وأنا اتصفح الجرائد الالكترونية بمختلف انواعها وأشكالها، اذ سقطت عيني وياليتها أغفلت ذلك على خبر مثير للاهتمام ،مفاده أن رجلا من مدينة تازة يقوم بعرض طفلتيه للبيع في الزاد العلني أمام تجمهر كثير من الناس يشاهون مراسم عرض البيع. هنا تساءلت هل لازلنا نعيش ايام سوق عكاظ؟ ام لا زالت تلك النزعة الجاهلية التي تحل الرق موجودة ؟ أم هناك أسباب حقيقية أخرى دفعت الرجل الى التخلص من طفلتيه وهو جاهل بما يسمى الرق والعبودية ؟ طبعا هذا المواطن له أسباب حملته على القيام بفعله هذا، رجاء منه أن يتلقى الأذان الصاغية، والقلوب الرحيمة، والحلول المناسبة لقضيته، ولما يعيشه من مأسات، وبالتأكيد هو لا يستطيع أن يتخلى عن فلذات كبده، وهذا ما صرحت به زوجته في الفيديو المنشور، كل ما في الأمر أنه بيع أبيض، يقصد به إثارة الناس وجلب انتباههم . هنا الكثير منا تعاطف معه، وهناك من خالفه وانتقده، وينطلق من انتقده بظهور هذه الاساليب الغريبة في الاحتجاج، والتي لا تمت الى الاحتجاج النزيه بصلة، إضافة إلى استغلال الطفولة البريئة، وعدم احترام مشاعرها وحقوقها، أما من تعاطف معه لا شك أنه ينطلق من الواقع المعيشي المليء بهذه الأمور التي تسئ الى المواطن البسيط ، الذي لا يستطيع ان يعبر عما في نفسه من اراء وغير ذلك لأمور يعرفها الجميع لكن عندما يصل الأمر إلى أن تمس كرامة الانسان لا يستطيع أن يخفي تلك العاطفة الجياشة التي تأمره بارتكاب أغرب الأمور. هذا الرجل لا يمكن لنا ان نلومه أكثر مما علينا ان ننصفه وذلك لما عاشه من الضيق والذل والهوان والاعتداء الذي شنه عليه قائد المنطقة مستغلا لنفوذه ومكانته، وتسبب في ايذائه ماديا ونفسيا، بل وصل الحد الى تحطيم سلعته وفق ما صرح به. هذه الصورة شبيهة بالصورة التي وقعت قبل أشهر حيث عرض مواطن مغربي من مدينة بني ملال في الشارع العام، وأمام انظار الجميع نفسه للبيع، وذلك احتجاجا على ما وصفه، أنه أهين واعتدي عليه من طرف احد المسؤولين حيث سبه وشتمه أمام أنظار أولاده وزوجته، ولم يكتفي بذلك بل احتجز سلعته التي يتاجر بها. وفي شهر دجنبر الماضي اقدم مواطنان من مدينة بوعرفا بتقديم طلب إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بنفس المدينة، قصد ايداعهما السجن بسبب أنهما لم يجدا عملا قارا يضمن لهما العيش الكريم . ومن خلال هذا كله وغيره كانت هناك أسئلة تدور في ذهني، هل أصبحت حياة المواطن المغربي رخيصة إلى هذا الحد ؟ هل المواطن المغربي مكانته متدنية إلى هذه الدرجة ؟ أليس من حق المواطن المغربي أن يعيش عيشة كريمة بعيدة عن "الحكرة " وهذه المضايقات والاعتداءات؟ كل هذه الاسئلة تبقى عالقة إلى ما لا نهاية في عنق المسؤولين، بل ليس لها الجواب في ضل وجود هؤلاء البشر الذين لا يقدرون انسانية الانسان وكرامته وشعوره، لهذا علينا أن نوجه كلاما مختصرا الى كل المسؤولين الذين تخول لهم أنفسهم أن يفعلوا هذه الأعمال الخبيثة، ان يعلموا أن كرامة الانسان فوق كل اعتبار، وإذا اهينت ذهبت انسانية الإنسان وأصبح لا اعتبار له، لذا على الأقل عندما يقوم أحد القواد، أو أحد المسؤولين بحملة على ما يسمى ب "الفراشة" او غيرهم من عامة المواطنين، عليه أن يستحضر بأن أمامه إنسان مكرم ومواطن مغربي له حقوقه يجب أن لا تهضم وتحطم، إلى جانب تطبيق القانون عليه اذا كان مخالفا له، ولا نريد فقط التباهي والتغني بحقوق الانسان أمام المجتمع الدولي، ونوهم الكل ببناء مغرب ديمقراطي يحترم حرية الانسان وكرامته، ويحقق المساواة والعدل والمناصفة، بل نريد هذا كله أن يتحقق على أرض الواقع لا أن تبقى على شكل أحلام اليقظة تطرب اذاننا. هذا لأجل ان لا يذهب المواطن الى اسواق النخاسة لعرض نفسه أو أحد من افراده للبيع أو اللجوء إلى اقتحام أمواج البحار يرتمون فوق الزوارق لأجل الوصول الى الضفة الاخرى قصد الشعور بإنسانيتهم .