"حكمت علي الظروف أخويا، شكون اللي كره يعيش في الحلال ويتزوج ويدير وليداتو"، هكذا تحدث المغربية ريم "اسم مستعار"، ل"أخبار اليوم"، بعدما أكدت أنها كانت ضحية شبكة دولية لتهجير الفتيات إلى دول الشام والخليج العربي. ريم فتاة مغربية ذات 25 سنة كانت تطمح أن تصبح أستاذة في مادة الاجتماعيات إلا أن تضاريس الحياة حوًلت طموحها إلى كابوس تتمنى من كل أعماقها أن تخرج منه وتعود إلى حياتها الطبيعية، تقول ريم ل"أخبار اليوم":"بعدما حصلت على شهادة الباكلوريا عام 2003 اعتقدت أن أبواب النجاح فتحت لي خصوصا أنني حصلت عليها بتنقيط جيد، بيد أن الفرح بهذه الشهادة لم يدم أكثر من يومين، بعدما تأبطت بين يدي نسخ من هذه الشهادة من أجل الالتحاق ببعض المؤسسات العليا التي ستسمح لي بإنهاء دراستي، لكن للأسف الشديد أن جل هذه المؤسسات لا تعترف بالمجانية، الشيء الذي جعلني أحول بوصلتي نحو الجامعة حيث تقيدت في شعبة الاجتماعيات، وفي نفس الوقت انخرطت في إحدى الجمعيات التي كانت تساعدنا على تعلم بعض المهن، إذ اخترت الحلاقة والتجميل". بعد ستة أشهر من انخراط ريم في هذه الجمعية حصلت على شهادة خولت لها الاشتغال في إحدى الصالونات وهي لم تكن تعتقد أن القدر سيخبئ لها مفاجآت لا تتمناها أي فتاة شريفة تقول ريم:"أنا أنتمي إلى أسرة متواضعة، الشيء الذي أجبرني على البحث عن العمل وعدم اتمام دراستي، خصوصا بعدما حصلت على شهادة للحلاقة والتجميل، المهم اشتغلت بإحدى الصالونات، (تصمت قليلا بعدما دخنت سيجارتها بشراهة)، المهم هناك عرفت عالما كنت أعتقد فقط أنه في الأفلام المصرية، إذ تعرفت على العديد من زوجات رجال الأعمال والمقاولات، إذ كن لا يكفن على الثرثرة حول البورصة والشركات والصفقات، الشيء الذي جعلني أنجدب نحو هذا العالم الفريد من نوعه بالنسبة إلي، بعدما سيطرت علي فكرة الخروج إلى الدنيا عبر هذا العالم الصغير".
السقوط في الشبكة
بعدما تعرفت ريم على سعاد (ترحل الفتيات إلى الخارج)، أصبحت العلاقة بينهما جد وطيدة رغم أن كلا منهما كانت لها نية في نفس يعقوب حسب ريم، إذ أن هذه الأخيرة كانت تطمح للدخول إلى دائرة المال والأعمال، في نفس الوقت كان نية سعاد تهجير ريم إلى الخارج عبر شبكة منظمة تذر عليها مبالغ مالية، الشيء الذي تمكنت منه بعدما استطاعت إقناع ريم بالهجرة نحو لبنان للعمل ضمن إحدى الصالونات الخاصة بالحلاقة والتجميل بعقد عمل يسيل له اللعاب، تقول ريم:" فاجأني عرض سعاد، خصوصا لسرعته فضلا عن المبلغ المالي المشار إليه في العقد والذي يقضي بتوصلي براتب شهري يقدر بحوالي أربعة ألاف دولار مع الإقامة والسيارة، علاوة على المنح والامتيازات، الشيء الذي جعلني أسرع في الإعداد الوثائق الخاصة بجواز السفر، إذ بعد شهر من ذلك وجدت نفسي في إحدى الفنادق الغير المصنفة ببيروت مع مجموعة من المغربيات، إذ تبين لنا بعد ذلك أننا كنا ضحية شبكة للتجارة في اللحم الأبيض، أفرادها متعددو الجنسيات، مما جعلنا أمام أمرين أحلاهما مر، إما البقاء في لبنان أو العودة إلى المغرب لكن الاختيار الثاني كان من الصعب بمكان تحقيقه خصوصا إذا علمنا أن جميع وثائقنا كانت عند "رامي" ( عضو بهذه الشبكة)، وحتى إذا استطعنا الحصول على هذه الوثائق لا نتوفر على ثمن تذكرة الطائرة للعودة إلى المغرب، الشيء الذي أجبرنا على الدخول إلى هذا العالم الوسخ دون إرادتنا، إذ أصبحنا سلع تستهلك بالعلب الليلية ببلدية جونية (شمال بيروت)". وبعدما دخلت ريم إلى عالمها الجديد، أصبحت تتوفر على زبائن من عدة جنسيات خصوصا من الخليج العربي وفرنسا وانجلترا، سيما أنها تتوفر على جمال طبيعي عكس اللبنانيات اللواتي يعتمدن على المظاهر والتجميل لإثارة الزبائن ومرتادي هذه العلب وتعلق ريم على ذلك" كم من مرة أدخل في شنآن مع بعض اللبنانيات اللائي يحاولن ربط تهافت الزبائن على المغربيات مقارنة معهن بالسحر والشعودة، إذ أقول لهن أن المغربيات أحسن منهن في جميع المجالات و"معقولات"، وأنها كانت ضحية شبكة دولية في الدعارة، وإن لم تسقط فيها لما كانت معهن".
موعد العمل يبدأ يوم ريم في الساعة السابعة والنصف مساء، إذ مباشرة بعد استيقاظها تأخذ حماما باردا لتتناول وجبة الفطور لتتجه إلى أقرب صالون الحلاقة لتصفيف شعرها وتجميل ملامحها، وتعود بعد ذلك إلى مقر إقامتها بإحدى الشقق المفروشة لتلبس ملابس السهر، وفي حدود الساعة العاشرة والنصف تكون بمقر علمها (العلب الليلية)، حيث تحاول استمالة أكبر عدد ممكن من الزبائن حتى يتسنى لصاحب المحل الذي تعمل به البيع أكبر عدد ممكن من المشروبات الروحية، وكل مشروب يتم اقتناؤه يكون لها فيه نصيب، تقول ريم:"صاحب المحل يشترط علينا استمالة الزبائن بجميع الطرق والسبل، إذ أن المشاعر بعيدة عن قاموسه، كل همه البيع أكبر كمية ممكنة من الخمر والمشروبات، وحتى المرض ممنوع علينا، بل أكثر من ذلك يجبرنا على تناول أدوية ضد العادة الشهرية"، وبعد نهاية السهرة يبدأ النصف الثاني من يوم ريم مع أحد زبائنها والذي يكون عادة بالشقق المفروشة أو في الفنادق المصنفة حسب نوعيته تقول ريم:"بعد نهاية السهر والرقص وفي حال استمالة أحد الزبائن أتوجه معه إلى مقر سكناه، وهناك يبدأ النصف الثاني من يومي البئيس، وأحرص عنده على الاستماع إلى الأغاني الشعبية المغربية التي لا تفارق حقيبتي (عبد الله الداودي وسعيد الصنهاجي وعبد العزيز الستاتي)، إذ بواسطتها أحي صلة الرحم وأجد فيها ذاتي، خصوصا التي تتغنى عن المغرب ومدنه وثقافته، إذ تقربني هذه الأغاني ببلدي ووطني الذي أعتز به وأفتخر به". وعن المبلغ المالي الذي تتوصل به ريم عن كل ليلة تقول ل"أخبار اليوم":كل نهار رزقو، لكن كما يقول المثل المغربي (فلوس اللبن تديها زعطوط) حيث فلوس الحرام تمشي غير في الحرام، ويمكن أن أقول أن المبلغ الذي أتوصل به عن كل ليلة لا ينزل على 100 دولار علما أن صاحب العلبة الليلة له فيها نصيب فضلا عن رجال الأمن الخواص".
علاقة ريم بالمغرب منذ ثلاثة سنوات وريم لم تعد إلى المغرب وتتمنى العودة إليه في أقرب فرصة ممكنة حتى تعود إلى حياتها السابقة وتبدأ من الصفر تقول:"أعرف أنني لطخت سمعة بلادي في الوحل، لكن الوطن غفور رحيم، (ولا اللحم خناز تهزوه ماليه)، أنا ضحية مجتمع لا يعترف إلا بالماديات، أعرف أيضا أن العديد من يطلع على قصتي سيتبرأ مني، لكن عليه أن يتفهم وضعي، فأنا قبل أن أنام مع شخص ما أكره نفسي وأكره حياتي، وأتمنى أن أبتعد من هذه الحياة المشمئزة"، وتضيف :" أقول لجميع المغاربة الأحرار أن يتفهموا وضعيتي ولا يطلقون الأحكام المسبقة ويطلبون لي المغفرة وكما يقول المثل المغربي"كم من مزبلة أصبحت جامع"، وكم فرحت للإنجازات التي حققها الأبطال المغاربة في الدورة الفرنكوفونية خصوصا في رياضة ألعاب القوى، الشيء الذي جعلني أفتخر مجددا بوطني وبخصوصه أقول هذه الخواطر التي كتبتها في وقت سابق: يا مغرب يا حبيب أنت دائما في القليب اشتقت لك أتمنى أن أعود لك فأنت روحي ووجداني فأنت حبي ووطني أتأسف أنني لطخت اسمك أعاهدك أنني سأعيد لك شرفك فبك تحيى النفوس ويبتسم الوجه العبوس يا مغرب القلب والعقل أنت الحياة والأمل أدعو الله أن ألمس مجددا ترابك وأن أدفن تحت أنقاضك
علمت "أخبار اليوم" أن العديد من المغربيات يتواجدن بشكل غير قانوني بدولة لبنان، بعدما دخلن إليها إما بتأشيرة سياحية انتهت صلاحيتها أو بعقد عمل مزور، أو عن طريق سوريا. معظم هذه المغربيات يعملن في العلب الليلية في حين القلة منهن يشتغلن بشكل غير قانوني إما في البيوت أو في المحلات التجارية والمقاهي. وقصة "ريم" ما هي إلا جزء صغير تعيشه العديد من المغربيات ضحايا شبكات دولية للدعارة