بعد انتقادات أطلقها سابقًا بقدر من الاستحياء في أعقاب إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الروسية الأخيرة، صبّ الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف جام غضبه على رئيس الوزراء فلاديمير بوتين شخصيًا، وقال صراحة إن سلوكه السياسي مثير للإحراج والخجل. ويبدو أن آخر الرؤساء السوفيات (80 عامًا) اضطر للتخلي عن تحاشيه المعهود للخوض في وحل السياسة الروسية، بعدما أظهر بوتين تجاهلاً تامًا للمظاهرات الضخمة، التي انتظمت في موسكو وبقية المدن الروسية. وقد اندلعت هذه احتجاجًا على ما قيل إنه تزوير واسع النطاق للانتخابات، بحيث تمتع حزب بوتين الحاكم «روسياالمتحدة» بغالبية مقاعد البرلمان. وصل الأمر بغورباتشوف إلى حد أدهش المراقبين. فقد قال إنه يشعر بالحرج والخجل البالغين، بعدما شبّه بوتين نفسه الشرائط، التي يرتديها المتظاهرون، بالعازلات الجنسية «الكوندوم». ونقلت صحيفة «نوفايا غازيتا» الروسية عن الرئيس السابق قوله: «أشعر بأنه عليّ التصريح بما يجيش داخل صدري، لأنني شخصيًا وقفت وراء بوتين بعد تسلمه السلطة، سواء داخل روسيا أو خارجها. ولكن انظروا إليه الآن.. يا للخجل»!. ويذكر أن غورباتشوف يملك حصة في هذه الصحيفة المعتبرة «ليبرالية» بالمقاييس الروسية. لم يسلم الرئيس ديمتري مدفيديف نفسه من انتقادات غورباتشوف. فقال إن صمته أولاً ثم رد فعله الخجول إزاء الاتهامات بتزوير سافر في الانتخابات لمصلحة حزب بوتين «أضعفا موقفه، وأضرّا كثيرًا بطموحاته السياسية، لأنهما نالا من مصداقيته، "أعتقد أن تصريحه بأنه لا يرى تجاوزات تذكر في العملية الانتخابية الأخيرة، ونتائجها بدأت تسدل ستار الختام على حياته كسياسي، يمكن أن يخدم بلاده بالنزاهة المطلوبة». وكان غورباتشوف قد حذر في مطلع الشهر الحالي كلاً من بوتين ومدفيديف من أن التململ الشعبي، الذي تبدَّى في مختلف مظاهر الاحتجاج، بعد إعلان النتيجة «لن يخمد سريعًا كما يتمنيان. على العكس، سيظل هذا التململ متصاعدًا إلى حين اعترافهما بأن ما فعلاه كان تزويرًا، وإصدارهما الأمر بإعادة إجراء اقتراع نزيه». قوات الأمن تعتقل متظاهرا في موسكو ورغم أن مدفيديف وعد شعبه بطائفة واسعة من الإصلاحات العميقة، التي قال إنها ستفتح النظام الانتخابي الروسي أمام رياح التمثيل الديمقراطي الحقيقي، فمن الواضح أنه - في أفضل الأحوال - ضعيف في وجه القوى المعارضة لهذا التوجّه... وهذا إذا كان يعني فعلاً ما يقول. وكان قد صرّح أيضًا بالتحقيق في نتيجة الانتخابات الأخيرة، ووعد بإعادتها، في حال ثبت أنها تعرّضت لتزوير. لكن الجهات المسيطرة فعليًا على الكرملين أجهضت في ما يبدو هذا التحرك حتى قبل بدئه. ويقول محللون سياسيون إن الأرجح لتصريحات غورباتشوف أن تضاعف ثقل الضغوط، التي يتعرّض لها الكرملين منذ إعلان النتيجة التي منحت حزب بوتين «روسياالمتحدة» 238 مقعدًا (من مجموع 450) في برلمان «الدوما». ورغم أن شعبية الحزب انخفضت من 64 % في الانتخابات السابقة إلى 49.5 % في هذه الأخيرة، فقد ساد على نطاق واسع انطباع بأن الكرملين فعل بالتزوير أقصى المستطاع لمنحه الغالبية البرلمانية. يذكر أن غورباتشوف (80 عامًا) ترأس الاتحاد السوفياتي منذ 1985 وحتى انهياره في 1991. وكانت سياسة الانفتاح، التي انتهجها، من أكبر العوامل المساعدة على نشوء ذلك الوضع، الذي طوى صفحة مهمة في تاريخ العالم.