نساء وأطفال يتزاحمون مع السيارات، معاقون يتصارعون مع الطريق، رجال لا يعرفون أين يضعون الخطى !... والسبب احتلال لغالبية الأرصفة بشتى أنواع سلع الفراشة! تلك هي صورة فضاءات العاصمة العلمية، في كل الأحياء والشوارع والأزقة، الفرّاشة رسَّموا احتلالهم لها، وضَمِنَ كل واحد مكانه دون منازع، ونشر الفرَّاش سلعه المتنوعة دون رادع قانوني أو وازع أخلاقي أو حياء! لم يعد مطلوباً من المواطن الراغب في اقتناء سلعة ما الدخول إلى المتاجر الصغرى أو الكبرى أو حتى القيساريات المتعددة، فالفراشة يوفرون له ما يريد: أحذية حديثة أو تقليدية، ألعاب أطفال، سراويل وأقمصة، ساعات وأدوات إلكترونية ، هواتف وأدوات وتجهيزات منزلية، أغطية وأفرشة، أدوات مدرسية...كل شيء معروض للبيع في عرض الشارع ...فما على أصحاب المحلات التجارية والتموينية سوى إغلاق أبوابهم، بل إن بعضهم اضطر إلى ذلك، وحاول التماس مكان له وسط الفراشة ! الأمر لا يقتصر على ذلك، بل تعداه إلى جميع أنواع المواد الغذائية : هناك طاولات الخضر والفواكه، موسمية وغير موسمية، تمور محلية ومستوردة، بطيخ أصفر، وبطيخ أحمر، وقد تعرفنا على «خضارين» أغلقوا محلاتهم بحي لابيطا والتجأوا إلى الشارع... أغلب السلع المعروضة مجهولة المصدر والإنتاج، كثير منها مستوردة من الصين، مع ما تخبئه من أخطار على صحة المواطنين، بل هناك مواد مُسَرْطِنَة حسب العارفين، مثل الأحذية التي تظهر أضرارها في الأسبوع الأول من استعمالها. أما المواد الغذائية فيمكن أن تكون مؤذية، لأنها غير مراقبة لعدم مرورها عبر الطرق الرسمية والأسواق المراقبة، بالإضافة إلى التلاعب في الأثمنة، ففي أحيان كثيرة تكون أغلى مما يعرض في المحلات التجارية، والعديد من الناس يتوهمون أن ما يعرض على الأرصفة والشوارع يكون الأرخص.. سلطات غائبة سألنا بعض المسؤولين المنتخبين عن هذه الخروقات، وعن الاستغلال العشوائي للملك العمومي، وعن حرمان الراجلين من حقهم في الأرصفة والساحات، فأرجعوا المسؤولية إلى السلطات المحلية، مدعين أن ذلك يدخل في اختصاصها، وأن الجماعة لا تتوفر على السلطة والإمكانيات لوضع حد لهذه «الكوارث»، وسألناهم عن مدى تدخلهم لدى تلك السلطات بصفتهم ممثلين للسكان المتضررين، ولكونهم معنيين بالسهر على تطبيق قواعد السير والجولان، وسلامة الأرصفة، فكان التهرب من مواجهة الأسئلة، بل إن بعضهم دافع بشدة عن «حق الفراشة في البحث عن رزقهم» ، رغم ما يترتب عن ذلك من مخالفات وأخطار واعتداءات في بعض الأحيان !رجال السلطة المحلية في الأحياء، وحتى في شوارع للا مريم والحسن الثاني ومحمد الخامس يكتفون بالمراقبة عن بعد، بواسطة رجال القوات المساعدة هنا وهناك، ولكنهم يغيبون في أحياء أخرى مثل بن دباب ومونفلوري والنرجس وحي السعادة....بل هناك تخوف من ردود الفعل العنيفة للفراشة الذين أصبحوا يعتقدون في غياب الحزم أن من حقهم احتلال الملك العمومي ... المجتمع المدني بح صوته دون فائدة.ومبادراته يتم تجاهلها .فقد قام المنتدى الجهوي للمبادرات البيئية وجمعية فاس للسلامة الطرقية بعدة تحركات ، ونظمت شبكة سيسيد عدة مرافعات ، لكن آذان المسؤولين ظلت موصدة ! ويبقى السؤال : أين القانون؟ أين حقوق الراجلين من معاقين وأطفال ومسنين؟ أين المراقبة الصحية؟ أين سلامة المرور؟ ولما ذا تحرر الأرصفة في مدن وتعم الفوضى أحياء وشوارع فاس؟ الفراشة من كل الأعراق طرح علينا أحد المهاجرين المغاربة سؤالا أربكنا بصدق : هل تسمح السلطات في باريس مثلا بعرض بضاعة رديئة لرجل عديم الأخلاق يزرع في رعونة وطيش ملابس رثة تؤذي النظر ؟ سلطات فاس تقبل بذلك ، أجاب دونما تحفظ . وتابع في انسياب « الجيل الجديد من الفراشة لا يحتكم لقانون ولا يستكين لضمير ، كل الأمكنة مباحة بما في ذلك صندوق آليات التحكم في النافورات حيث يستعمل مستودعا لبعض السلع كذلك الحدائق والمساحات الخضراء التي لم تعد كذلك ، جيل خارج التغطية بالمعنى التواصلي الشامل للكلمة ، فئة منهم تحتك بأبواب المدارس وبالقرب من الصيدليات ويبسطون سلعهم وحاجياتهم فوق عتبات المساجد منتهكين حرماتها . بعض الفراشة لا يكترثون بردود أفعال الناس ولا السلطات ، لقد اكتسبوا مناعة أخلاقية تحميهم من كل إذلال ، يكفي النظر في وجوههم المشرطة والمفلوحة التي تشي بالسوابق حتى يشك الفرد في قدراته ويحجم عن الاستمرار في النظر، بالأحرى التطاول . لا يستطيع عنصر الأمن الخاص بالبوابة الرئيسية للبنك بعضلاته المفتولة سوى التلفظ بكلام ناب في حق الفراشة . لا فضاء مقدس ، لقد تم تدنيس كل شيء حيث يتنافس الفراشون من كل الأعمار والأجناس خاصة الأفارقة. قد لا يبيع المهاجر الإفريقي شيئا من بضاعته المستوردة من أدغال « كيغالي» وقد لا تختفي تلك البضاعة يوما إلا لكي تظهر في صورة أكثر رداءة ، لكنه انتصر بتمليكه للحيز المكاني الذي استوطنه، وجعله يكسب معارف جددا من رجال المخزن» « أليس معرفة قائد الدائرة كل صباح ، وتقديم التحية لكبير عناصر القوات المساعدة وفتح دفتر علاقات مع مقدم الحي يوميا مقدمات لتواصل واندماج مجتمعي أنجع ؟ يعتقد الفراش المغامر أنه بهذه الطريقة فقط يمكن رسم معالم حياة ولفت انتباه المجتمع إليه ولا شيء آخر وهو قطعا نجاح نسبي ، وإلا ما معنى أن نقاسمه وجع الكتابة وجرأة الطرح والمقاربة ؟ أشياء كثيرة يصنعها التغاضي المخدوم للسلطات ، فتتحول فرص التنمية الحقيقية مع الزمن الى تحد ماكر ، وهو ليس قدرا في كل الأحوال ، لكنه اختيار وأسلوب عمل. فضلات مخيم لاجئين تخطط التنمية البشرية الحديثة لجر القرى والمداشر النائية إلى المدنية والتحضر جرا ، خلافا لما تقوم به السلطات والمنتخبون بفاس، فهم يذهبون عكس التيار تماما ، إذ يعملون بكل ما أوتوا من قوة إلى جر المدنية إلى الفضاء القروي . وعندما يأتي المساء ، لا يغفل أحد من الفراشة وبائعي الخضر «واجب المواطنة» ، فهم يتركون خلفهم رصيد نفايات يكفى لتغذية حظيرة غنم أطلسية ، كما لو كان ذلك واجبا مواطناتيا ، وبينما تنهش القطط والكلاب الضالة أكياس القمامات وتعبث بما في داخلها في الممرات والأحياء انتقاما وتشفيا ، يقتصر دور عامل النظافة المسكين القادم من تعب بلا أجرة كافية لسد الحاجيات منهكا يلملم الصعيد أي ما طفا على سطح الأرض ، أما الباقي فله الفضاء وأنوف المارة والعابرون . في كل صباح يتجشم المسكين عناء حمل أكياس القمامة دون لملمة سقطها وما انتشلته مخالب القطط والكلاب الضالة ، كما لو كان عقابا أبديا . إنها خدمة لا تدخل في صميم اختصاصه على ما يبدو ، و أن دفتر التحملات لا ينص على ذلك . ولأن البلدية هي الأخرى أو شركة التدبير المفوض للملايير لم تمنحه قفازات لهذا الغرض ، ولا أدوات عمل باستثناء شطابة وأكياس وحاوية بعجلات مفككة ، فقد بات الأمر عقابا وإذلالا ليس إلا ... الردمة آفة المدارس الثلاث ما كدسته وتكدسه الغفلة «ديال بلعاني» من ملفوظات البناء العشوائي أو الردمة بجوار المدارس الثلاث بحي بنسليمان المنكوب في منتخبيه يعادل أنقاض زلزال ، ومع ذلك لم نسمع من السلطات الوصية في الحي المذكور تخصيص يوم كل خمس سنوات لكنس المكان وتنظيفه ورد الاعتبار إلى حسن السعيدي مدير مدرسة ظهر الخميس، الذي حولها من الداخل الى مؤسسة تعليمية نموذجية ، في حين حولها الاستهتار الجماعي وتكالب منعدمي الضمير إلى مطرح نفايات على بعد 5 أمتار فقط من باب السكن الوظيفي لمدير المدرسة ، والمحصلة مطرح نفايات وفضاء للردمة في قلب الحي . هل حياة المواطن في المجتمع المغربي تسمح بهذا الإذلال ؟ صحيح ، هناك من المواطنين من يجد متعة حقيقية حين يقذف بنفايات وقمامة في وجه العابرين ، ولا يستحيي ولا يرف له جفن عندما يلقي بنفاياته بالأزقة والشوارع بالقرب من المساجد والمدارس والصيدليات والأسوار التاريخية ... . وهناك من لا يتورع لحظة برمي مخلفات البناء في مجرى مائي أو أرض فلاحية خصبة ، ويعمل جاهدا كي يتخلص من كل ما فضل ...مثل هؤلاء المستهترين بالبيئة كثر، ولا بد من ردعهم قانونيا بغرامات مالية ولم لا عقوبات حبسية . كل القوانين السماوية والأرضية تؤكد على أولوية ضمان العيش الكريم لكل مواطن مع حقه في العيش في بيئة سليمة و تنمية مستدامة باعتبار أن البيئة رصيد مشترك للأمة ومسؤولية جماعية للأجيال الحاضرة والمقبلة. مظاهر بؤس حقيقية هل باتت فاس مدينة لكل من يرغب أن يتخلى عن حاجته؟ سؤال يطرحه مواطنون اليوم بالعاصمة العلمية على هامش بروز مظاهر بؤس حقيقية طفت على السطح الاجتماعي ووسمته بالتخلف والدونية والوضاعة الاجتماعية . الأمر تعدى البغال والحمير المتخلى عنهم وتجاوز التخلي عن الملابس والأطمار الرثة في الشارع العام وبلغ حد التخلي عن مولود جديد كل يوم ؟ ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول خطورة هذا الوضع وتداعياته السلبية على حياة الإنسان والمجتمع. انتشار ظاهرة النفخ في الأكياس الفارغة «كويلات « وآفة التشرد والجنون التي لم تعد تقتصر على شارعي الحسن الثاني وعلال بن عبد الله اللذين باتا معقلا رسميا لهؤلاء. ولعل ظاهرة تكاثر الأطفال المتخلى عنهم أو غير الشرعيين على امتداد الشارعين بات قلقا حقيقيا حيث يقدر الفاعلون المدنيون مولودا جديدا كل يوم يترك إما في درج عمارة أو في قمامة زبالة، لكن القاسم المشترك هو هروب الأم لتترك الوليد عرضة للضياع . ولعل الحادث المؤسف بعمارة سكنية بالمدينةالجديدة قرب مسجد التاجموعتي نموذج صارخ لهذه المأساة المجتمعية حيث وجدت أم « بلاهوية اجتماعية» الوقت الكافي لوضع مولودها خارج اية مساعدة بدرج العمارة لتغادر المكان تاركة المولود في بركة من الدماء أصابت بالصدمة المصلين في الصباح الباكر حيث تم الاتصال بالمداومة. و يعتبر العديد من من استقينا آراءهم حول الظاهرة «أنها أمر شبه يومي .. وعادٍ جدا ، إذ ماذا تنتظر من متشردة في ريعان شبابها وسط حجافل من زملائها في مجتمع ليلي غامض ومليء بالغرائز والتوحش » لكن مواطنا عبر بجرأة قائلا « ان العديد من هذه الحالات يعيشها سكان بعض المناطق يوميا ، بل إن جناحا بمستشفى الغساني مليء بمثل هذه النماذج، فإلي متى و هذه الوضعية التي تعرف تزايدا كبيرا مستمرة بفاس ؟ فإذا كان الواجب الإنساني يقتضي علاج هؤلاء المرضى ضحايا سياسة غير مسؤولين عن قراراتها حتى يعودوا إلى حالتهم الطبيعية ، ليس لأجل تطهير شارعي الحسن الثاني وعلال بن عبد الله لما لهما من رمزية وبعد وطني ، وإنما للبعد الوظيفي للوزارة المسؤولة عن التضامن المجتمعي وشؤون الأسرة حتى لا تعود فاس مدينة المتخلى عنهم بامتياز ، يستوي في ذلك البغال والحمير والأجنة البشرية ... الباركينغ .. روائحه أزكمت الأنوف تحدد المصالح البلدية بفاس تعريفة وقوف السيارات في أكثر من 4آلاف محطة وقوف منتشرة بتراب الولاية ما بين درهم و درهمين فقط لا أكثر ولا أقل ، حسب مصارنا التي تجمع أن عائداتها التي تقدر بالملايين من الدراهم لا تعرف طريقها نحو الخزينة العامة . هي اعترافات تثبتها الوثائق والقوانين و يؤكدها المسؤولون والمنتخبون في خطبهم ويصرحون بها علنيا ، لكن محطة الرصيف بالمدينة العتيقة التي تعتبر بحق بوابة المدينة القديمة التي يقصدها الزوار المغاربة و الأجانب تصل تعريفة وقوف سيارة من النوع الخفيف بها إلى 30درهما ، أي نعم ثلاثون درهما ، مع ترك مفاتيح السيارة في أيد غير أمينة. ترى من نصدق ؟ وعلى من يضحك هؤلاء؟ ولمن تدق الأجراس؟ لقد بات على المواطن الذي أراد أن يتبضع ويقتني حاجاته التموينية بمنطقة الرصيف القلب النابض لفاس العتيقة أن يفكر ألف مرة قبل أن يقع في فخ عجز مادي قد يفضي به إلى المستشفى . فالأمر لا يحتمل الشك ، إذا لم يكن بمقدوره أداء التعريفة المفروضة ظلما وعدوانا ، فإن اختيار ركن سيارته بعيدا عن موقف الرصيف أمر مستحب وسيجنبه بلا شك أشكالا من الاستفزاز وسوء معاملة . كما سيتفادى سيلا من الكلمات النابية التي يحفظها الموشومون من ذوي السوابق والعاهات ، المكلفون باستخلاص هذه الضريبة . ولقد شاهدنا بأم أعيننا كيف يطأطئ أحد المواطنين رأسه ويذل على مرأى ومسمع من أفراد أسرته وضيوفه من قبل أصحاب السوابق الذين يتحكمون في محطات وقوف السيارات بالقوة في رعونة وطيش فاق كل تصور حينما دخل في مشادة بدفع نصف المبلغ فقط؟ بؤس السياحة مجموعة من المظاهر السلبية باتت تهدد السياحة بفاس وتعدها بمزيد من الركود والكساد ، ومن بينها التقصير وانعدام الجدية من قبل الجهة الوصية ما ينتج العشوائية والفوضوية التي تؤثث النشاط السياحي وتسمه بالارتجال والفوضى . ذلك أن أفواج السياح التي تزور المدينة العتيقة رفقة المرشدين السياحيين « شرعيون أو غير شرعيين » تتعرض بين الفينة والأخرى للاستفزاز من قبل المشردين والمتسكعين والمجانين الذين يتموقعون في كل مكان من فاس العتيقة . وإذا لم تسعف أريحية السائح ، فإنه سيتعرض دونما شك لوابل من السب والشتم وشتى أنواع النعوت المذلة والمخزية له ولبلده على مرأى ومسمع من الجميع . صحيح أن هناك من الجمعيات المهتمة بالإرشاد السياحي من دقت ناقوس الخطر و قامت بمراسلة المسؤولين عن السياحة بالعاصمة العلمية من إدارة سلطات ، بل إن إحدى الجمعيات طالبت بإعادة فرق وعناصر القوات المساعدة التي كانت تحارب هذه المظاهر الشائنة ، بل وتفعيل الشرطة السياحية وتجسيد دورها الحقيقي على أرض الواقع وذلك حفاظا على زبناء فاس من السياح الأجانب وغيرهم . ومن بين المظاهر السلبية التي برزت في الآونة الأخيرة كذلك ، والتي تسيء للسياحة بفاس وتضربها في مقتل ، ثمة مجموعة من النساء المحترفات اللواتي يمتهن التسول يعرضن أثداءهن لإرضاع أطفالهن « الثلاثة» أمام باب مسجد القرويين في مظهر مقزز وهن يستجدين الأجانب طالبين منهم صدقة ، مشكلة أخرى وتتعلق بتقليعة من ابتكار شباب طائش يركبون الدراجات النارية و يخترقون شوارع وأزقة فاس العتيقة والضيقة بسرعة جنونية تاركين وراءهم سحابات كثيفة من دخان البنزين وصداع المحركات ، الشيء الذي يسبب قلقا حقيقيا لزائري المدينة العتيقة خاصة الأجانب منهم ، وعندما ينضاف إلى كل ذلك منظر الباعة المتجولين الذين يحاصرون الأفواج السياحية وهو يلحون عليهم في شراء منتجاتهم البسيطة ، يتعاظم القلق وتعم الفوضى بكل المقاييس.