لأداء الضرائب والرسوم.. الخزينة العامة للمملكة تتيح ديمومة الخدمات السبت والأحد المقبلين    توقيف سائقي سيارتي أجرة بمدينة طنجة بسبب القيادة بشكل متهور قرب المطار    *بعيدا عن المنطق الاقتصادي: الأسرة تآلف بين القلوب لا تخاصم بين الجيوب    وزارة النقل تؤجل تطبيق معيار "يورو6" على بعض أصناف السيارات    بوطوالة: الأزمة السورية تكشف عن سيناريوهات مأساوية ودور إسرائيل في الفوضى    الحوثيون يعلنون مسؤوليتهم عن هجمات جديدة ضد إسرائيل واستهداف مطار تل أبيب    وليد كبير: الرئيس الموريتاني يستبق مناورات النظام الجزائري ويجري تغييرات في قيادات الجيش والمخابرات    أمريكا: روسيا وراء إسقاط طائرة أذربيجانية    خطة استبقاية قبل ليلة رأس السنة تُمكن من توقيف 55 مرشحاً للهجرة السرية    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية مرتقبة بعدة مناطق في المغرب من السبت إلى الإثنين    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    الحكومة ترفع الحد الأدنى للأجر في النشاطات الفلاحية وغير الفلاحية    تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء المضيق    استعدادا لرحيل أمانديس.. مجلس مجموعة الجماعات الترابية طنجة-تطوان-الحسيمة للتوزيع يعقد دورة استثنائية    وفاة الرئيس التاريخي لمجموعة "سوزوكي" أوسامو سوزوكي    بورصة البيضاء تغلق التداولات بالأحمر    الجولة 16 من الدوري الاحترافي الأول .. الرجاء يرحل إلى بركان بحثا عن مسكن لآلامه والجيش الملكي ينتظر الهدية    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته ضد الرجاء    منظة تكشف عدد وفيات المهاجرين بين طنجة وإسبانيا خلال 2024    بقنبلة زُرعت في وسادته.. إسرائيل تكشف تفصيل عملية اغتيال إسماعيل هنية    الرئيس الألماني يعلن حل البرلمان ويحدد موعدا لإجراء انتخابات مبكرة    رفض دفوع الناصري وبعيوي يثير غضب المحامين والهيئة تستمع للمتهمين    صديقة خديجة الصديقي تعلن العثور على والد هشام    هل يُجدد لقاء لمجرد بهاني شاكر التعاون بينهما؟    بلغ 4082 طنا.. جمعية تشيد بزيادة إنتاج القنب الهندي المقنن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    الحكمة المغربية بشرى كربوبي تحتل الرتبة الخامسة عالميا والأولى إفريقيا    فوج جديد من المجندين يؤدي القسم    حضور وازن في المهرجان الدولي للسينما و التراث بميدلت    فنانات مغربيات تتفاعلن مع جديد مدونة الأسرة    ما حقيقة اعتزال عامر خان الفن؟    اختتام ناجح للدورة الخامسة لصالون الإلهام الدولي للفن التشكيلي بتارودانت    دوري أبطال افريقيا: تحكيم بوروندي لمباراة الجيش الملكي ومانييما أنيون الكونغولي    الصين تجهز روبوت لاستكشاف القمر    الوداد البيضاوي يعلن تعيين طلال ناطقا رسميا للفريق    لقاء تواصلي حول وضعية الفنان والحقوق المجاورة بالناظور    المصادقة على مقترحات تعيين في مناصب عليا    الجولة 16.. قمة بين نهضة بركان والرجاء والجيش يطمح لتقليص الفارق مع المتصدر    غوارديولا يتحدث عن إمكانية عقد صفقات جديدة في يناير    بايتاس: إعداد مدونة الأسرة الجديدة مبني على التوجيهات الملكية والنقاش مستمر في مشروع قانون الإضراب    تراجع أسعار الذهب وسط ترقب المستثمرين للاقتصاد الأمريكي    نواب كوريا الجنوبية يعزلون رئيس البلاد المؤقت    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    ارتفاع ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالرباط ب 4 في المائة عند متم أكتوبر    التحكيم المغربي يحقق إنجازًا عالميًا.. بشرى الكربوبي بين أفضل 5 حكمات في العالم    طعن مسؤول أمني تونسي خلال عملية إيقاف مطلوب للعدالة بتهم الإرهاب    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    علماء: تغير المناخ يزيد الحرارة الخطيرة ب 41 يومًا في 2024    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنة الانتصار الديبلوماسي والإخفاقات الكبرى للبوليساريو
نشر في أخبارنا يوم 31 - 12 - 2011

من الخطاب الملكي في 9 مارس، إلى الانتخابات التشريعية يوم 25 نونبر، قطع المغرب شوطا كبيرا على طريق الإصلاح الدستوري والمؤسساتي، في تطور نوعي، منذ استقلال البلاد سنة 1956.
وتبرز أهمية هذا التحول في معطيات عدة، أبرزها التوافق التقليدي حول الإصلاح بين المؤسسة الملكية ومجموع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين، وإضفاء طابع مغربي على الوثيقة الدستورية، في ما يعتبره محللون مغربة صنع القوانين.
وفي السياق نفسه، تندرج حركة الشارع المغربي، رغم ما قد يوجه إليها من مآخذ وانتقادات، كدليل على حيوية المجتمع المغربي، في إطار دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان، والحريات العامة.
كل هذه التحولات الإيجابية جرت في مناخ مغربي وعربي متوتر، يظهر أمامه التميز المغربي، القائم على ثورة صناديق الاقتراع، بدل ثورات الساحات والشوارع، بما أعطته من تخبط، في أفضل الحالات، ومن مآس في أسوء الحالات.
في العدد المزدوج، الصادر اليوم، تنشر صحيفة "المغربية" ملفا خاصا عن أهم أحداث سنة 2011، التي تميزت، وطنيا، بتحولات سياسية واجتماعية وتنموية كبرى، بمعالجة مبسطة، ومتابعات شاملة في مختلف المجالات.
توجيهات ملكية في خطابي عيد العرش وثورة الملك والشعب
تخليق الحياة السياسية والتأويل الديمقراطي للدستور
أحمد بوستة - كان الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، في 30 يوليوز 2011، مناسبة للتأكيد على ضرورة التنزيل السليم للدستور، الذي صادق عليه الشعب المغربي في فاتح يوليوز 2011، وأكد الخطاب الملكي أن الأحزاب السياسية، التي كرس الدستور الجديد مكانتها، كفاعل محوري في العملية الديمقراطية، أغلبية ومعارضة مدعوة لمضاعفة جهودها لتحقيق مصالحة المواطنين، خاصة الشباب، مع العمل السياسي، بمفهومه الوطني النبيل، سواء في نطاق الأحزاب، التي أناط بها الدستور مهمة المساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين، أو بالانخراط في المؤسسات الحكومية، الممارسة للسلطة التنفيذية، أو في المؤسسة البرلمانية، ذات السلطات التشريعية والرقابية الواسعة، أو في هيئات وآليات الديمقراطية المحلية، أو التشاركية، أو المواطنة.
وأوضح الخطاب الملكي أن التأهيل التشريعي العام يظل من أهم الأوراش، التي على الحكومة والبرلمان النهوض بها، قبل نهاية الولاية التشريعية الجديدة، وهو ما يقتضي بلورة خارطة طريق مضبوطة، لإعداد واعتماد مختلف القوانين التنظيمية، وإقامة المؤسسات المرتبطة بها، الحقوقية منها والتنموية.
واعتبر الخطاب الملكي لعيد العرش أن لكل زمن رجاله ونساؤه ولكل عهد مؤسساته وهيئاته، وأن دستور 2011، بصفته دستورا متقدما من الجيل الجديد للدساتير، يستلزم بالمقابل جيلا جديدا من النخب المؤهلة، المتشبعة بثقافة وأخلاقيات سياسية جديدة، قوامها التحلي بروح الغيرة الوطنية، والمواطنة الملتزمة، والمسؤولية العالية، وخدمة الصالح العام.
وبمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، في 20 غشت 2011، وضع الخطاب الملكي خارطة طريق لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة وذات مصداقية، ومحصنة من الظواهر المشينة، في مقدمتها استعمال المال، واضعا كل الفاعلين أمام مسؤولياتهم في تحقيق هذا الهدف، وداعيا الجميع، حكومة وبرلمانا وأحزابا ومواطنين وفعاليات جمعوية وإعلامية، إلى جعل المصالح العليا للبلاد فوق كل اعتبار.
وأوضح الخطاب الملكي أن الرهان الحقيقي، الذي ينبغي كسبه، في المرحلة السياسية الحالية، ليس هو اعتبار الانتخابات مجرد تنافس حزبي مشروع للفوز بأكبر عدد من المقاعد، بل هو الارتقاء بها إلى معركة وطنية نوعية حول اختيار أفضل البرامج والنخب المؤهلة لتحقيق انطلاقة جيدة لتنزيل الدستور، ولإعطاء دفعة قوية للتحول السياسي الحاسم، الذي يعرفه المغرب، وأن العمل الحزبي والحملات الانتخابية تتطلب تمويلا شفافا ومنصفا، وهو ما يضبط القانون قواعده، ويعاقب على أي إخلال بها، مبرزا أنه مهما تكن جودة القوانين وحزم السلطات، فإن الدور الذي خوله الدستور للأحزاب، يظل حاسما في تحقيق مصداقية الانتخابات وحرمة المؤسسات.
واعتبر خطاب ثورة الملك والشعب أنه، بفضل ما توفره الديمقراطية الترابية من صلاحيات واسعة لمجالسها، فإن العمل السياسي مُقبل على تحول جوهري، يجعله لا ينحصر في المفهوم المحدود للمناصب الحكومية والمقاعد البرلمانية، بل سينفتح على آفاق رحبة، من آلاف الانتدابات الانتخابية، في المجالس الجهوية والإقليمية والمحلية، التي تشكل مؤسسات أساسية، لتأهيل النخب الجديرة بتدبير الشأن العام.
وأكد الخطاب على ضرورة استشعار جسامة أمانة التصويت غير القابلة للمساومة من طرف المواطن، وتحكيم ضميره الوطني في اختياره للبرامج الواقعية، والمرشحين المؤهلين والنزهاء، ودعا المترشحين إلى القطع مع الممارسات الانتخابوية المشينة، التي أضرت بمصداقية المجالس المنتخبة، وأساءت إلى نبل العمل السياسي، وأوضح الخطاب ذاته، أن على كل من ينوي الترشح للانتخابات المقبلة أن يستحضر تكريس الدستور لربط ممارسة السلطة بالمحاسبة.
سنة الانتصار الدبلوماسي والاختراق الكبير لفائدة القضية الوطنية
حميد السموني - حققت الدبلوماسية المغربية في سنة 2011 انتصارا مهما، تمثل في كسب المزيد من التأييد لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وانتخاب المغرب عضوا في مجلس الأمن، وانتخاب عبد الواحد الراضي، رئيس مجلس النواب السابق، رئيسا للاتحاد البرلماني الدولي التابع للأمم المتحدة.
ويجمع المراقبون على أن الفعالية والنجاعة تتجلى في ما حققته الدبلوماسية الرسمية، والبرلمانية، والشعبية، في ملف الوحدة الترابية، التي تعتبر محددا مهما لسياسة المغرب الخارجية، إذ تحتل أولى الأولويات في كل تحركاتها الدولية والإقليمية والعربية.
وحرصت الدبلوماسية المغربية على بلورة مقاربة جديدة في التعامل مع ملف الصحراء المغربية، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، واستطاعت أن تحدث اختراقا سياسيا ودبلوماسيا في طريقة التعاطي مع قضية الصحراء المغربية، في اتجاه إيجاد حل سلمي وعملي، يؤدي إلى الطي النهائي للنزاع المفتعل. ونالت الرؤية الجيو استراتيجية المغربية بخصوص أبعاد استدامة النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية تأييدا واضحا، وإشادة من طرف الأمين العام للأمم المتحدة، الذي أشاد بالجهود المغربية في تقريره الصادر في شهر أبريل 2011.
يطرح المغرب تصوره الواقعي حول أهمية مشروع الحكم الذاتي، باعتباره يضمن مبدأ الوحدة الترابية للمملكة، ويمكن سكان الأقاليم الصحراوية من تدبير شؤونهم المحلية، ضمن الدولة المغربية الموحدة، في إطار الديمقراطية والحرية.
وأصبحت المبادرة المغربية موثقة في قرارات مجلس الأمن الدولي،منذ القرار رقم 1754(2007 )، الذي ثمن المشروع كمقترح جاد وذي مصداقية، في اتجاه تسوية سياسية مقبولة من كل الأطراف، بما يؤدي، عمليا، إلى تطبيق مبدأ تقرير المصير، الذي ظل الخصوم يختفون وراءه، والذي ثبتت استحالة الوصول إليه بالطريقة التقليدية عبر الاستفتاء، كما أقرت بذلك الأمم المتحدة. وزكت هذا المبدأ القرارات اللاحقة لمجلس الأمن، 1783 (2007)، و1813 (2008)، و1817(2009) و1920 (2010).
وعلى خلفية ما حققه المغرب من إشعاع دولي، انتخب، في أكتوبر الماضي، عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي، عن المجموعة الإفريقية، لمدة سنتين (2012-2013).
من جهته، اعتبر عبد الواحد الراضي، رئيس الاتحاد البرلماني الدولي، في تصريح ل "المغربية" أن المغرب سيودع سنة 2011 وهو مرتاح جدا لأداء دبلوماسيته الرسمية والبرلمانية. وقال الراضي، الذي انتخب رئيسا للاتحاد البرلماني الدولي في مؤتمره العام 125، بمدينة بيرن (سويسرا)، في أكتوبر الماضي، إنه يتحمل، في مهمته الدولية الجديدة، مسؤولية كونية ودولية للدفاع عن القيم الإنسانية وحماية حقوق الإنسان في كل دول العالم. معتبرا أن انتخابه، كأول رئيس مغربي للاتحاد، سيقوي من مردودية الدبلوماسية المغربية، وسيعزز موقع المغرب بين الدول الديمقراطية، وسيعطي دفعة قوية لتنزيل نظام الحكم الذاتي في الصحراء المغربية عبر الجهوية المتقدمة.
سبع سمات ميزتها عن سابقاتها وأكسبتها التنويه في الداخل والخارج
انتخابات 25 نونبر: الموعد الكبير مع الديمقراطية
مينة حوجيب - جرت الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر الماضي، كواحد من أهم الأحداث، التي شهدتها سنة 2011، في ظرفية سياسية دقيقة، تميزت بتحولات سياسية كبرى، في ظل ما صار يعرف ب"الربيع العربي"، إلى جانب الانعكاسات الاقتصادية الناتجة عن الأزمة المالية العالمية.
وساهمت هذه الظرفية الدقيقة، التي جرت في إطارها الانتخابات التشريعية، وطريقة تدبير مراحلها، والنتائج التي أسفرت عنها، في أن تشد إليها أنظار العالم، وأن تحظى بالتنويه والارتياح، الذي عبر عنه الفاعلون السياسيون في الداخل والخارج، وعكسته تصريحات المراقبين والمسؤولين الدوليين.
هناك سبع سمات ميزت الانتخابات التشريعية ، وجعلتها مثار اهتمام المنتظم الدولي، والمراقبين والفاعلين السياسيين في المغرب.
دستور جديد
تتجلى السمة الأولى في أن الاستحقاقات البرلمانية ليوم 25 نونبر، شكلت أول انتخابات تشريعية تجري في ظل الدستور الجديد، الذي سجل الاستفتاء حوله نسبة مشاركة بلغت 46،73 في المائة، في الوقت الذي وصلت نسبة المصوتين ب "نعم" إلى 50،98 في المائة. وعزا المراقبون ارتفاع نسبة المشاركة في هذا الاستفتاء إلى المستجدات التي تضمنتها هذه الوثيقة الدستورية، باعتبارها ميثاقا دستوريا جديدا "يكرس ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية, يختار بموجبها الملك رئيس الوزراء من الحزب الفائز في الانتخابات"، كما أنها الوثيقة التي "ستمنح صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة، كانت من قبل من صلاحيات الملك، ومن بينها تعيين وإقالة الوزراء وكبار موظفي الدولة"، كما تمنح البرلمان سلطات تشريعية واسعة لم تكن له من قبل.
إقرار دستور جديد، بمقتضيات جديدة، فرض بقوة المنطق، إجراء انتخابات جديدة، جاءت سابقة لأوانها، وهي السمة الثانية، التي ميزت استحقاقات 25 نونبر التشريعية، ما يعني أن الحكومة المنبثقة عن هذه الاستحقاقات مدعوة إلى تفعيل مضامين الدستور الجديد، وتنزيل مقتضياته، بما ينسجم مع روحه وفلسفته.
رفع كوطا النساء
ومواصلة للحديث عن السمات التي طبعت الانتخابات التشريعية الأخيرة، يمكن اعتبار الرفع من "كوطا" المقاعد النسائية في البرلمان، كتمييز إيجابي أقره المغرب منذ استحقاقات 2002، السمة الثالثة التي وسمت هذه الانتخابات، إذ انتقل عدد المقاعد المخصصة للائحة الوطنية النسائية من 30 مقعدا إلى 60 مقعدا، ما يرفع من نسبة مشاركة النساء داخل المؤسسة التشريعية.
وإذا استحضرنا انتخاب 60 امرأة في إطار اللائحة الوطنية، فقد فازت سبع نساء في إطار اللوائح المحلية، ما رفع عدد النساء داخل المؤسسة التشريعية إلى 67 نائبة، وساهم في ارتفاع نسبة وجودهن في البرلمان.
ورغم هذا التحول، إلا أن واقع المرأة المغربية وإسهاماتها الاقتصادية والاجتماعية، وحضورها القوي في المشهد السياسي والجمعوي، جعل الحركة النسائية غير راضية كل الرضا عن هذه النسبة، خصوصا أنها تطالب بالثلث في أفق المناصفة، وتسجل باستياء عدم إقبال الأحزاب السياسية على تقديم النساء كوكيلات للوائح المحلية، إذ أنه ضمن 1546 لائحة، قدمت في الدوائر المحلية، البالغ عددها 92 دائرة، تمثل جميع عمالات وأقاليم المملكة، لم يتجاوز عدد اللوائح المحلية التي ترأستها نساء سوى 57 لائحة، ما جعلها لا تمثل سوى نسبة 3.75 في المائة، وإن كان هناك تطور على هذا المستوى مقارنة مع الاستحقاقات السابقة، حيث بلغت هذه النسبة 3.00 في المائة.
كوطا للشباب
رغم الجدل، الذي أثاره تخصيص كوطا للشباب في الانتخابات التشريعية الأخيرة، في ارتباط بالحركات الشبابية، التي ولدها ما صار يعرف بالربيع العربي، إلا أن هذا الإجراء اعتبره عدد من الفاعلين السياسيين، مغاربة وأجانب إجراء "إيجابيا" من شأن باقي بلدان المنطقة الاستفادة من تطبيقه، لأن الإقرار بكون الشباب يشكلون قوة سياسية من خلال تخصيص كوطا لهم في اللوائح الانتخابية، يعتبر إشارة إيجابية، في إطار مسلسل الإصلاح الذي يعرفه المغرب.
وتعد "كوطا" الشباب السمة الرابعة التي وسمت الاستحقاقات الأخيرة، والتي من شأنها تمكين الشباب المغربي من الاهتمام بالشأن السياسي، وخلق نخب سياسية جديدة، إلى جانب تشبيب البرلمان المغربي، وإتاحة فرص طرح القضايا من وجهة نظر شبابية، ومعالجتها وفق تصورات متعددة، يعتبر التصور الشبابي واحدا من هذه التصورات، التي قد تكون ظلت مغيبة في بعض التجارب البرلمانية المغربية.
واعتبر عدد من الفاعلين السياسيين إشراك الشباب في الشأن السياسي، عبر توفير فرص وجودهم في المؤسسة التشريعية، "ماركة مغربية بامتياز"، في العالم العربي، خصوصا أن الشباب المغربي ظل يسجل حضورا قويا داخل إطارات المجتمع المدني، وفي المقابل بقي حضوره على الواجهات الحزبية شبه باهت، لتشبث قيادات عدد من الأحزاب بمراكز القرار داخل هذه التنظيمات السياسية.
ارتفاع نسبة المشاركة
سجلت الاستحقاقات التشريعية ليوم 25 نونبر ارتفاع نسبة المشاركة، وهي السمة الخامسة لهذه الاستحقاقات، إذ بلغت هذه النسبة 45,40 في المائة، مسجلة ارتفاعا، مقارنة مع نسبة ال37 في المائة، التي سجلت في الانتخابات البرلمانية لسنة 2007.
وتلقى المغاربة، عموما، وفاعلون سياسيون على الخصوص، هذه النتائج بارتياح، لأنها تؤشر على انطلاق مرحلة جديدة في الحياة السياسية المغربية، تفتح المجال لتجاوز وضعية العزوف، التي كانت تسجل في المغرب، لعدة استحقاقات.
واعتبر المتتبعون أن ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، يعد مؤشرا على دخول المغرب مرحلة تفتيت العزوف والخروج من دائرته، وتدشين مرحلة جديدة. وربط البعض هذه النسبة باعتماد دستور جديد، وأيضا بتخصيص كوطا للشباب، ورفع عدد مقاعد النساء في إطار اللائحة الوطنية.
الحياد الإيجابي
على عكس الانتخابات السابقة، لم تسجل الأحزاب السياسية المغربية على وزارة الداخلية الحياد السلبي، وهي السمة السادسة لاستحقاقات 25 نونبر، إذ، بالعودة إلى استحقاقات 2002 و2007، يمكن تذكر احتجاج التنظيمات السياسية المغربية ضد ما كانت تسميه بالحياد السلبي، الذي مارسته وقتئذ وزارة الداخلية، ونددت هذه التنظيمات بهذا الحياد، الذي يسيء للعملية الانتخابية ويفرغها من محتواها القانوني ومن محتوى النزاهة.
ولطالما ارتفعت أصوات فاعلين سياسيين منددة بالسكوت على مجموعة من الانحرافات والسلوكات المسيئة للعملية الديمقراطية، بل سجل الفاعلون بخصوص انتخابات 25 نونبر إقدام وزارة الداخلية على تنفيذ القانون وزجر عدد من المخالفات، بل تقديم مفسدين للعدالة، كما سجلوا عدم اللجوء إلى بعض الأساليب، التي ترجح كفة مرشح معين، ضدا على باقي المرشحين وضدا على القوانين.
وسجل الملاحظون مرور الانتخابات التشريعية بشفافية ونزاهة وديمقراطية، وهو ما يمكن تسجيله عند تصفح كل الصحف والجرائد الصادرة عقب الإعلان عن النتائج النهائية للاستحقاقات الأخيرة، إذ غابت المقالات التي تتحدث عن التزوير أو عن التستر على مرشح أقدم على ممارسات مخلة بالقوانين المنظمة للانتخابات، أو إقدام أطر وأعوان وزارة الداخلية على دعم مرشحين معينين أو أحزاب.
صعود التيار الإسلامي
شكل فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية السمة السابعة، إذ لأول مرة، في تاريخ المغرب، يصعد حزب إسلامي إلى مراكز تدبير الشأن الحكومي والسياسي. وعلى الرغم من وجود أحزاب سياسية يسارية في المغرب، إلا أن فوز حزب العدالة والتنمية لقي القبول من قبل بعض التنظيمات السياسية، والترحيب من قبل أخرى، طالما أن الانتخابات مرت في ظروف ديمقراطية ونزيهة وشفافة.
ويعد حزب العدالة والتنمية أول حزب سيتولى تدبير الشأن الحكومي في مغرب الدستور الجديد، الذي منح اختصاصات عدة لرئيس الحكومة، ما يجعل هذا الحزب أمام امتحان تنزيل بنود ومضامين هذا الدستور، ومواصلة تكريس دولة الحق والقانون، وضمان الحقوق وحماية المكتسبات التي راكمها المغرب، في مجالات حقوق الإنسان وحرية التعبير والمساواة والإنصاف، كما أن حزب العدالة والتنمية هو اليوم أمام امتحان تعزيز المشاركة السياسية، التي بدأت تتوهج، بعد سنوات من العزوف السياسي.
تفاعل وطني ودولي
تفاعلت إيجابيا التنظيمات السياسية والحقوقية في المغرب، وكذا جميع الدول مع مجريات استحقاقات 25 نونبر، ومع نتائجها، واعتبرت العديد من الأوساط السياسية الوطنية والدولية أن المغرب استطاع أن يتفاعل مع تداعيات "الربيع العربي" بطريقة متميزة، عندما عبر شباب 20 فبراير عن مطالبهم من خلال شعارات تختزل مطالب الشعب المغربي، المتطلع إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وقالت بعض هذه الأوساط إنه بات الآن بمقدور البرلمان الجديد، والمجتمع المدني، العمل مع جلالة الملك محمد السادس، لتطبيق الدستور الجديد، كخطوة نحو الوفاء بتطلعات وحقوق جميع المغاربة، واعتبرت هذه الجهات الدولية أن المغرب قطع خطوة مهمة في مسلسل الإصلاحات الذي انخرط فيه، واعتبرت أن هذه الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة، هي مؤشر ملموس على إرادة وعزم المغرب على التقدم في طريق الإصلاحات والدمقرطة.
وعبرت العديد من الدول عن ارتياحها لحسن سير الانتخابات التشريعية بالمغرب، معتبرة أنها دليل على النضج وحس المسؤولية، اللذين يتسم بهما الشعب المغربي، ومؤسساته.
ويمكن اختزال هذا التفاعل الدولي مع أجواء هذه الانتخابات ونتائجها في ما جاء على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون "في الوقت الذي تتبنى بعض الدول مقاربة أحادية الأبعاد, فإن صاحب الجلالة أطلق إصلاحات شاملة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية". وهنأت كلينتون "الشعب المغربي على إثر الإجراء الناجح للانتخابات التشريعية".
المجتمع الدولي يريد حلا عاجلا لملف الصحراء والجزائر تعرقل المساعي الأممية
سنة الإخفاقات والمتاعب الكبرى للبوليساريو
عبد الهادي مزراري - يجمع المؤرخون والمحللون السياسيون على أن قضية الصحراء ودعت عام 2011 بأحداث تعتبر مفصلا حيويا في مسار تطور هذا النزاع على مدى 36 سنة الماضيو، كما أن قادة البوليساريو وأنصارهم يقرون بدورهم بحقيقة التغيير، الذي طرأ على ملف قضية الصحراء من زوايا عدة، داخليا وإقليميا ودوليا، بعيدا عما كان ينتظره الجميع من جولات التفاوض المباشرة أو غير المباشرة، التي تجري تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة.
بدأ التغيير الحقيقي يجتاح محيط قضية الصحراء، انطلاقا من أحداث تجري على أرض الواقع، منطلقة من الزوايا الآنفة الذكر. فعلى المستوى الداخلي، والمقصود به ما يجري داخل مخيمات الصحراويين الواقعة تحت سيطرة جبهة البوليساريو، إذ بلغت العلاقة بين الجبهة والصحراويين، خلال العام 2011، قمة التوتر على خلفية تطور مشاكل، بدأت في التبلور، منذ عامي 2009 و2010، وتتمثل في ثورة أبناء القبائل الصحراوية، من قبيل رقيبات الشرق، وقبيلة اولاد داود، والعروسيين وغيرها من القبائل، التي أقصيت من الامتيازات وأبعدت من دائرة السلطة، وجرى تعويضها في المراكز الحساسة بعناصر تنتمي إلى قبائل موالية لجبهة البوليساريو من صحاري جزائرية وموريتانية، ما أدى إلى تيارات معارضة داخل المخيمات لقيادة محمد عبد العزيز في الرابوني، تندد بالزبونية والمحسوبية وانتشار الفساد في المخيمات وابتعاد سياسة البوليساريو عن الحل، الذي يرقبه الصحراويون، منذ أزيد من جيل كامل.
في خضم انتفاضة الصحراويين، وبموازاة مع انطلاق الربيع الديمقراطي العربي، انفجرت ثورة شباب 5 مارس في المخيمات، رافعة شعار الاستنكار والتنديد بأوضاع الصحراويين، التي بلغت حدا لا يطاق من الإهانة والعدمية في ظل عالم متغير من حولهم، منذ أزيد من 36 سنة، فيما هم باقون خارج التاريخ.
على خلفية شعور الصحراويين عامة بالتذمر من قيادة البوليساريو برزت أسماء معارضين جدد خلال عام 2011، أسوة بثورة مصطفى سلمى، التي فجرها في التاسع من غشت 2010، بتأييده لمقترح الحكم الذاتي، وثورات شباب القبائل المنتفضة، خلال أعوام 2006، 2007، و2008، وقبلها ثورة خط الشهيد في 2004.
من أبرز الأسماء المعارضة، التي لمعت خلال 2011، اسم الفنان علال الناجم، الملقب ببلبل المخيمات، الذي اشتهر بأغانيه وأشعاره بين سكان المخيمات، وكانت جبهة البوليساريو توظفه لفائدة أطروحتها ضد العلاقة التاريخية بين الصحراويين ووطنهم الأصلي، فما كان للمطرب والشاعر، علال الناجم، إلا أن يعود للأصل في عز الثورة الديمقراطية العربية ضد الديكتاتورية والديكتاتوريين، وفي مطلع غشت الماضي تغنى بالحرية والعدالة لإنارة سبيل الشباب الصحراوي من أجل إسقاط الفساد والاستبداد وتخليص الصحراويين شيوخا وشبابا، رجالا ونساء من الاستبلاد، الذي وقعوا ضحيته، وهو الأمر الذي قابلته جبهة البوليساريو باعتقال هذا الفنان وقمعه ومصادرة كل ألبوماته وحرمته من راتبه، الذي كانت تصرفه له وزارة الثقافة، التي لم تكن المسؤولة عنها سوى زوجة زعيم البوليساريو محمد عبد العزيز.
لكن علال الناجم لم يستسلم ومضى متحديا جبهة البوليساريو، وانضم إليه شباب من مختلف الأطياف وشكلوا اعتصاما مفتوحا أمام مقر بعثة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الراببوني، وانضم إليهم الطفل محمد، نجل مصطفى سلمى، البالغ من العمر 12 سنة، في أكتوبر 2011، في مشهد هز الضمير الإنساني في عدد من العواصم الأوروبية، الأمر الذي لم يزد جبهة البوليساريو إلا إصرارا على المضي في سياسة القمع والبطش، وهو ما وقعته بواسطة تدخلات مليشياتها لفض اعتصامات الشباب الصحراوي، والاعتداء بالضرب على الفنان علال الناجم، في نونبر الماضي، ومداهمة بيت عائلة مصطفى سلمى، في مارس المنصرم، واعتقال العشرات من شباب القبائل المنتفضة في مناسبات مختلفة.
ومع اقتراب عقد المؤتمر 13 للجبهة، وجد قياديو البوليساريو أنفسهم محاصرين بمشاكل داخلية قوية، وفي مقدمتها معضلة استمرارهم في السلطة، فالقيادات الديكتاتورية تهاوت من حولهم في المنطقة، وأصبحت الأصابع تشير لمحمد عبد العزيز (1975)، باعتباره أقدم ديكتاتور على وجه الأرض، بعد زوال القذافي في ليبيا (1969)، كما أن تورط قياديي البوليساريو في المتاجرة بقضية الصحراء، وتهريب الأموال إلى الخارج في حسابات بنكية خاصة، وتدريس أبنائهم في الخارج، وفتح شركات بأسمائهم في دول الجوار، وتورط عناصر أمنية في التهريب والمتاجرة بالمخدرات والتنسيق مع تنظيم القاعدة في منطقة الساحل والصحراء، إضافة إلى تورط عناصر تابعة للجبهة في خطف الرهائن الأجانب والموظفين التابعين للوكالات الإنسانية، التي تعمل في المخيمات، وتحاول أن تقتفي آثار المساعدات الموجة إلى سكان المخيمات، التي عثر عليها في أسواق الجزائر، وموريتانيا، ومالي. كل ذلك جعل قيادة البوليساريو تتحول في عيون الصحراويين من قيادة "ثورية" تناضل من أجل تقرير مصيرهم إلى قيادة مستبدة تاجرت بمصيرهم، وبالتالي فهي لا تستحق أن تمثلهم، ويجب أن يشتد النضال من أجل إسقاطها ومحاسبتها.
في هذا السياق ارتفعت أصوات القبائل الصحراوية، منددة بالمؤتمر 13، معتبرة إياه مسرحية هزلية، مؤكدة في الوقت نفسه أن أبناءها يعيشون حالة الشتات، وأن الوضع أصبح لا يطاق، وأن حربا أهلية باتت على أبواب المخيمات، منددة، أيضا بالصمت الدولي حيال ما يجري في تندوف، الذي لم يعد ما يبرره، خاصة بعد سقوط نظام القذافي الداعم لجبهة البوليساريو، وانحصار الموقف الجزائري ووقوف المجتمع الدولي على سلسلة من الخروقات ضد حقوق الإنسان في مخيمات الصحراويين وضلوع جبهة البوليساريو في عمليات داعمة للإرهاب وخطف الأجانب في منطقة الساحل والصحراء.
زوال القذافي ييتم البوليساريو وصعود الإسلاميين يضعف الجزائر
أما على المستوى الإقليمي، فإن ملف قضية الصحراء، أصبح اعتبارا من عام 2011، محكوما بالتغييرات السياسية والاقتصادية والأمنية، التي تشهدها منطقة شمال إفريقيا بشكل عام والمنطقة المغاربية بشكل خاص، إذ انتقلت موازين الضغط في هذا الملف إقليميا من أنظمة داعمة وراعية بشكل مباشر أو غير مباشر لقيادة البوليساريو، إلى قيادات ثورية جديدة ضد الديكتاتورية وحلفائها، فبعد سقوط النظام الليبي ومقتل الزعيم معمر القذافي في أكتوبر الماضي، فقدت جبهة البوليساريو الأب الروحي، الذي كان أول من قدم الدعمين المادي والمعنوي لجماعة محمد عبد العزيز، ضدا على المغرب، منذ 1975، ولهذا كانت جبهة البوليساريو أول الخاسرين بزوال النظام الليبي، إذ لم يعد في متناولها الاعتماد على الزعيم، الذي كان يسوق مشروعها عبر إفريقيا وأمريكا الجنوبية، التي كانت له علاقات وطيدة مع بعض زعمائها الديكتاتوريين مثل كوبا وفنزويلا.
كما أن سقوط نظام القذافي لم تكن له فقط نتائج سلبية على جبهة البوليساريو، التي تتبجح باعتماد قواتها لضرب الثورة الليبية وقمعها، بل عاد أيضا، بالسلب على حليفه النظام الجزائري الراعي الرسمي لجبهة البوليساريو، إذ وجدت السلطات الجزائرية نفسها في مأزق بعد إعلانها تأييد القذافي ضد الثوار، وإيواء عائلته الهاربة، ورفضها الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي، كل ذلك جعل جنيرلات الجزائر القابضين بزمام الأمور في الجارة الجزائر، يفشلون دبلوماسيا في مسايرة التطورات، التي تجري من حولهم، شأنهم شأن قيادة البوليساريو، إذ بقي الطرفان (الجزائر وجبهة البوليساريو) أسيرين حقبة نظام الحزب الوحيد.
على خلاف ذلك، سارع المغرب لتأييد الثورة الليبية، وإعلان رفض استعمال القوة ضد المتظاهرين، رغم أن حناجر شباب 20 فبراير كانت بدورها تصدح في الشوارع، مطالبة بالتغيير، غير أن المغرب قدم نموذجا في استيعاب طلبات الجميع والموافقة بينها والخروج بتلبية مرضية، من خلال دستور جديد، وانتخابات نزيهة، وصعود المعارضة الإسلامية إلى السلطة.
كل ذلك جعل النظام الجزائري أمام سؤال صعب ومعادلة غير قابلة للتقليد، فحكام قصر المرادية دأبوا طيلة تاريخ سيطرتهم على السلطة، منذ استقلال البلاد محاكاة التجارب المغربية من باب تفويت الفرصة على الشعب الجزائري لتقرير مصيره السياسي، لكن هذه المرة لم يعد بوسعهم تقليد التجربة المغربية الجديدة، فصعود الإسلاميين في نظرهم يعني نهايتهم ونهاية مشروع دولة البوليساريو، الذي يستهلكون من خلاله أموال الشعب الجزائري ويصرفونها في ما يسمونه بالدفاع عن تقرير مصير الشعب الصحراوي.
ثمة نقطة ضعف أخرى أصبحت تهدد حكام قصر المرادية المؤيدين لجبهة البوليساريو، وهي أن الثورة في الجارة تونس، أسقطت خلال عام 2011، نظام بن علي وجاءت هي الأخرى بالإسلاميين إلى السلطة، وهو ما يعني أن النظام الجزائري أصبح محاصرا بأنظمة ذات توجهات إسلامية، توصف بالمعتدلة وتحظى بثقة الدول الغربية، أي أنه لم يعد في متناول الحكام الجزائريين ما يتذرعون به للحصول على ثقة الغرب في أن بقاءهم ضروري لمحاربة التطرف والحيلولة دون وصول الإسلاميين إلى الحكم، وبالتالي فإن أي دعوة لتطبيق الديمقراطية وتحقيق التغيير في الجزائر لن يلقى معارضة خارجية في المستقبل.
في ظل تهاوي الحليف الليبي، وشعور الحليف الجزائري بالضعف، وجنوح المؤيدين المتطرفين الإسبان إلى الاهتمام بالأزمات الاقتصادية والمالية الداخلية، تكبدت جبهة البوليساريو أكبر الخسائر على الصعيد الاستراتيجي، وأصبح ينظر إليها إقليميا على أنها عبء ثقيل على من تحملوا تكاليف الدفاع عنها لتحقيق أغراض خاصة، وإن لم يكن التفكير في التخلص منها قد بدأ، فإن من تبقى من أنصارها أصبحوا ينصحونها بالتفكير جديا في الحل، الذي اقترحه المغرب وهو مشروع الحكم الذاتي قبل فوات الأوان.
الأمم المتحدة تتلقى أصواتا صحراوية تطعن في تمثيلية البوليساريو
على المستوى الدولي، شهدت قضية الصحراء، خلال عام 2011، ركودا على مستوى جولات التفاوض، التي تشرف عليها الأمم المتحدة، وتجري بين المغرب وجبهة البوليساريو، ولم تسفر الجولة الثامنة من المفاوضات غير الرسمية، في 20 يوليوز 2001، التي يرعاها المبعوث الأممي، كريستوفر روس، عن نتائج تذكر، بسبب تمسك قيادة البوليساريو بموقف جامد حيال مبدأ المفاوضات، الذي نصت عليه قرارات مجلس الأمن الصادرة على التوالي، (1754، 1813، 1871، 1979).
وفي الوقت الذي واصل المغرب حصد المواقف المؤيدة لمقترح الحكم الذاتي، الذي تقدم به كأرضية للنقاش حول نزاع الصحراء، ظلت جبهة البوليساريو متمسكة بمخطط الاستفتاء، ولم تستوعب التوجه الأممي والدولي الرامي إلى تجاوز حالة الجمود والانتقال إلى مرحلة العمل من أجل إيجاد حل لهذا النزاع، الذي طال أمده.
وحسب مراقبين، فإن جناحا داخل قيادة البوليساريو بدأ يفكر جديا في اعتماد مقاربة التفاوض بشأن الحكم الذاتي، بعدما تبين لأنصار هذا الجناح أن المجتمع الدولي يؤيد خيار الحكم الذاتي، ولا يريد الرجوع إلى مخطط الاستفتاء، الذي صدرت بشأنه قرارات أممية أقبرته إلى غير رجعة. لكن الجناح المتشدد الموالي للنظام الجزائري، الذي يقوده محمد عبد العزيز، ما يزال متمسكا برأيه، وهو يعلم، حسب العارفين بخبايا جبهة البوليساريو، أن موقف الجناح المتصلب هو الطريق نحو اللاحل.
من جهتها، تعاملت الأمم المتحدة في شخص مبعوثها الخاص، كريستوفر روس، مع تصلب جبهة البوليساريو على أساس أنه ليس موقف جبهة البوليساريو، وإنما هو موقف من يتحكم في هذه الجبهة، وهو النظام الجزائري. ولهذا كانت رسائل روس واضحة إلى المسؤولين الجزائريين، خلال عام 2011، إذ دعاهم في أكثر من مناسبة إلى أنه لا يريد أن يرى عراقيل في المستقبل تعيق عمل الأمم المتحدة لإيجاد حل متفق عليه بشأن نزاع الصحراء.
من جهتها ركزت الدبلوماسية المغربية على التحرك عبر مراكز القرار الرسمية في الدول الكبرى، لمواجهة التحرك الجزائري عبر المنظمات المدنية والمؤسسات النيابية، خاصة البرلمان الأوربي. وفي الوقت، الذي كسبت جبهة البوليساريو والجزائر أصوات بعض الجمعيات الأوروبية والنواب البرلمانيين الأوروبيين، انتهج المغرب خلال العام 2011، سياسة الهجوم على مواقع البوليساريو من باب حقوق الإنسان، والتمثيلية الشرعية للصحراويين، والوضع الأمني في المنطقة، واستثمر علاقاته الأمنية القوية مع مراكز القرار في الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وتمكن من جعل هذه الدول ومعها مؤسسة الأمم المتحدة تقف على حقيقة الوضع في مخيمات الصحراويين في تندوف، ومدى الخطر، الذي يتهدد الأمن والسلم في المنطقة الأورو متوسطية، بسبب تطور تنظيم القاعدة في منطقة الساحل والصحراء. إذ وقفت أجهزة استخبارات الدول الغربية، وبعض مراكز الأمن والدراسات الاستراتيجية في عواصم أوروبية وأمريكية على حقائق تثبت تورط جبهة البوليساريو في عمليات إرهابية، خاصة بخطف الرهائن، والتنسيق مع عناصر تابعة للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والاتجار في المخدرات، وتهريب البشر.
في خضم هذه التطورات، تلقت منظمة الأمم المتحدة رسائل ومذكرات من تنظيمات صحراوية كثيرة، هذا العام، تطالب بان كي مون بتوسيع قاعدة المفاوضات، وإلغاء المقولة، التي تعتبر جبهة البوليساريو الممثل الوحيد للصحراويين، ودعت التنظيمات الصحراوية، التي تضم خط الشهيد، وشباب حركة 5 مارس، والتجمع الديمقراطي للقبائل الصحراوية، إضافة إلى عشرات الجمعيات الصحراوية إلى إشراكها في التفاوض حول قضية الصحراء، معتبرة دور جبهة البوليساريو يكمن في عرقلة الحل، وليس إيجاده وتطبيقه.
المحلل السياسي قال إنه يندرج لأول مرة ضمن مغربة صناعة القوانين
زين الدين: الدستور الجديد سيحدث تغييرا جوهريا في علاقة الدولة مع المواطن
عادل غرفاوي - وضع خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يوم 9 مارس 2011، أقدام المغرب على محطة تاريخية، تمثلت في اعتماد إصلاح دستوري نوعي، جرت بلورته في إطار مقاربة تشاركية، إذ ساهمت فيه الأحزاب السياسية، والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني، وأقره المغاربة يوم فاتح يوليوز الماضي، باستفتاء شعبي بنسبة 98.49 في المائة.
واستجاب هذا الدستور إلى المطالب الملحة، التي عبرت عنها مختلف الطبقات في المغرب، كما أنه عزز صلاحيات الحكومة ومتعها بسلطات أكبر، إلى جانب دسترة مجلس الحكومة وتحديد وتوضيح اختصاصاته.
وفي هذا الإطار، قال محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني المحمدية، إن "هذا الدستور يندرج، لأول مرة، ضمن مغربة صناعة القوانين، لكونه جرى إعداده من قبل 19 خبيرا في مجالات متعددة".
وأوضح محمد زين الدين، في تصريح ل "المغربية"، أن هذا الدستور تميز بإنجازه في إطار مقاربة تشاركية، تمثلت في إشراك الأحزاب والنقابات من خلال آلية التتبع، قبل اللجوء إلى تقنية الاستفتاء الشعبي، التي تبقى تقنية ديمقراطية، إذ أن الشعب هو الذي قال كلمته في النهاية.
وذكر أستاذ القانون الدستوري أن "هذا يكرس توجه المغاربة نحو بداية مرحلة جديدة"، مبرزا أن "هذا الدستور لن يغير فقط من بنية المجتمع، لكن سيغير، أيضا، من بنية الدولة المغربية".
وأشار المحلل السياسي إلى أنه سيكون "وراء حدوث تغيير جوهري في علاقة الدولة مع المواطن"، موضحا أنه "عرف تضمين 33 فصلا في مجال الحريات الفردية والجماعية، كما أنه جاء بتعديلات تصل نسبة 300 في المائة في ما يخص استقلالية القضاء، مقارنة مع ما كان عليه الأمر في دستور 1996".
وأضاف محمد زين الدين "يمكن القول إننا انتقلنا من 108 فصول إلى 180 فصلا، ما يعني أن التغيير وصل إلى 75 في المائة، بحيث نكون أمام أطول دستور في تاريخ المغرب، مقارنة مع الدساتير السابقة"، وزاد مفسرا "ومع ذلك يبقى هذا الدستور في خانة الدساتير المتوسطة الحجم، وهو توجه منطقي".
وذكر أستاذ القانون الدستوري أن الدستور الجديد جاء ب 7 مستجدات، أبرزها الترسيخ لدولة الحق والمؤسسات، موضحا أن "هناك إقرارا لنوع من فصل السلط، من خلال إعادة هيكلة المؤسسة الدستورية، وإعادة هيكلة اختصاصات البرلمان، الذي يعد أكبر مستفيد من هذا الدستور، بمجموعة من المتغيرات".
وأكد محمد زين الدين أن "هذا الدستور أعاد البرلمان إلى وضعيته الطبيعية، إذ أصبحت لدينا، لأول مرة، غرفتان بتركيبة وصلاحيات مختلفتين".
مر تاريخ التعديلات الدستورية في المغرب من خمس محطات أساسية، أكثرها تطورا كانت محطة دستور 1992، إذ أجمع الفقهاء على أن مراجعته حققت نقلة نوعية في النظام السياسي المغربي في اتجاه دولة القانون، حسب ما قاله الفقيه الفرنسي، ميشيل روسي.
جاءت أول محاولة حقيقية لإقامة نظام دستوري في المغرب، في 8 أكتوبر من سنة 1908، بعد أن تقدم علماء وأعيان مدينة فاس للمولى عبد الحفيظ أثناء بيعتهم المشروطة له، مشروع دستور، تفوض فيه السلطة التقريرية إلى مجلس منتخب، ويحتفظ السلطان من خلاله بصلاحية التصديق على القرارات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.