فرض انخفاض قيمة العملة الوطنية (الدينار) والمضاربة والاحتكار خضوع القدرة الشرائية للجزائريين لموجة أسعار ملتهبة، خاصة في صنف المنتوجات غير المدعمة والواسعة الاستهلاك. وأمام هذا اللهيب المفرط "غير المبرر" الذي يقض مضجع شريحة واسعة من المجتمع، لم تجد جمعية حماية المستهلك بدا من إعلان السبت المقبل "يوما بدون تسوق" كمبادرة لدفع المواطنين إلى التعبير "عن عدم رضاهم عن الوضعية الحالية" المتسمة بزيادات تتراوح بين 50 ومائة في المائة. ومنذ أزيد من ثلاثة أشهر، أصبحت الخضر والفواكه بعيدة عن موائد فئة عريضة من الأسر، دون ذكر اللحوم خاصة منها السمك، التي باتت مع مرور الوقت "ترفا" في متناول الأسر الأكثر ثراء دون سواهم. ومثال على الغلاء الفاحش، سعر كبد البقر الذي لا يقل عن 280 درهما للكيلو الواحد (مائة دينار تساوي 10 دراهم)، ويمكن أن تصل إلى 300 درهما في الأحياء "الراقية" بالعاصمة، فيما يتراوح سعر السردين طيلة السنة بين 40 و50 درهما للكيلو. وحسب تحقيق نشرته صحيفة (الوطن) أمس الأول، فإن المنتوجات الفلاحية تباع بالتقسيط عموما بسعر مضاعف عن سعرها الأصلي، عازية ذلك إلى "توافقات" على كافة مستويات سلسلة التوزيع. ونتيحة لهذه "التوافقات"، تعرض الطماطم للبيع بالتقسيط بسعر يتراوح بين 8 و12 درهما والكوسة (قرع أخضر) ب20 إلى 25 درهما، والخس (10 دراهم)، والفلفل الحار (15- 18 درهما)، والجزر (7 10 دراهم)، والبرتقال من 15 إلى 22 درهما. وارتفاع الأسعار لم يطل هذه الأسعار وحدها بل امتد إلى أكثر الخضر استهلاكا للأسر الجزائرية إلى جانب المعجنات المدعمة من طرف الدولة. ويتعلق الأمر بالبطاطس التي بلغ سعرها للكيلو مستوى قياسيا مما أثار تعاليق كبريات الصحف المحلية ولغطا عموميا واسعا. وحاليا عاد سعر البطاطس إلى مستواه المعهود أراح معه المستهلك حيث لا يتجاوز السعر 7 دراهم عوض ال10 دراهم كما سابقا، وإن كان ، أصلا ، الثمن الحالي للكيلو من هذا النوع من الخضر يعتبر مرتفعا بالنسبة ل"الزوالية" الشريحة الفقيرة. وارتفاع الأسعار الذي يبدو من السابق لأوانه اعتباره اتجاها نحو التضخم، هم مجموع المنتوجات المستوردة في بلد يعتمد ، أساسا ، على الاستيراد من الخارج، مما ساهم في خفض قيمة الدينار مقابل العملة الصعبة المرجعية (الدولار والأورو)، وكذا في تقلبات السوق الموازية للصرف. ويجمع التجار المتخصصون في تسويق المنتجات ذات العلامة الأجنبية على أن الارتفاع الملموس لأسعارها يعود لضعف قيمة العملة الوطنية، حيث أن معدل الصرف الملتهب في السوق الموازية يدفعهم إلى شراء منتجاتهم بسعر عال حتى يلبون حاجيات زبائنهم الذين يفضلون مقتنيات ذات جودة مصنعة بالخارج. "بكل صدق، هامش الربح تقلص لدينا، لأنه فضلا عن فارق الصرف، نضطر لشراء العملات من السوق الموازية وبأسعار أعلى من تلك المعلنة على اللوحات الرقمية للأبناك" يبوح مالك متجر للمتعلقات النسوية. وكرد على انخفاض قيمة الدينار، يعتزم وكلاء بيع السيارات ، بدورهم ، ضمان الربح على حساب الأسعار عند الشراء، حيث أن بعض الماركات أعلنت رسميا الرفع من السعر مع بداية عام 2015. وكانت السلطات المالية أن أعلنت في الفترة ذاتها من السنة الماضية خفض قيمة الدينار، إلا أن هذا الإجراء - حسب متتبعين - على الرغم من وصفه بأنه تقني، فإنه لم يخلص العملة الوطنية من الاختلال. ويحسب للبنك المركزي تعامله الذكي والحذر مع هذا الإجراء، حتى لا تكون له كلفة سياسية أو ضربة قاضية للقدرة الشرائية في الوقت الحاضر، خاصة وأن جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية توجد في الخانة الحمراء.