لم تعد المدينة كما كانت، فمياهها الراكضة تجري اليوم في كل اتجاه حتى في الدروب البعيدة ، الهامشية منها و المظلمة .. بل أصبحت أخبار البعض عند الكل ، و أحداث الأفراد لدى الجماعات..مُشاهد الأمس مشارك و فاعل اليوم ، وبذلك لا مجال إطلاقا للأخبار و الأحداث القديمة و البائتة ، فالمدينة في تجديد و تحديث دائمين. يبقى كل هذا منطقيا و عاديا في إطار التجاذبات المجتمعية و تفاعلاتها التي انتقلت من الواقع إلى العالم الافتراضي ، و أصبح المحال مع العالم الأزرق شيئا ممكنا ، فالبطل قد يصبح جبانا ، والمجرم بطلا ، اللصوصية نزاهة و الوقاحة حرية و غيرها كثير حسب أمواج الاعجابات و التعليقات و مدى إمكانية ترجمتها لأشكال تنديدية أو تضامنية على أرض الواقع . مع ذلك ، حقيقة لا يمكن جحود فضل هذا العالم الأزرق و غيره من شبكات التواصل الاجتماعي رغم اختلاف مبحريها بين قارصنة سياسيين ، صيادين انتهازيين أو جمعويين مارقين . فالبحر للجميع وكل يعوم على شاكلته ، فكثير من الأصوات الخافتة و المقموعة دوت و جلجلت ، كما أن كثيرا من الطفيليات و الجراثيم تكاثرت. المهم و الجميل في هذا العالم أن ليس هناك ربان أو زعيم ، فالأغلبية و الجماعة ليست بتنظيم، لكنها تقود و تتزعم ولا يخونها غير لئيم. مناسبة الكلام أن بعض الناس من المبحرين و المتجردين حتى من لباس البحر الأزرق (القصد طبعا باللباس قبول الآخر وعدم تسفيه الناس و التعالي عليهم ) ينصبون أنفسهم ملوك البحر ، و لا رأي غير رأيهم و لا توفيق و إبحار إلا بقيادتهم . فكلما توافقت وتقاطعت المواقف واديولوجياتهم ومرجعياتهم الضيقة رحبوا و تضامنوا ، وكلما زاغت و حادت عن رغباتهم و نهجهم أضحوا منتقدين، و للسم نافثين..فهم المؤسسون للمفهوم الجديد " تضامن المصلحة".. و المخزي في الموضوع أن هؤلاء مثقفون و نخبويون مدعون، ديموقراطيون مزيفون . رسالتهم الأولى إشاعة البلبلة مكان التثقيف ، التطاول بدل الابداع ، وتعطيل محركات الدفع بدل التأطير و التوجيه ، و إفشال الهمم بدل تشجيعها.. عموما يبقى هؤلاء نشازا يسبحون ضد تيار الحق و اتفاق المغاربة ، و إن كانوا سباحين ماهرين فليشقوا لأنفسهم طريقا وسط البحر بعيدا عن الشعب لأن الشعب يعلم ما يريد، ولا يحتاج من يتحدث باسمه.