مع اقتراب انطلاق موعد الحملات الإنتخابية تسقط بقرة " استعمال المال غير مشروع " وتكثر سكاكين من يثرثرون في هجاء و إدانة هذه ظاهرة ، وهؤلاء تصدق في حقهم مقولة" السؤال الخاطئ لن يفضي إلى إجابة دقيقة "، لأنهم يتحدثون بشكل مجرد فيما الامثلة المحسوسة و المرئية و المسموعة امامهم و من حولهم لا تحصى و لو شئت ان اذكر حادثتين فقط و هما غيض من فيض فان الاولى عن امرأة شاهدتها صادفتها في طريقها نحو منزل أحد المرشحين و هي تحث إبنها الذي لم يتجاوز السابعة من عمره ، حين نلتقي المرشح الفلاني .. لا تقل له بأني أمك ، بل أنت ابن جارتي .. التي توفي زوجها منذ خمس سنوات تاركا لها طفلين و أنت ثالثهم دون دخل قار و بأنها طريحة الفراش مما منع حضورها معنا . و تخيلت على الفور هذا الطفل و قد اصبح وزيرا أو نائبا برلمانيا او حتى رئيس مجلس بلدي أو قروي .. فما الذي سيمارسه في مجمل ادارته و علاقاته !؟ سأترك الاجابة لخيال القارىء فقد تجود مخيلته بغزارة فيما يتعلق بهده الكوميديا التي لا لون لها بعدما فاقت اللون الأسواد ،قتامة. و الحادثة الثانية في الحافلة حيث كان أب يصطحب معه ابنه الذي لا يتجاوز عمره العشر سنوات و يُوصِيه قائلا : اسمع يا ولدي اذا لم أكن حاضرا في المنزل و طرق الباب احد المرشحين للإنتخابات - أي مرشح و من كل الأحزاب - فقولوا له اننا معك و سوف نصوت عليك و اذا قدم لكم شيئا خذوه و احتفظوا به حتى قدومي المنزل ، ثم التفت الى المقعد المجانب له حيث أجلسُ و اضاف موجها كلامه لي " كلهم عا الكذابة ما صورنا منهم والوا اللهم انكذبوا عليهم تاحنا وخا نجروا منهم غير .. قرصة من الفكرون أو لا يمشي فالت " و ظل الصبّي صامتا غير ان ابتسامة صفراء لم تنسجم مع براءة طفولته ، ارتسمت على وجهه .
حكايتان تلخصان التربويات الهدَّامَة بدءا من تعليم الكذب للأطفال و بتدمير مستقبل الطفولة ما دام من شب على شيء شاب عليه ، مرورا بالإرتشاء و ليس انتهاء بحكمة الفكرون وما شابهها من حكم خرقاء من قبيل بوس الكلب من تمو تا توخذ حاجتك منو ، حتى ولو كان هذا الكلب مسعورا ! فحين تقول الأم لإبنها تظاهر بأنك يتيم و بأني لست أمك من أجل مغنم قد لا يسمن ولا يغني من جوع .. و حين يقول الأب لإبنه اذا دق جرس الباب فكونوا كالحرباء مع جميع المرشحين فهذا اول درس في فقه تزوير الإنتخابات . و لو قمنا باحصاء خلال يوم واحد من أيام الحملات الإنتخابية ما يتلقاه الاطفال من هذه الوصايا لأُلِّفت مجلدات من الحكايات.
ان الدارسين لعلم النفس و الإجتماع حين تناولوا ظاهرة استعمال المال غير مشروع في الحملات الإنتخابية لدى افراد عُرفوا بحبهم للكراسي الى حد الجنون .. عادوا الى صباهم و الى الحليب الذي رضعوه والذي لم يكن صافيا بالمرة . فمن أدى دوره بشكل جيد من الأطفال كما في الحكايتين السالفتين ما الذي يُنتظر منه حين يكبر و يصبح وزيرا أو .. حتى عضو بمجلس قروي .. غير خيانة وزارة او مصلحة ..!.
و حين توجد أُسَر و عائلات تُقْحِمُ أطفالها في سياسة الكذب و الإرتشاء منذ نعومة أظافرهم .. و تكافئهم بشراء الحلوى لهم و الربت على أكتافهم إذا وُفِّقوا في لعب أدوارهم بالشكل المطلوب منهم، فإن الحصيلة هي تحمل الراشي لمسؤولياتكم ..! لهذا كفّوا عن الهجاء و الإدانة .. و أعيدوا صياغة السؤال و تقويمه .. كي تصبح الإجابة عنه ممكنة .. و اعترفوا بأن تشجيع ظاهرة استعمال المال غير مشروع في الحملات الإنتخابية من صلب تربويات الأسر .. و إلا سيظل التناقض قائم و على نحو مفصلي بين المقدمات و النتائج ، و تبقى هذه الأحجية مكررة و غير قابلة للحل في كل الحملة الإنتخابية سواء صيف هذه السنة أو ما سيتلوها من حملات في السنوات الآحقة .