روى البخاري في (صحيحه) عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام)، فقد وصف صلى الله عليه وسلم النبي يعقوب بأنه (الكريم)، وأدرجه في سلسلة آبائه الأنبياء الكرام إبراهيم وإسحاق عليهما السلام. وحديث القرآن الكريم عن النبي يعقوب عليه السلام جاء مقتضباً، وغاية ما ذكره بخصوص هذا النبي الكريم الآيات التالية:
قوله سبحانه: {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} (البقرة:132).
وقوله تعالى: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون} (البقرة:133).
وقوله عز وجل: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار} (ص:45).
وذكر القرآن الكريم يعقوب عليه السلام في معرض الحديث عن قصة ابنه يوسف، وسوف نقف عليها بالتفصيل في مقال آخر.
وقد أطلق القرآن الكريم على يعقوب عليه السلام اسم إسرائيل، وجاء ذلك في موضعين:
أحدهما: قوله تبارك وتعالى: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة} (آل عمران:93).
الثاني: قوله عز وجل: {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا} (مريم:58). ولفظ إسرائيل معناه: صفوة الله، أو عبد الله.
وقد حفل القرآن الكريم بالعديد من الآيات التي تخاطب ذرية إسرائيل عليه السلام، حيث ورد هذا الخطاب في نحو أربعين موضعاً في القرآن الكريم، نحو قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون} (البقرة:40).
والآيات التي ذكرها القرآن الكريم عن النبي يعقوب عليه السلام كلها تدل على أنه كان على ملة أبيه إبراهيم عليه السلام، وقد أوصى بنيه من بعده باتباع ملة أبية إبراهيم حنيفاً، وعدم الحيد عنها؛ لأنها هي ملة الإسلام لله وحده.
كما أخبرنا القرآن الكريم أن يعقوب عليه السلام كان من أهل العمل الصالح، والعلم النافع، والقوة في العبادة، والبصيرة النافذة. وقد ذكر ابن كثير في (البداية والنهاية) قصة يعقوب مفصلة، وحاصل ما جاء فيها: إن إسحاق عليه السلام لما تزوج رُزق بولدين، أحدهما: سماه عيصو. والثاني: خرج وهو آخذ بعقب أخيه، فسموه يعقوب، وهو إسرائيل، الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل. ثم إن يعقوب لما كبر قَدِمَ على خاله لابان في أرض حران، وكانت له ابنتان: اسم الكبرى ليا ، واسم الصغرى راحيل، وكانت أحسنهما، وأجملهما، فطلب يعقوب الزواج بالصغرى من خاله، فأجابه إلى ذلك بشرط أن يرعى على غنمه سبع سنين، فلما مضت المدة على خاله لابان صنع طعاماً، وجمع الناس عليه، وزف إليه ليلاً ابنته الكبرى ليا. فلما أصبح يعقوب إذا هي ليا، فقال لخاله: لم غدرت بي؟! وأنت إنما خطبت إليك راحيل، فقال: إنه ليس من سنتنا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى، فان أحببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى وازوجكها، فعمل سبع سنين، وادخلها عليه مع أختها، وكان ذلك سائغاً في ملتهم، ثم نُسخ في شريعة التوراة.
ثم إن راحيل دعت الله تعالى وسألته أن يهب لها غلاماً من يعقوب، فسمع الله ندائها، وأجاب دعائها، فحملت من نبي الله يعقوب، فولدت له غلاماً عظيماً شريفاً حسناً جميلاً، سمته يوسف، كل هذا وهم مقيمون بأرض حران، وهو يرعى على خاله غنمه بعد دخوله على البنتين ست سنين أخرى، فصار مدة مقامه عشرين سنة، فطلب يعقوب من خاله لابان أن يسرحه ليمر إلى أهله، فقال له خاله: إني قد بورك لي بسببك، فسلني من مالي ما شئت.
وأوحى الله تعالى إلى يعقوب عليه السلام أن يرجع إلى بلاد أبيه وقومه، ووعده بأن يكون معه، فعرض ذلك على أهله، فأجابوه مبادرين إلى طاعته، فحمل أهله وماله، وقفل قاصداً بلاده.
ثم مر يعقوب على أورشليم قرية شخيم، فنزل قبل القرية، واشترى مزرعة شخيم بن جمور بمائة نعجة، فضرب هنالك فسطاطه، وابتنى ثَمَّ مذبحاً، فسماه إيل إله إسرائيل، وأمر الله ببنائه ليستعلن له فيه، وهو بيت المقدس اليوم الذي جدده بعد ذلك سليمان بن داود عليهما السلام.
وذكر أصحاب السير أن أولاد يعقوب عليه السلام الذكور كانوا اثني عشر رجلاً؛ فمن (ليا): روبيل، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، وايساخر، وزايلون. ومن (راحيل): يوسف وبنيامين.
وجاء يعقوب إلى أبيه إسحاق فأقام عنده بقرية (حبرون) التي في أرض كنعان حيث كان يسكن إبراهيم عليه السلام، ثم مرض إسحاق ومات عن مائة وثمانين سنة، ودفنه ابناه العيص ويعقوب مع أبيه إبراهيم الخليل.
وقد قص علينا القرآن الكريم أن يعقوب وأولاده استدعاهم يوسف عليه السلام للحضور إلى مصر، فتركوا فلسطين، ولبوا دعوته، وحضروا إلى مصر، قال تعالى: {فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين * ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم} (يوسف:99-100).
وذكر أهل السير أن يعقوب عندما دخل مصر كان عمره مائة وثلاثين سنة، وأقام بمصر سبع عشرة سنة. ثم لحق بربه، وسنُّه مائة وسبعة وأربعون عاماً، فاستأذن يوسف عليه السلام ملك مصر في الخروج مع أبيه يعقوب ليدفنه عند أهله بفلسطين، فأذن له، وتم دفن يعقوب عليه السلام ببلدة (حبرون) المسماة بالخليل اليوم، بجوار جده إبراهيم وأبيه إسحاق عليهما السلام.
وثمة تفاصيل أُخر عن قصة يعقوب عليه السلام، تُعرف عند الحديث عن قصة يوسف عليه السلام.