طرح توشيح إدريس بنهيمة، الرئيس المدير العام لشركة الخطوط الملكية المغربية، من قبل الملك محمد السادس يوم الأربعاء 9 نوفمبر، بوسام العرش من درجة قائد، الكثير من التساؤلات حول خلفيات وتوقيت هذا التوشيح، وهل يتعلق الأمر بمكافئة أو بشكر على نهاية الخدمة لرجل يعتبر سليل أسرة من إنتاج المخزن. وما بعث كثيرا على طرح مثل هذا التساؤل هو الوضعية الصعبة التي توجد عليها شركة الخطوط الملكية، بعد سنوات من وجود بنهيمة على رأسها، والتي أدت بها إلى حافة الإفلاس لولا تدخل الملك محمد السادس، من خلال "صندوق الحسن الثاني للتنمية"، التي تودع به أموال شركات الدولة التي تم تخصيصها، حيث تم ضخ ما قيمته 9.3 مليار درهم كاستثمارات في رأس مال الشركة في الفترة 2011-2016. وقد برر بنهيمة نفسه فشل إفلاس الشركة التي يوجد على رأسها، وذلك في كلمة ألقاها أمام الملك بمناسبة التوقيع على العقد البرنامج، ومما جاء كلمة ينهيمة هو سياسة تحرير النقل الجوي منذ عام 2003، وهي السياسة التي كان بنهيمة نفسه يدافع عنها عندما كان وزيرا للنقل منتصف التسعينيات، خلقت "وضعية جد تنافسية جعلت الخطوط الملكية المغربية أمام متطلبات تنافسية جديدة"، على حد تعبير بنهيمة، الذي أضاف إلى تبريراته "انعكاسات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي برزت سنة 2008، إلى جانب ارتفاع أسعار النفط ..."، وهو ما أصبح يطرح حسب تبريره "تحديا كبيرا بالنسبة لتطوير الشركة في السنوات المقبلة". لذلك يضيف بنهيمة "وأمام هذا المناخ، ولإنجاز هذه التطلعات، ستركز الشركة مجددا على صلب مهنتها، وتحديث أسطولها، وعقلنة إنتاجها، وتمويل برنامجها الطموح للاستثمار الذي تقدر قيمته ب 9.3 مليار درهم خلال السنوات الخمس المقبلة". وكان عباس الفاسي بصفته كوزير أول ورئيس مجلس إدارة الشركة قد ساق نفس التبريرات عندما قررت حكومته ضخ هذه الأموال من خزينة الدولة في رأسمال الشركة، مبررا ذلك بالوضع المالي المتدهور للشركة، الذي عزاه إلى "تعاقب العديد من الأحداث الظرفية السلبية وعدم قدرة الشركة الوطنية على خفض تكاليفها لمواجهة المنافسة الدولية، مما جعل وضعيتها المالية تتدهور إلى درجة أصبحت تستلزم تبني مخطط إرادوي لهيكلتها جذريا". وقال الفاسي الذي ترأس اجتماعا طارئا قبل أسابيع لإنقاذ الشركة التي يديرها بنهيمة، إن "التطور السلبي لنشاط الشركة منذ أبريل 2011 جراء الأحداث المسجلة منذ بداية السنة في المنطقة العربية، والارتفاع الهام لأسعار البترول خلال الأشهر الأخيرة..." وكانت وكالة "رويترز" قد نسبت إلى مصدر رسمي مغربي قوله إن هذه المبلغ جزء من حزمة تغطي الفترة من 2011 إلى 2016 لمساعدة شركة الطيران التي تسيطر عليها الدولة على خفض قوتها العاملة بنسبة 30 بالمائة إلى حوالي أربعة آلاف شخص وتجديد أسطولها لتقليل استهلاك الوقود وتحديث عملياتها. وبالفعل فقد كان من نتائج البرنامج العقد، هو توصلت إدارة الشركة والنقابات، إلى اتفاق يقضي بمغادرة 1560 مستخدما ما بين 2011-2013. وبحسب بنهيمة فإن "عدم تنفيذ هذا المخطط وخاصة الشق المتعلق بتقليص عدد العاملين، سيهدد مجموع مناصب الشغل.. وإذا لم تقم الشركة بتنفيذ تدابير التقويم الداخلي، فإنه لن يكون في الإمكان طلب أي دعم دائم من الدولة ولا حتى التفكير في ذلك". وحسب وكالة "رويترز"، فقد سجلت الشركة خسائر بلغت حوالي 80 مليون درهم شهريا هذا العام بعد أن تسببت انتفاضات في بعض الدول العربية وهجوم انتحاري في مدينة مراكش، وهي مركز جذب سياحي مهم، في خفض أعداد السائحين الزائرين للمغرب. ونسبت الوكالة المتخصصة في الخبر الاقتصادي، إلى مصدر رسمي مغربي قوله: "تسبب الارتفاع الكبير في أسعار الوقود إضافة إلى المنافسة الشديدة من شركات الطيران المنخفض التكلفة بمقتضى اتفاقية السماوات المفتوحة مع الاتحاد الأوروبي في مزيد من الضغوط على الشركة". إدريس بنهيمة ثمة أشخاص محظوظون، لا يعرفون معنى للبطالة. فعندما يعفون من منصب كبير في المسؤولية، تتم ترقيتهم إلى منصب أكبر. ذلك هو حال إدريس بنهيمة، ابن وزير الداخلية الذي تعلم على يديه إدريس البصري فنون تدليس وتزوير الانتخابات في سبعينات القرن الماضي. فالرجل الذي لم يتعلم الدارجة المغربية إلا في السنوات الأخيرة وما زال ينطق مخارج الحروف بغنة فرنسية ورثها عن أمه الفرنسية، فهو منذ أن ولج الحياة العامة للمغاربة يتبوأ أعلى المناصب وأفخرها. فإذا لم يكن وزيرا فهو بالضرورة مدير لإحدى أكبر المؤسسات الاستراتيجية في البلاد. وخلال سنوات تنقل الرجل من منصب الوزارة في قطاع استراتيجي مثل النقل والتجهيز إلى إدارة مكتب السكك الحديدية، وقبل ذلك مديرا لوكالة تنمية الشمال، وأخيرا مديرا لشركة الخطوط الملكية المغربية، التي يتربع على عرشها منذ سنوات، رغم أن الشركة عرفت في عهده أكبر خسارة جعلتها على حافة الإفلاس، لولا تدخل الدولة للضخ في ميزانيتها من أموال دافعي الضرائب. وبدلا من أن تكون الشركة موردا لميزانية الدولة صادرت في عهد بنهيمة عالة على الدولة. وفي عهد عرفت الشركة انتفاضة أطرها ومستخدميها، من طياريها إلى مضيفاتها اللواتي قدن أول إضراب من نوعه في تاريخ المؤسسات العمومية ربما خارج المغرب وداخله، عندما انتفضن ضد التحرش بهن!