و بما أن العالم يستمد وَحْيه من الولاياتالمتحدةالأمريكية، فكذلك الأمر بالنسبة لتاريخ عيد العمال الذي تحتفي به الشغيلة العالمية في الأول من شهر ماي من كل سنة، حيث كان هذا التاريخ إحياءً لذكرى أحداث "هاي ماركت" بشيكاكو الأمريكية و ذلك سنة 1886، حين أُنهيَ إضراب جماهيري عن العمل نهاية مأساوية بسبب تدخل الشرطة و بسبب انفجار قنبلة ألقيت من طرف مجهول، هذا الحدث حرك المجتمع الدولي و تمت الدعوة إلى مظاهرات في مختلف البلدان استنكارا لهذا التدخل الدموي و السافر من طرف السلطات في حق العمال المضربين، و بذلك خلد العالم هذا الحدث كعيد للعمال في فاتح ماي، بينما الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تغير من تقليدها، إذ مازالت تحتفل بهذه المناسبة كل أول اثنين من شهر سبتمبر، رغم أنها حَيَّتْ المنتظم الدولي على هذه الالتفاتة لإحياء و تخليد ذكرى "هاي ماركت". كانت هذه لمحة خاطفة عن تاريخية الاحتفال باليوم العالمي للعمال، الرحلة طويلة منذ سنة 1889 و هي أول سنة تم خلالها إحياء هذه الذكرى في فرنسا و لا يزال العرض مستمرا حتى يومنا لفاتح ماي 2015، و أكيد هناك مكتسبات كانت في صالح العامل و التي يعود الفضل فيها بداية لحركة "الثمان ساعات" الأمريكية التي نادت بتحديد ساعات العمل إلى ثمانية في اليوم. فلنسَرع الوقت قليلا و نختصر المسافات و نوجه كاشفات الضوء على بلدنا العزيز المغرب و ننظر في وضعية العامل عندنا. الرائج عندنا و هذا هو الخطير، غرابة التصعيد ضد مكتسبات الشغيلة، هذا بالتأكيد في محاولة لإرضاء المؤسسات المالية التي تنظر أولا و أخيرا إلى ربحها و لو على حساب الأموات-الأحياء. فعندما يصرح المجلس الاقتصادي و الاجتماعي المغربي بأن نسبة البطالة في صفوف حاملي الشهادات العليا خلال سنة 2010 هي 74 في المائة، فهذا أكيد رقم مخيف و يجعلنا نتساءل عن من يتولى المناصب في الإدارات العمومية في حين صار حملةَ الشهادات متسكعين في الشوارع! و الغريب أن تزيد قرارات الحكومة الطين بَلةً بمشاريعها التحضيرية و منها الزيادة في نسبة البطالة بتخفيض مناصب الشغل في الوظيفة العمومية، و أيضا "طلق اللعب" لأرباب العمل و عدم متابعتهم قانونيا في حالات التسريحات الجماعية للعمال. كذلك من بين المخططات الرشيدة للحكومة الحالية و التي نحسها تستهدف مباشرة العامل الكادح، هو العمل على جعل صندوق المقاصة في خبر كان، الشيء الذي يقابله تحرير الأسعار و بالتالي ارتفاعها، مما يزيد من إنهاك كاهل العامل البسيط، مع العلم أن الأجور أصلا بطبيعتها زهيدة في ظل غلاء عامٍ و على جميع الواجهات، و أيضا في ظل غياب الخدمات العمومية الاجتماعية من صحة و تعليم و سكن. زيادة الضرائب الغير مباشرة على المواد الأساسية مقابل إعفاءات و تخفيضات الضريبة لصالح أصحاب رؤوس الأموال، هي سياسة تقشفية إزاء الطبقة الكادحة و مكتسب لفائدة أرباب الشركات... مخطط نفهم منه : "ليك الله يا العامل"! مشروع "إصلاح" أنظمة التقاعد الذي يصب في تحميل المتقاعدين مسؤولية الاختلال في ميزان صناديق التقاعد بسبب تملص المشغِّلين من أداء واجباتهم و مساهماتهم، هذا أيضا اجتهاد من الحكومة الموقرة كي تبرهن حبها العميق للمواطن و كي تعوضه خيرا في كبره! كل هده النقاط المختلة عندنا في منظومة التشغيل، و الحكومة تُطل علينا فرحةً و ابتسامتها عريضة في الاحتفالية الأخيرة بعيد العمال في منصة ضخمة في الدارالبيضاء، اعتلاها السيد ابن كيران و لسان حال الاتحاد الوطني للشغل (نقابة حزب العدالة و التنمية) يقول إن الحكومة قامت بالعديد من الاتفاقيات لفائدة العمال، مُنوِّها بمجهوداتها في الدفاع عن حقوق العامل و إنصافه! الأمر لم يعد غريبا في حكومات العام زين التي تتوالى تباعا على هذا البلد السعيد. احتفالية الحزب الحكومي تأتي شبه منفردة في ظل مقاطعة أربعة من كبريات النقابات : الاتحاد العام للشغالين، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الاتحاد المغربي للشغل، ثم الفدرالية الديمقراطية للشغل. و لا تفوتنا الالتفاتة "النبيلة" التي قامت بها المنظمة الديمقراطية للشغل، حيث حرصت في احتفالها على إحضار و إشراك العاملات الفلبينيات و عمال أفارقة من دول جنوب الصحراء، لتذكر بمعاناتهم فوق أرضنا، و كأن هؤلاء القادمين إلينا يظنوننا بلد الفردوس و الحقوق، غير عالمين ربما بمعانات أبناء البلد الذين لا يتمتعون في أغلب الأحايين بأدنى حقوقهم، و كأن المنظمة السالفة الذكر تقول لنا بأن كل مشاكلنا حلت و آن الأوان للالتفات لمشاكل الوافدين الجدد! و يبقى الحال على ما هو عليه، أو بالأحرى؛ ليتأزم الوضع كل سنة أكثر مما عليه، و لتبقى روح العامل معلقة بين عقد عمل قد يفسخ في أي لحظة دون تعويضات، و بين أجر سحيق يصرفه قبل أن يتقاضاه، و تبقى سياسة حكومتنا المجيدة سائرة في إغناء الغني و إفقار الفقير مع توسيع الهوة بين طبقات المجتمع، حتى بتنا نرى أننا سائرون في خلق مجتمع ذو طبقتين : الغنية و الفقيرة، مع تلاشي شيئا فشيئا الطبقة المتوسطة، و ما خاب كارل ماركس حين قال : "لا يزال يُفسَّرُ تاريخ المجتمعات الحالية بتاريخ صراعات الطبقات"، و كاذب ذاك الذي يُجمل الحقائق بكساء هي به عارية، و تبقى الطريقة الوحيدة للحد من هيمنة أخطبوط الرأسمالية، أيضا حسب كارل ماركس :"الضرائب و الضرائب و المزيد من الضرائب"، غير أن منهج حكومتنا يسير عكس التيار، فعلى العامل أن يبقى مجرد وقود لإشعال نار الإنتاج أكثر فأكثر، و لا ضير أن يحترق هو من أجل الرفع من قيمة رأس المال! و تتوالى الاحتفاليات بفاتح ماي و كل عام و العامل بين حَر المُشغل و لهب قانون الشغل، و بين تجاهل الحكومة الوقوف بجدية على إصلاحات حقيقية، و بين ضغط هذه الأخيرة على النقابات العمالية و التقليص من حرياتها، خصوصا عن طريق الاقتطاع من أجور الموظفين المضربين عن العمل، و كل عام و نحن عمال و كل عام و مطالبنا نفسها و حكومتنا تدير لنا ظهرها، فتحية المجد لنا و على كفاحنا.