تقوى الله هي سفينة النجاة يوم القيامة، إنها التزام طاعة الله وطاعة رسوله، سلوك طريق نبينا المصطفى ووضع الدنيا على القفا، علم وعمل، التزام بأداء ما فرض الله واجتناب ما حرم الله -سبحانه وتعالى- فهذا هو طريق الفلاح والنجاح. إنها الخوف من الجليل وإتباع التنزيل والاستعداد ليوم الرحيل، وهي أداء الواجبات والفروض واجتناب المحرمات، فمن التزم بها كان من أحباب الله وأحباب رسوله، صلى الله عليه وسلم، قال -تعالى-: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وقال النبي: "إن أولى الناس بي يوم القيامة المتقون، من كانوا وحيث كانوا".
أمّا اليوم، فقد أصبحت كلمة "اتقِ الله" بمثابة مسبّة بين الناس، فلو تجرأت بقولها لأحدهم فستجد منه وجهًا آخر غير الذي يلقاك به وكأنك قد نعته بأفظع الألفاظ، فالناس قد أنفوا من سماع تلك العظة واستكبروا أن يقال لأحدهم: "اتقِ الله"!!!.
كما ستجده قد انتفخت أوداجه واحمر وجهه وثار وانتفض وهبّ من مجلسه وصرخ في وجهك "اتقِ الله أنت"!!، حتى وصل بالناس الحال أن يتهموك بانتمائك إلى الإرهاب أو بالكفر، لمجرد أنك تقول له تلك الكلمة "اتق الله".
فلماذا تثير الناس إلى هذه الدرجة!، ولماذا يغضبون عند سماعها!، لربما هي شديدة الوقع على نفوسهم، لكن أيكون هذا هو رد الفعل والاستجابة على هذه الكلمة!.
لقد أمر الله -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله في القرآن "اتقِ الله" قال: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا"، يقول ابن كثير: "هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى، فإنه -تعالى- إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا، فَلأن يأتمر من دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى".
فما بال الناس اليوم قد استنكفوا عن سماع تلك الكلمة، مع أن الله -تعالى- توعّد من يستكبر ولا يتعظ بهذه الكلمة بنار جهنم يصلاها وبئس المصير، قال -تعالى-: "وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ"، يقول ابن كثير في تفسيره: "إذا وُعظ الفاجر في أقواله وأفعاله، وقيل له: اتق الله، وانزع عن قولك وفعلك، وارجع إلى الحق امتنع وأبى، وأخذته الحميَّة والغضب بالإثم، أي: بسبب ما اشتمل عليه من الآثام".
فهل خطر على بال من تغضبه هذه الكلمة أن يكون مصيره "جهنم"!، وقد قيل: "كفى بالمرء إثمًا أن يقول له أخوه: اتق الله، فيقول: عليك بنفسك، مثلك يوصيني!" .
وقد كان السلف رحمهم الله -تعالى- وقّافين عند كتابه الكريم، وبالأخص عند هذه الآية، فقد ذُكر أن يهوديًا كانت له حاجة عند هارون الرشيد، فاختلف إلى بابه سنة، فلم يقض حاجته، فوقف يومًا على الباب، فلما خرج هارون سعى حتى وقف بين يديه وقال: اتق الله يا أمير المؤمنين! فنزل هارون عن دابته وخرّ ساجدًا، فلما رفع رأسه أمر بحاجته فقُضيت، فلما رجع قيل له: يا أمير المؤمنين؛ نزلت عن دابتك لقول يهودي!، قال: لا، ولكن تذكرت قول الله -تعالى-: "وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتق الله أَخَذَتْهُ العزة بالإثم فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ المهاد".
ألا فليتقِ الله كل مسلم ولا يأنف من أن يقول له أخوه في الله "اتق الله"، بل عليه أن يراجع نفسه وأن يتقبل هذه الكلمة بصدرٍ رحبٍ، وتواضعٍ جم حتى لا يدخل في زمرة من تشملهم تلك الآية وهذا الوعيد الشديد.