إذا نسينا كل الشعارات التي رفعها عبدالإله بنكيران وحزبه، الذي «يعرف» ما بينه وبين ربّه، إبّان الحملة الانتخابية فلن ننسى أبدا شعار محاربة الفساد، الذي عزف على الوتر الحساس للمغاربة، فتجاوبوا معه بعد أن أنهكهم ابتزازُ المرتشين وأكلُ أموالهم بالباطل من طرف المفسدين البريين والبحريين! وبعد أن دار على الحكومة حولان كاملان، تلقينا خبرين سيئين بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة الرشوة الذي «احتفلنا» به «بالهضرة» يوم الاثنين الماضي. الخبر الأول يقول إن منظمة الشفافية العالمية (ترنسبارانسي) قهقرتنا 3 درجات عن الوضع، السيء أصلا، الذي كنا فيه؛ حيث أصبحنا في المركز 91، ضمن قائمة تضم 177 دولة، بعدما كنا في السنة الماضية في الرتبة 88! والخبر الثاني جاء من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ويقول إن الرشوة ترسّخت في مستشفياتنا التي ظهر فيها الفساد، من مداخلها حيث يمد الحراس (الخواص، في إطار «خوصصة» الارتشاء) إلى دراهم معدودات (قَرسْة من الفكرون ولا يمشي فالتْ)، إلى غرف العمليات حيث يُساوِم الأطباء الجرّاحون مرضاهم كأنهم في عياداتهم الخاصة، مرورا بالممرضين والممرضات الذين لا يلقون بالاً إلا إلى الذي يرمي « ما تيسّر» في جيوب وزراتهم! وهنا أسجل التصريح الغريب لعبد السلام بودرار، رئيس الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة، الذي يقول فيه، تعليقا على الخبر الأول، إننا حافظنا على النقطة ذاتها، وهي 37 على 100، كما السنة الماضية، وبذلك يرفض الحديث عن أي تراجع! وعلى المنوال نفسه نسج «الفقيه» بنكيران «اللي كنا كنتسنّاو بركتو»؛ حيث يقول أيضا إننا نراوح مكاننا، لأن دولا أخرى تقدمت في هذا المجال، ليدخل بذلك «الجامع ببلغتو»! وهنا أتساءل، أصلا، عن قيمة نقطة 37 على 100؛ أي (حتى تكون أكثر وضوحا) 3,7 على 10، وهي نقطة تكون مصحوبة، عادة في المدارس، بعبارة «ناقص جدا»، ولا يحصل عليها إلا التلاميذ الكسالى ولا يرضون بها، على كل حال! ثم إننا إن راوحنا مكاننا، فهذا يعني أننا لا نفعل شيئا، ومن لا يتحرك يتأخر طبعا! وإذا عدنا إلى المعاجم، لنبحث في معنى هذه «المراوحة»، فسنجد أن عبارة «راوح الجنديُ مكانَه» تعني أنه يُحرك رجليه بالتناوب، فِعْلَ الماشي، حتى يُعطي الانطباع بأنه يفعل شيئا، وربما هذا ما تفعله هذه الحكومة ربع الملتحية التي تبيعنا من الأوهام، حتى الآن على الأقل، أكثر ما «تبيعنا» من منجزات! وحتى يُطمئننا، و«يُنيمنا» في العسل، يقول رئيس الحكومة «النية والإرادة معقودتان للعمل على محاربة هذه الآفة الخطيرة عبر إعمال القانون والتعاون مع المؤسسات المختصة، واتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة بشكل استعجالي وناجز وفعال»، كأن جهنم غير مبلّطة بالنوايا الحسنة، أو كأنه يصدّق أن «النية أبلغُ عن العمل»، بالمعنى المتداول شعبيا طبعا! ماذا فعلت هذه الحكومة حتى تُحصِّن البلاد من الرشوة، الكبيرة والصغيرة، حتى يصدق عليها قول الشاعر القديم منصور الفقيه: إذا رشوةٌ من باب قومٍ تقحّمت.. لتدخل فيه والأمانة فيه.. سعت هرباً منه وولّت كأنها.. حليمٌ تنحّى عن جواب سفيه؟ للأسف، لم تفعل الحكومة شيئا تقريبا، لتستمر الرشوة إلى أجل لا يعلمه إلا الله، والراسخون في الحكم في هذه البلاد، «متقحّمةً» لكل إداراتنا ومستشفياتنا، «متصالحةً» مع مواطنينا، في ظاهرة سوسيولوجية عجيبة، تستحق الدراسة تلو الأخرى، حتى نفهم سر هذا التجذر في تربتنا. وإذا كانت الرشوة، حسب المعاجم القديمة، من «الرشا»؛ وهو الحبل الذي يتدلى به الدلو إلى قاع البئر (في هذا السياق المائي، يمكن الإشارة إلى أن المغاربة يطلقون على الرشوة أيضا «الرشّان»)، كأن الرشوة هي الحبل الذي يصل به الراشي إلى المرتشي ليأخذ منه ما يريد، من إبطال حق خصمه، أو إحقاق باطله عليه، فإننا مُطالَبون جميعا، بحزم وعزم، بقطع هذا الحبل المُلتف حول أعناقنا...