أكد محللون وخبراء اقتصاديون مغاربة أن تخصيص البرنامج الحكومي، الذي قدمه رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران أمام البرلمان للمصادقة عليه، لعدة إجراءات وتدابير لفائدة الفئات الفقيرة والهشة اجتماعيا، قد يعود بالأثر السلبي على ميزانية الدولة، كما أن تحقيق الوعود الاقتصادية التي جاءت في البرنامج ذاته تبدو عسيرة التطبيق على أرض الواقع، خاصة في وقت الأزمة والظرفية العصيبة التي يعاني منها شركاء المغرب داخل الاتحاد الأوروبي. والتزم البرنامج الحكومي على تحسين الأجور والمعاشات ومنح طلبة الجامعات، وتخفيض نسبة البطالة خاصة بطالة أصحاب الشهادات العليا، كما وعد بإنشاء عدة صناديق تهم تحسين أوضاع الشرائح الفقيرة، منها صندوق للضمان الاجتماعي للمعوزين، وتحويلات مالية مباشرة للفقراء والمحتاجين. بشرى للفقراء ووعد البرنامج الحكومي للفترة ما بين 2012 و2016 بتحقيق نسبة نمو اقتصادي بمعدل 5.5 في المائة، ونسبة نمو الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي بمعدل 6 في المائة، وضبط نسبة التضخم في حدود 2 في المائة، وتخفيض البطالة إلى 8 في المائة في أفق 2016، عن طريق عدة برامج تحفيزية منها برنامج "تأطير" الذي يهم فئة حاملي الشهادات المعنيين بالبطالة طويلة الأمد، من خلال منحة مالية شهرية لإعادة التأهيل في حدود سنة. وبشر الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي المغاربة بالرفع من الحد الأدنى للمعاشات من 1000 إلى 1500 درهم، الوضع الذي سيكلف خزينة الدولة أكثر من 300 كليون درهم، وأيضا الزيادة التدريجية في الأجور ليصل الحد الأدنى إلى 3000 درهم في القطاع العام. ومن التدابير الرئيسية التي تهم الفقراء ما حرصت الحكومة الجديدة، من خلال برنامجها الذي ستشتغل وفق توجيهاته، تأسيس صندوق عمومي للضمان الاجتماعي للمعوزين، الذي سيتم تمويله عن طريق إجراءات عاجلة، منها إصلاح آليات صندوق المقاصة الذي يستنزف أزيد من 45 مليار درهم، بهدف عدم ترك الأغنياء يستفيدون من هذا الصندوق أكثر من الفقراء. وفضلا عن عزم الحكومة الجديدة تفعيل مبادرة إجراء تحويلات مالية مباشرة للفقراء الذين يبلغ عددهم أكثر من 8 ملايين ونصف مغربي، تنوي السلطة التنفيذية من خلال البرنامج الحكومي أن ترفع من الاعتمادات المالية المخصصة لصندوق التكافل العائلي، وهو الصندوق الذي ييسر مبالغ النفقات لفائدة المطلقات وأطفالهن في حالة عجز الزوج عن القيام بذلك. وفي مجال الصحة، وعدت حكومة بن كيران بتمكين ما يقارب 10 ملايين مغربي من الاستفادة بصورة تدريجية من نظام التأمين الإجباري عن المرض، أما في قطاع السكن، فإن النية تتجه نحو إحداث منتوج سكني جديد بقيمة مالية لا تتعدى 800 ألف درهم موجهة لفائدة الفئات المتوسطة، وذلك من خلال تخفيض تكاليف السكن في ميزانية الأسر المغربية. مشاكل اجتماعية وأثارت هذه الإجراءات التي تعتزم الحكومة تطبيقها تحفظات عدد من الخبراء والمختصين الاقتصاديين، الذي رأى بعضهم في تخصيص تحويلات مالية مباشرة لصالح الفئات المعوزة أمرا ينذر بخلق عدة مشاكل اجتماعية، من ضمنها اندلاع الاحتجاجات على استفادة فئات دون أخرى، أو أشخاص دون غيرهم، زيادة على ترسيخ ثقافة الاتكالية وكره العمل، حيث قد يعول البعض على تلك المنحة الشهرية، فلا يبادرون إلى العمل والإنتاجية. وبالنسبة للخبير الاقتصادي الدكتور إدريس بن علي فإن هذه التدابير الحكومية لفائدة الفئات الاجتماعية المتضررة والهشة تبدو طموحة، لكنها مجرد عبارة عن نوايا مستقبلية أكثر منها أرقام قابلة للتطبيق والتنفيذ، مضيفا في تصريح للعربية نت أن تنزيل هذه الإجراءات على أرض الواقع يتطلب ميزانية أكثر مما تتحمله إمكانات الدولة في الوقت الراهن. ويشرح بن علي أن المغرب يمر بظروف اقتصادية غير مريحة حاليا، نظرا للموسم الفلاحي الذي شهدت بدايته ضعف سقوط الأمطار بشكل يكفي لتحقيق موسم زراعي مثمر وإيجابي، ثم هناك السياق الاقتصادي العالمي الذي لا يخفى على أحد مدى الأزمة التي يتخبط فيها، والتي بدون شك لها تأثيراتها السلبية على الاقتصاد الوطني. وتساءل بن علي كيف لمثل هذه الظروف الاقتصادية داخليا وخارجيا أن تسمح للحكومة الجديدة بتحقيق ما وعدت به المغاربة، خاصة الفقراء والمحرومين منهم، نظرا لأن هذه الإنجازات تتطلب كلفة مالية باهظة يصعب كثيرا توفيرها باعتبار غياب المداخيل والموارد الكافية، علاوة على استمرار التداعيات السيئة للأزمة الاقتصادية في العالم. ومن جهته، انتقد الباحث المتخصص في اقتصاد التنمية الدكتور عبد الله أخروط ما سماه المبالغة في منح الوعود الوردية للفقراء من أجل كسب ودهم وتعاطفهم، وأيضا لتأجيل مكامن الغضب والتذمر التي تجتاح نفوس قطاع عريض من الشباب، سيما العاطلين منهم من ذوي الشهادات الجامعية العليا، وكان آخر نتائج ذلك الغضب إضرام بعضهم للنار في أبدانهم، ووفاة أحدهم قبل أيام قليلة. وأعرب أخروط في تصريح للعربية نت عن عدم ثقته في أن تستطيع الحكومة الوفاء بالالتزام الذي أوردته في برنامجها الحومي أمام البرلمان، والمتمثل في تخفيض نسبة البطالة إلى 8 في المائة، بسبب أن معدل النمو لا يواكب هذا التوجه، حيث يتوقف عند نقطة 5.5 في المائة فقط، دون احتساب عوامل تراجع صادرات المغرب ومداخيل جاليته في الخارج، وغيرها من العوامل التي ستقف حجرة عثرة أمام تطبيق تلك الالتزامات، مما ينذر بوقوع فجوة نفسية وسياسية كبيرة بين الشعب والحكومة الجديدة في أفق 2016 عندما لا يتحقق إلا النزر اليسير مما وعدت به، على حد تعبير المتحدث.