مخاوفٌ حقيقية واسعة تلك التي دفعت بخُبراء وسياسيين إلى دق ناقُوس الخطر من أزمة تلوح بالأفق، قد تعصف باقتصادات دول كثيرة تُشكل المحروقات أكثر من 90 في المائة من صادراتها ،وتُساهم بأكثر من 70 في المائة من دخلها الوطني. تراجُع أسعار النفط لمُستويات غير مسبوقة منذ 2009 ،وصفه البعضُ ب "الزلزال الذي سيضرب دُولاً" والذي لا شك "سيُفجر انتفاضات شعبية" ،كما حدث في أزمة النفط لسنة 1986، حين عجزت دول آنذاك عن تلبية الاحتياجات الضرورية لشعوبها فتفجرت هبات شعبيه فيها. إيران من بين الدول التي بلغ الوضعُ لديها مُستوى مُقلق دفع الرئيس الإيراني حسن روحاني، اليوم الثلاثاء، لاطلاق تصريح ناري قال فيه " إن الدول التي تقف وراء انخفاض أسعار النفط العالمية ستندم على قرارها مُحذراً من أن السعودية والكويت ستعاني مثل إيران بفعل هبوط السعر".وأضاف "إذا عانت إيران من جراء انخفاض أسعار النفط فاعلموا أن دولا أخرى مُنتجة للنفط مثل السعودية والكويت ستُعاني هي الأخرى". تصريحُ الرئيس الإيراني، يُستشف منه الكثير، فإلى جانب تحميله مسؤولية ما يقعُ في سوق النفظ العالمية لدولتي الكويت والسعودية ،فإنه بالمثل كشف لأول مرة ،بشكل رسمي، مُعاناة دولته من جراء انهيار أسعار المحروقات. ايران ليست الدولة الوحيدة التي طوَّق رقبتها حبل الأزمة ،بل روسيا الفيدرالية هي الأخرى تُعاني في صمت، قبل أن تفضحه مؤشرات اقتصادية كشفت عن أن الهبوط المستمر لسعر النفط الذي يوفر، إلى جانب الغاز، أكثر من نصف عائدات الدولة الروسية، أدى إلى تدهور كبير لسعر الروبل (عملة روسيا) اليوم الثلاثاء. فقد بلغ الدولار الأمريكي 64.77 روبل، وخسر الروبل حوالي 14 في المائة من قيمته منذ بدء العام أمام الدولار. وعلى الرغم من إنفاق الدولة ما مجمُوعه 82.8 مليار دولار سنة 2014، في محاولة للحد من انهيار سعر صرف الروبل ،إلا أنه بقي مع ذلك يميل الى الإنخفاض منذ بداية تلك السنة، كما أفادت إحصاءات نشرت أمس الإثنين ؛ وهو ما أغرق البلاد في أسوأ أزمة نقدية في ظل حكم الرئيس فلاديمير بوتين المُستمر منذ 15 عاماً. أما الجزائر، فعلى ما يبدو إنها أكثرُ الدول النفطية تأثراً بانهيار أسعار المحروقات، إذ جمدت التوظيف وألغت الكثير من المشاريع المُبرمجة ،ناهيك عن دعوة الجزائريين للتقشف وشد الأحزمة وهو ما أثار ردود فعل تبلورت في شكل احتجاجات شعبية عمَّت ولايات الجنوب الجزائري. وإذا كان البعض يتوقع أن يكون الإنخفاض الحاد في أسعار النفط الذي بلغ 55 في المائة منذ يونيو الماضي، إيذانا ببداية عصر من التقشف في منطقة الخليج المُقبلة على هبوط حاد في دخلها ؛فإن ذلك لم يحدث ولا تلوح له أي بوادر، فقد صمدت الدفاعات الاقتصادية التي أقامتها دول الخليج في أعقاب الأزمة المالية العالمية قبل 5 سنوات، للتصدي لمثل هذا الهبوط في أسعار النفط. فالمستهلكون في الخليج مازالوا ينفقون المال، والشركات مازالت تستثمر، والحكومات تعلن ميزانيات قياسية الحجم لعام 2015. ويتوقع بعض الاقتصاديين أن تتسارع وتيرة النمو في دول مجلس التعاون الخليجي الست هذا العام. ويُقدر بنك "في.تي.بي كابيتال" الاستثماري، أنه إذا ظلت أسعار النفط عند 60 دولاراً للبرميل فان أرصدة الدول الأربع الكبرى في مجلس التعاون الخليجي، يمكنها تمويل الإنفاق العام بالمعدلات الحالية لفترة قد تصل إلى 5 أعوام، أو تغطي العجز في الميزانية لفترة تتراوح من 4 أعوام إلى 14 عاماً، وذلك دون اللجوء إلى الاقتراض.