شكل تاريخ 20فبراير نقطة فارقة في تاريخ المغرب الحديث، و دعونا نكون اكثر دقة، فالتاريخ لم يكن فعلا هو النقطة الفارقة بقدر ما كانت رياح الربيع العربي التي هبت نسماتها على المنطقة هي العلامة الفارقة، الرياح التي وصلت للمغرب و ترجمت على أرض الواقع في تاريخ 20 فبراير 2011، و بهذا التاريخ سمي الحراك الذي دشنه عدد كبير من الشباب المغربي رفقة هيئة من مختلف القوى الناشطة في المجال السياسي الوطني. لكن دعونا نعود إلى المشهد السياسي المغربي قبل الربيع العربي عموما و قبل 20 فبراير وحركتها على وجه التحديد، فقد بدأت الانتخاب تفقد بريقها و تشهد مستويات مشاركة متدنية جدا تفقدها مصداقيتها، نخص بالذكر الانتخابات التي اعقبت تجربة التناوب و ما رافق التجربة من انهيار آخر صرح ديمقراطي ارتضى المشاركة في الاصلاح من الداخل و انهارت معه فكرة الاصلاح، و لم يعد التعويل على الاحزاب التقليدية كافيا لضمان سمعة معتبرة للانتخابات المغربية داخليا و خارجيا، ولعل التقارير الدولية التي تحدثت عن نسبة المشاركة المتدنية في الحياة السياسية من لدن المثقفين و المتمدرسين المغاربة كانت فعلا كارثية على الدولة و مصداقيتها الديمقراطية، فكان لزاما انقاذ الأمر باستعجال و تغيير مسار اللعبة، و لم يخرج لنا ديناصورات الدولة العميقة بفكرة جديدة، بل اكتفوا باستنساخ تجارب ناجحة وقتها في دول مجاورة، فتشكل الحزب العملاق الذي يضم كبارا في كل شيء، في السياسة و المال و السلطة و الفن و الرياضة...، حزبا شبيها بنموذج الحزب الحاكم في مصر او تونس، و من هنا خرج علينا حزب الأصالة و المعاصرة الذي ولد كهلا ناضجا قويا في 7غشت 2008، ليشارك في الانتخابات التشريعية الجزئية بعد أقل من شهر و يصبح رقما صعبا في المعادلة السياسية الوطنية، حتى أنه انضم للأغلبية الحكومية قبل أن يقرر الانسحاب منها في ماي 2009، بعد ذلك شارك الحزب في الانتخابات الجماعية، وحصوله على المرتبة الأولى وطنيا بالنسبة لعدد المنتخبين، ستون بالمائة منهم منتخبون جدد، ثمتسجيل نتائج مهمة في كل الاستحقاقات التي اعقبت هذه المناسبة و انتخاب امينه العام رئيسا لمجلس المستشارين، و لم يتوقف قطار الحزب في التقدم إلا بعد أن اصطدم بقطار التغيير الفبرايري الذي دعا الى الاطاحة برموز من الحزب و على رأسها فؤاد عالي الهمة، و رغم ان الحزب نال عددا معتبرا من مقاعد البرلمان المغربي الذي تشكل وسط الزخم الفبرايري و الذي طفا على سطحه حزب العدالة و التنمية الذي شكل الحكومة، إلا ان حزب البام بقي ينتظر متربصا و لم يفقد كل قوته. اليوم نعيش سنوات قليلة بعد فتور الربيع العربي عموما و النموذج الفبرايري على وجه الخصوص، نعيش على ابواب اول انتخابات بعد انتصار النموذج القديم على النموذج الاصلاحي الفبرايري، لكننا نحس و كأننا نعود ادراجا لما قبل الربيع العربي، و كأن ديناصورات الدولة العميقة تعيد عقارب خططها الى حيث توقفت مضطرة قبل اربع سنوات، و كأنك يا أبا زيد ما غزيت كما يقول المثل، و على نفس خطاه السابقة يقدم البام حزبا مرشحا لاكتساح المشهد السياسي المغربي. خلال انتخابات الغرف الاخيرة يعود البام ليحصد المرتبة الأولى ، و قبيل الانتخابات الجماعية القادمة نشهد رحلة جماعية من مختلف الاحزاب التقليدية صوب الأصالة و المعاصرة، كتاب عامون سابقون و برلمانيون و أصحاب رؤوس الأموال وشخصيات كانت مؤثرة في احزابها، و قد هاجر خصوصا كبار من حزب العدالة و التنمية و من حزب الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي و احزاب تحصل على عدد كبير من الاصوات، هذه الاصوات التي ستنتقل مع شيوخها الى خانة البام، الشيء الذي يوحي باكتساح كبير للبام خلال الانتخابات الجماعية القادمة، و ربما يتكرر السيناريو نفسه خلال الانتخابات التشريعية ايضا. هكذا إذن تعود عقارب ساعة السياسة في المغرب خمس سنوات الى الخلف، لنشهد نفس السيناريو المرسوم سابقا مع تحسينات قليلة جدا، تمثلت أساسا في اضعاف حزب العدالة و التنمية بعد احتضانه، و ذلك أساس باصعاد طبقة جديدة للصف الاول من القيادة سواء في الحزب او الحركة لتحافظ على الحزب في الاحضان دون الخروج منها، اضافة الى بروز احزاب مغمورة للساحة بعد التحاق سلفيين أو شيعة او هما معا اليها، و ربما تلعب هذه الاحزاب دورا في زيادة بلقنة المشهد الانتخابي و تفتت الاصوات و تفرقها لتبقى كل الاحزاب مهما بلغت قوتها ضعيفة، ليكون رجل السلطة المعين اقوى دائما من (رجل السلطة) المنتخب.