صراحة ينتابنا شعور بالخوف عندما نرى مسلسل القمع، الذي يتكرر مرارا في حق كل من يخرج إلى الشارع ويرفع صوته ضد الحكومة وضد قراراتها، نشعر بالخوف ليس من آلة القمع في حد ذاتها، وإنما الخوف من شدة ذلك التراجع الخطير في مجال حرية التعبير التي أصبحت مهددة في عهد بنكيران أكثر من أي وقت مضى . لا أحد يستطيع أن يخرج الآن إلى الشارع و يتظاهر ضد الحكومة، ولا أحد يستطيع أن يخرج للمطالبة بحقوقه المشروعة، كل من يخرج يتهم بالتهور وبإثارة الفتن، وما تلك التدخلات الأخيرة في حق الطلبة الأساتذة في العديد من المدن إلا خير دليل على ذلك. خرج الطلبة الأساتذة إلى الشارع ،وأعلنوها سلمية لإسقاط المرسومين الوزاريين، الأول المنظم لمباراة ولوج سلك الوظيفة العمومية لقطاع التربية والتكوين، والذي يقضي بفصل التكوين عن التوظيف،والثاني المرسوم الذي تم بموجبه تقليص منحة الأساتذة المتدربين ،خرج هؤلاء بشكل سلمي ، لم يحملوا سلاحا ولا حجارة، ولم يلجأوا إلى العنف في كل المظاهرات التي نظموها، بل كل ما في الأمر أن هؤلاء أرادوا أن يمارسوا حقهم الذي يكفله لهم الدستور ،والذي تكفله لهم كل المواثيق الدولية . السؤال الذي يطرح الآن هو لماذا لم يتخذ رئيس الحكومة أي خطوة لمنع تعنيف هؤلاء الأساتذة؟ ولماذا لا نسمع له صوتا إزاء ذلك القمع الممارس على هؤلاء الذين يطالبون بحقوقهم؟ كنا ننتظر من سعادة رئيس الحكومة الذي جاء بعد عهد الإصلاحات والذي كان قد وعد الشعب المغربي بأن يقطع مع كل التناقضات التي كانت قبل دستور 2011، أن يتخذ قرارات حازمة في حق كل من سولت له نفسه أن يعتدي على المواطن المغربي كيفما كان نوعه أستاذا ، طبيبا أو مواطنا عاديا، لكن رئيس الحكومة التزم الصمت وبذلك فتح الباب أمام المزيد من القمع في حق المغاربة، وهذا لن يكون سوى وصمة عار في جبين الحكومة المغربية التي كان الكل يعتقد أنها المخلص الوحيد للشعب من أزماته. من حق الأساتذة أن يحتجوا ومن حقهم أن ينتفضوا ضد أي قرار يعتبرونه مجحفا في حقهم، كما من حقهم أيضا أن يعاملوا معاملة تليق بهم وتليق بعهد الدستور الذي يضمن لهم حق الاحتجاج السلمي . يبدو من خلال ما نراه الآن من تكرار سيناريوهات القمع في حق المحتجين، أن الحكومة تسير ضد الدستور وتسير في اتجاه ضرب المكتسبات التي طالما ناضل من أجلها الشعب المغربي، فإذا كان الدستور في فصله 29 يؤكد على حق المغاربة في التظاهر السلمي، فإن ما يحدث في بلدنا من قمع ومن تدخل عنيف في حق المحتجين، يظهر بما لا يدع مجالا للشك أن الحكومة ليست لديها نية لتنزيل مقتضيات الدستور، وليس لديها الاستعداد لبناء دولة ديمقراطية تحترم أبنائها كما يحلم كل المغاربة . ما حدث من تدخل عنيف في حق الأساتذة المتدربين ،هو تطور خطير في مجال التضييق على الحريات وفعل يسيء إلى بلدنا المغرب، كما أنه من بوادر إعادة زمن التسلط الذي غالبا ما يكون القمع عنوانه الأبرز. يجب أن نعلم جميعا ، أن المقاربة الأمنية لم تعد تجدي نفعا، ولا يمكن لها إلا أن تزيد في تعقيد الوضع فبدل أن تفتح الحكومة الحوار مع الأساتذة، وبدل أن تنفتح على هؤلاء ،اختارت أن تستعمل العنف في حقهم، لتكون بذلك قد بدأت في سلك نهج الحكومات السابقة وبدأت تعمل خارج ما هو مسطر في الدستور الجديد الذي راهن عليه الشعب المغربي .