لعل الحدث الذي يفرض نفسه إعلاميا وفايسبوكيا هذه الأيام، هو دهس القطار للوزير عبد الله باها وما رافق الحادث من تأويلات وتعليقات تطرح أكثر من علامة استفهام حول ملابسات الواقعة، وكيف اختلى المرحوم بنفسه في مكان متوحش لم يتخلص بعد من رائحة الموت المفاجئ للقيادي الاتحادي احمد الزايدي. فهناك من تكهن بانتحار عبد الله باها، وهناك روايات أخرى تروج زادها غموضا التعتيم الإعلامي المفرط للسلطات، لكن حتى لا نخوض أكثر في سيناريوهات قد تكون صائبة وقد تكون مخطئة، فكل من الراحلين احمد الزايدي وعبد الله باها غادرانا إلى دار البقاء بسِرَّيهما وطيبتهما وأخلاقهما وتاريخهما... أكثر ما يحيرنا في حادثي قنطرة واد الشراط هو كيف لدولة تتطلع للحاق بركب الدول النامية تقصر في معاملتها لموتاها؟ إن لم يكن أحمد الزايدي يشغل أحد مناصب المسؤولية قبل وفاته، فعبد الله باها كان وزيرا في الحكومة القائمة للملكة المغربية، فلما لم ننكس الأعلام ونعلن الحداد ليوم واحد على الأقل حزنا على رحيل وزير ورجل دولة ساهم من موقعه السابق في الدفاع عن ثوابت الأمة وعن استقرار النظام السياسي خلال فترات الشدة والتقلبات السياسية التي عرفتها المنطقة؟ قد نتفهم بعض الآراء التي تفيد بلا رغبة لدى الدولة لإدخال البلد في أجواء من الحزن والكآبة ونحن شعب متعود على العيش وسط مناخ البهاء والتفاؤل و"النشاط"، لكن هل نالت منا الإنسانية إلى حد الاستخفاف بأرواح رجالات دولتنا؟ وهل حقا الوزير السابق عبد الله باها أقل شأنا من الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت والذي حزنا لوفاته وأعلنا حدادا وطنيا يوم 15 يناير 2006 لمدة 3 أيام نكسنا خلالها الأعلام فوق المرافق الحكومية والإدارية والأماكن العامة والسفارات والقنصليات المغربية في الخارج؟ ومدا عن ضحايا السيول والفيضانات في الجنوب المغربي العزيز؟ أولئك من حملنا جثتهم على شاحنات جمع الأزبال، هل هم أقل أهمية من ضحايا الطائرة العسكرية التي تحطمت بالقرب من كلميم يوم 26 يوليوز 2011 والذين حزنا عليهم لتلات أيام أخر مع تنكيس الأعلام وما إلى ذلك من مظاهر الحزن الرسمي؟
لم نعد نتفهم ازدواجية الدولة في تعاملها مع رجالاتها ورعاياها وأصدقائها، فإعلان الحداد في البلاد هو من اختصاصات الديوان الملكي، ونطلب من صاحب الجلالة أعزه الله أن يأخذ بيد شعبه وأن يعطي أوامره السامية ليعامَل المواطن البسيط ورجل الدولة والسياسي والحقوقي وكل من يعيش فوق أرض هذا البلد العزيز بقدر كافي من الكرامة والاحترام والإنسانية.