاً وكرامة ؟!
نشر في أخبارنا يوم 04 - 03 - 2016

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد : فالعبد يؤخذ بما يتكلم به ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (ق : 18 ) وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، ومن هنا كان لا بد من مراجعة للكلمات التي يرددها الناس ،وتجري على ألسنتهم ، ومن جملة ذلك قول الناس للمقصرين والمذنبين - في نظرهم - أشرف لك أن تنتحر أو " لو كان عند فلان كرامة لانتحر " فاعتبر هؤلاء أن الانتحار من صور الكرامة والموت بشرف، وكنت قد قرأت مقالة لأحد الكتاب يفرق فيها بين صاحب المشروع وغيره فقال : صاحب المشروع كهتلر إذا فشل مشروعه فإنه ينتحر ، أما العابث فلا ؛ لأنه يتمسك بالحياة حتى آخر نفس - يقصد بذلك صدام حسين أو غيره !! . وهذا وغيره بل الحياة بأسرها لابد من ضبطها بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)
وإليك بيان خطأ وتهافت هذه الكلمات .

أولا : حكم الانتحار والدعوة إليه
وردت النصوص الشرعية بالنهي عن قتل النفس قال تعالى: ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (النساء: من الآية29). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدَّعي الاسلام :" هذا من أهل النار" فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابته جراحة فقيل : يا رسول الله الذي قلت :انه من أهل النار فإنه قد قاتل إلىوم قتالاً شديداً ، وقد مات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إلى النار" فكاد بعض الناس أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنه لم يمت ولكن به جراحاً شديدة ،فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .... " الحديث رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ ( يطعن ) بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً فيها أبداً ". ( رواه البخاري ومسلم ).

وفي الحديث :"الذي يخنق نفسه يخنقها في النار والذي يطعنها يطعنها في النار". ( رواه البخاري) .
ويقال للمنتحر: " لن نصلح منك ما أفسدت " رواه مسلم ، ولما علم النبي الله صلى الله عليه وسلم برجل مرض ثم نحر نفسه بمشاقص معه قال: " إذا لا أصلي عليه ". ( رواه أبو داود باسناد حسن).

فالانتحار معصية وكبيرة من الكبائر وفيه معنى القنوط وهو أشد اليأس ، فكيف يتم التحريض عليه والدعوة إليه ، وأشر الناس الذين يقنطون الناس من رحمة الله ، قال علي رضي الله عنه الفقية حق الفقيه: من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يرخص لهم في معاصي الله ، ولم يؤمنهم من عذاب الله ، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره، إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا علم لا فهم فيه ، ولا قراءة لا تدبر فيها , (رواه الدارمي) .

وقد ذكر العلماء أنه لا استكراه في القتل، فلو قيل لإنسان: إما أن تقتل أخاك أو نقتلك ، فلا يجوز له أن تمتد يده بقتل أخيه إذ نفسه ليست أفضل من نفس أخيه، وقد أمر سبحانه عباده بالتعاون على البر والتقوى ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان، ولا يجوز لمن خاف الله أن يقنط من رحمته بل يكون خائفاً راجياً يخاف ذنوبه ويعمل بطاعته ويرجو رحمته.

ثانيا : معنى الشرف والكرامة

الاستقامة هي أعظم كرامة ، قيل لعبد القادر الجيلاني : أرنا من نفسك كرامة ،فصعد على المنبر ، ثم قال : منذ كم وأنا فيكم فقالوا منذ عشرين سنة ، فقال هل رأيتم علي معصية ، هل جربتم علي مخالفة ، فإن الاستقامة هي أعظم كرامة ، وقال البعض : كن طالباً للاستقامة لا للكرامة ، فإن نفسك تدعوك للكرامة والله يطالبك بالاستقامة وقال حاتم الأصم : رأيت الناس يعودون إلى التجارات والصنائع والأنساب ونظرت في قوله تعالى? إن أكرمكم عند الله أتقاكم ? فعملت بالتقوى حتي أكون كريما عنده ، فمن أراد أن يكرم نفسه ، فعليه بطاعة الله وأن يجنب نفسه ما يسخط الله جل وعلا كالانتحار وغيره من الذنوب والمعاصي ، وقد وردت النصوص تبين المعني الحقيقي للشرف ، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : " جاء جبريل إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال :يا محمد عش ما شئت فإنك ميت ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به وأحبب ماشئت فإنك مفارقه ، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس ". (رواه المنذري والطبراني في الأوسط بإسناد حسن) .

ولما قيل للنبي صلي الله عليه وسلم: أي القتل أشرف؟ قال :" من أهريق دمه وعقر جواده ". (رواه أبو داود وصححه الألباني) وفي الحديث :" تنكح المرأة لأربع ، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ". (رواه البخاري ومسلم). وفيه التحريض والحث على الزواج من صاحبة الدين ، والناس عادة يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرها عندهم ذات الدين فاظفر أنت أيها المسترشد بصاحبة الشرف الحقيقي ، وفي الحديث: " الحسب المال , و الكرم التقوى ". ( رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه). وقال النبي - صلي الله عليه وسلم - : "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ". (رواه مسلم) .

معنى الشرف والسيادة عند السلف الصالح

لقد كان للسلف رضي الله عنهم فهمهم لقضية الشرف والسيادة عبروا عنه بأقوالهم وأفعالهم، فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- قال: " كرم المؤمن تقواه ، ودينه حسبه , ومروءته خلقه ، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء فالجبان يفر عن أبيه وأمه ، والجرئ يقاتل عما لا يؤوب به إلى رحله ، والقتل حتف من الحتوف والشهيد من احتسب نفسه على الله . وقال أيضا: " تفقهوا قبل أن تسودوا ( أي تصيروا سادة وقادة ) قال البخاري : وبعد أن تسودوا , وكان عمر يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا، يعني بلالاً . وعن عكرمة قال : السيد : الذي لا يغلبه الغضب وقال الضحاك : هو الحليم التقي ، وقال مرة : الحسن الخلق ، وقال ابن القيم - رحمه الله - في وصف إرادة رب العالمين: " يا محمد أنت تريد أبا طالب ونحن نريد سلمان ، أبو طالب إذا سئل عن اسمه قال :عبد مناف، وإذا انتسب افتخر بالآباء و إذا ذكرت الأموال عد الإبل ، وسلمان إذا سئل عن اسمه قال : عبد الله ، وعن نسبه قال : ابن الإسلام ، وعن ماله قال : الفقر، وعن حانوته قال : المسجد ، وعن كسبه قال: الصبر ، وعن لباسه قال : التقوي والتواضع ، وعن وساده قال : السهر ، وعن فخره قال : سلمان منا ، وعن قصده قال : يريدون وجهه ، وعن سيره قال : إلى الجنة ، وعن دليله في الطريق قال: إمام الخلق وهادي الأئمة ".

فالشرف والكرامة الحقة في متابعة منهج الأنبياء والمرسلين والشرف يحجب المرء عن السقوط في قبيح الأفعال ولواتخذ ذريعة لأغراض غير مشروعة أضل صاحبه وأهلكه ، فكيف يقال :( أشرف له ان ينتحر ) أو ( لو كان عنده كرامة لانتحر ) !!! إن الأمور كل الأمور على ما عند الله جل وعلا ، لا ما اصطلح عليه البعض في عصور الغربة والاغتراب ، فلا يكونن أحدكم إمعة ، ولا يقلدن أحدكم دينه رجلاً ، إن آمن آمن ، و إن كفر كفر ، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ومن أراد الشرف وطلب الكرامة فليتأس بسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة وأشرفهم محمد صلي الله عليه وسلم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21)
وقد أمر صلي الله عليه وسلم بحسن الفعال ونهى عن الفخر بالأحساب والأنساب وذم الانتحار . فالواجب على كل شريف وكريم أن ينتهي عن كل ما نهى عنه صلي الله عليه وسلم وزجر .

ثالثاً: دعوة إلى التوبة لا إلى الانتحار
دعا سبحانه إلى التوبة الكفار المعاندين والمحاربين الصادين عن سبيله سبحانه فقال: ( قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ ) وهل هناك تفريط وتقصير وذنب ومعصية أعظم من الكفر بالله تعالى ؟ !! وقال سبحانه: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم) (الزمر :53 ).

فعلي العبد أن يتوب إلى ربه وإن عمل من الذنوب ما عمل ، لا أن ينتحر فيضيف بذلك للذنوب ذنبا آخر وللإسراف إسرافا . والتوبة من الكفر أو النفاق لا تكون إلا بالإيمان، والتائب ينال حب الله ومغفرته والفلاح والفوز بالجنة وهي من مظاهر رحمته تعالى بعباده وصفة من صفات الأنبياء وصالح المؤمنين ، وتقبل توبة العبد ما لم يغرغر أي ما لم تتردد روحه في حلقومه ، وفي الحديث: " إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها " (رواه مسلم) ، وهذا بالنسبة لعمر الزمن ، فباب التوبة ما يزال مفتوحاً أمام العصاة والمذنبين: " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ". والشمس لم تطلع من مغربها بعد والأجل لم يأت ، فالبدار إلى التوبة قبل حلول النقمة ، وتأخير التوبة ذنب يجب التوبة منه ، والله يفرح بتوبة عبده ويتوب على من تاب ، وفي الحديث: " كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ". ( رواه أحمد والترمذي وسنده قوي).

لا تحجروا واسعا

لا يصح لأحد أن يحجر واسعاً ، ولا أن يغلق أبواب الرحمة بكلامه ، ففي الحديث: " من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال " أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ". (رواه مسلم والترمذي وأبو داود) . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " من قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ( ثلاثاً ) غفر له وإن كان فرَّ من الزحف ". (رواه الترمذي وأبو داود والحاكم وهو حسن) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة وقالوا : كيف يا رسول الله ؟ قال : " يقاتل هذا في سبيل الله فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله عز وجل فيستشهد ". ( رواه مسلم ). وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم " سيد الأستغفار أن يقول : اللهم أنت ربي لا إله الأ أنت خلقتني و انا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك على و أبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " قال ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يُمسِ فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة ". (رواه البخاري) .

شروط التوبة

و الذنب إذا كان بين العبد و بين الرب فهو إلى العفو أقرب , ولا بد من ثلاثة شروط للتوبة منه , الأول : الندم و الثاني : الاقلاع عن المعصية و الثالث : العزم على عدم العودة فيه مرة ثانية , فإذا تضمنت المعصية انتهاك حقوق الأخرين , فلابد في التوبة من شرط رابع , وهو رد الحقوق لأصحابها أو التحلل من حقوق الآدميين , و قالوا في معنى التوبة النصوح التي أمرنا بها أن تندم بالقلب و تستغفر باللسان و تقلع بالجوارح , قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ) ( التحريم : 8) . و هذه التوبة مستجمعة الشروط تمحو كل ذنب كفراً كان فما دونه , و العبد متى أطلع الله على قلبه فوجد منه الحرص و العزم على رد الحقوق لأصحابها , فإن لم يستطع ردها و مات , فعسى الله أن يرضيهم عنه , و في حديث الرجل الذي قتل تسعة و تسعين نفسا و كمل المائة بالراهب , شاهد على قبول التوبة , و إن تعاظم الذنب , فإن الله لا يتعاظمه شئ فهل دعونا العصاة و المذنبين . و كلنا ذلك الرجل . إلى ما دعاهم إلىه أرحم الراحمين , بدلا من الدعوة إلى قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق , و لنا في رسول الله صلى الله عليه و سلم أسوة حسنة و قدوة طيبة , فقد كان يقول " و الله إني لأستغفر الله و أتوب إلىه في إلىوم أكثر من سبعين مرة " رواه البخاري . فوسعوا فيما وسعت فيه الشريعة ودوروا مع الاسلام حيث دار , يغفر الله لكم , وهو أرحم الراحمين .

رابعا : شبهة و بيان

التهكم بالمجرمين و السخرية من العصاة و المذنبيين , و دعوتهم للانتحار و تصويره على أنه شرف و كرامة , شبيهه بدعوة المصلي العاصي إلى ترك الصلاة , يقولون له : طالما أنك ترتكب كذا و كذا , إذاً فاترك صلاتك !! و كان الواجب عليهم أن يأمروه بترك المعاصي و الذنوب مع المحافظة على الصلاة , إذ كيف يؤمر بالكفر , فبين المرء الكفر و الشرك ترك الصلاة ، وكلام من يطالب العصاة بالانتحار وردنا عليه لا يتعلق بالعمليات الفدائية الاستشهادية , و التي يطلق عليها البعض أحيانا وصف الانتحارية . فالمرء إذا حمل بنفسه على صف العدو يطلب الشهادة في سبيل الله , و تقوية قلوب المؤمنين , و إضعاف الكافرين فعمله محمود و سعيه مشكور . وهذا ما قرره العلماء : قال القرطبي : و من هذا ما روي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم : أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا ؟ قال : فلك الجنة فانغمس في العدو حتى قتل ....

و قال محمد بن الحسن : لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو , فإن لم يكن كذلك فهو مكروه لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين , فإن كان قصده تجرئة للمسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه , ولأن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه وإن كان قصده إرهاب العدو ليعلم صلابة المسلمين في الدين فلا يبعد جوازه . وإذا كان فيه نفع للمسلمين فتلفت نفسه لإعزاز دين الله و توهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ) ( التوبة : 111) إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه . ا.ه . فليصطلح كل فريق على حقه , وحتى لا نكون أشبه بحاطب ليل , قد يحمل حية تلدغه , ولنحذر دس السم في العسل , و انبهارنا بالشرف و الكرامة لا يجعلنا نروج للانتحار . اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.