ما مِن شك أن موقعي كنقابي يفرض عليَّ حسب بعض الإنتقادات الإتيان بالبديل ، وهذا صحيح لا جدال فيه خصوصا إذا كان التجار واعين بما تعنيه التنظيمات والتكثل للضغط من أجل تفعيل مكسب ما ، هذا ونحن نضع في الحسبان أن الطرف الآخر محاورٌ ومنصتٌ جيّد ، أمّا والحال أنني شخصيا ومنذ خمسة عشرة سنة خَلتْ ، وأنا في صراع مع أوضاع التجار بسلاح القلم ، حتى لَيكاد لايخلو كل أسبوع من مقال لي ، لِيظهر اليوم من يسأل عن البدائل والحلول . فما لا أقبله لا على نفسي ولا على غيري ، هو تبخيس عمل أيّ كان كيفما كان حجمه ، ولو كان مقتَصَرا على إعداد كأس شاي للضيوف في لقاء جمعوي ، وكلنا نعلم تجاوب مّالين الحوانت في هذا الصدد ، فالأحرى تبنّي مقترحات لا تسلم من التّقييح . رجوعا إلى الإجتماع الذي خرجْنا منه على مستوى التّهييء نقابيا للجهوية بتوصيات تنظيمية وبيانات ، تتماشى وحساسية المرحلة التي يمُرّ منها قطاع التجارة عموما ، وتلامس معاناة وترقبات التاجر من جوانب عديدة ، أبرزها آفة المنافسة الشرسة بكل تلاوينها والإختلالات المتجلية في علاقة هذا الأخير بالشركات والمتاجر الكبرى تحت ظل مجلس المنافسة . كنتُ قد تطرقت بإسم المكتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين بعمالة الصخيراتتمارة إلى ضرورة التوجه بفائق الرعاية والعناية إلى عنصر الثقة في النفس ، هذا بعد ما لَحِق من أضرار جسيمة برأس مال التاجر ، سواءٌ منه المادي أو المعنوي . المادي فيما يتعلق بالسّيولة النقدية وحصته من الزبناء . هذا الجانب الذي شهِد إضمحلالا وإنكماشا لا مثيل لهما في الآونة الأخيرة لأسباب لا تخفى على الجميع ، وكلها مؤرَّخة في كنانيش الكريدي على الصعيد الوطني . لو سخّرت الدولة مؤهلاتها لتحديد حجم الأضرار التي تجنبَتْها بفضل أرشيف إنما هو جزء من الذاكرة ، لَمَا إستوعبت كل دروب المغرب أسماء تجار ، إنحرف بهم المشوار من التكريم إلى التقزيم ، ماعدا تجربة فاشلة حملت إسم حانوتي ، فما برحت المهد حتى كان أمر ربك مقضيا . أما الجزء المعنوي فحدِّث ولا حرج ، وذلك جرّاء التدهور المستمر الذي أفضى إلى المَسّ بسمعته وزعزعة ما تبقى من كيانه ، إستهدافا مُعتمدا لعِماد أيّ تجارة قائمة كالبنيان المرصوص ، ومن هنا كان على كل تاجر للصمود في وجه مناورات منافسيه الكيديّة ، الدفاع بعشوائية شرسة على أساس مورد رزقه ، لتنطلق بدون هوادة الحروب الهوجاء في سوق لاحسيب ولارقيب عليها ، بمباركة فساد من نوع آخر . فساد يدك الصغار تحت شعار العولمة ، وكلما إتسعت رقعة الدمار يتقوى غول الفساد وتتمدّد عروقه ، لتسحبَ الحياةَ من أجسام التجار الصغار . وفي غياب التأطير والتنظيم والتوعية يستأسد الأقوياء ، ويستمدون جبروتهم من إستعباد الضعفاء ، وما كان لكل هذا الفساد أن ينتشر ويسود ، لولا إنهيار النفوس بين قمم الحرية وسفوح الرّق . إن العمل على ترميم الثقة في النفس لَهو الخطوة المصيريّة التي يمكن أن تُحقق إنطلاقة سليمة على درب نضال مشترك ، لنُصرة الكائن التجاري مول الحانوت . هذا الإنسان المتكون كسائر البشر من كُثلِ مشاعرٍ تُحدد هويته الحِسّيّة ، كلما تزعزعت قواعدها إختلّتْ وظائف الجسد ، وردا للإعتبار إجتهد المتضررون في التبرُّؤ من الإحراج . وهنا تظهر على ما يبدو قيمَة الغرف التجارية وضرورتها في تكوين التاجر على أحسن وجه ، ليبْنيَ مناعته ويُقوّيها في أيّ تنظيم يختار بمعيّة مَنْ يُشاركهم نفس التوجهات . ختاما إذا كانت الحاجة الماسّة لمول الحانوت في تمثيلية تُساير تطلعاته ، تقتضي منطقيا توسيع صلاحيات الغرف التجارية ، فهل لقرار تجميد جزءٍ من هاته الغرف معنىً آخر ، غيرَ أن وراء الأكمة من يترصد بهذا الكائن التجاري للإجهاز على ما تبقى من كيانه . إلا إذا كان الغدر قد إنبعث من نصب غول العولمة على غرار حصان طروادة ، ليبتلع المُسالمين في غفلةٍ من الماسِكين بزمام أمورنا ، فذلك هلاك آخر ، رغم أن الهلاك في كلتا الحالتين هلاك واحد ، بتوجّه أوْحد ، يسير بخطى ثابتة نحو واقعٍ ، لايكاد يختلف حوله إثنان ، لعله بكل بساطة : - تعدّدت الأسبابُ ويبقى الموت واحد ؟ طفّرْناه بكْري .. هادي هيّ مول الحانوت ماماتشْ غيرْ خرجو مْصارْنُو .. أو بمعنى أدق تمثيلية مول الحانوت في مهبّ الريح .. فبعدما كنا نحلم في عمالة الصخيراتتمارة بغرفة مستقلة ، هاهي ذي غرف حية مهددة بالإقبار .. خُويَا فايْنْ دار الْعزُو عافاكْ ، راني جِيتْ للغرفة جْبرْت مّاليها رْحلُو ؟