سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشيخ يوسف القرضاوي: على علماء المغرب أن يحاوروا السلفية الجهادية قال إن العلاج الأمني غير كاف لأن العنف قائم على أساس فكرة والفكرة لا تحارب إلا بالفكرة
قال الشيخ يوسف القرضاوي إن أسبابا فكرية تتعلق بفهم الدين، وخاصة فقه التغيير، وراء اتخاذ عدد من الجماعات للعنف سبيلا لها، ودعا القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علماء المغرب إلى محاورة هؤلاء الشباب بالحجة الفكرية والشرعية، معتبرا أن المغرب يزخر بالعلماء المتمكنين القادرين على القيام بهذه المهمة. حاوره عبد الحق بلشكر - عرف المغرب، خلال الأيام الماضية، تفكيك شبكة لها صلة بتنظيم القاعدة كانت تخطط لتنفيذ العديد من الهجمات في المغرب، مما جعل موضوع محاربة الإرهاب والقضاء على ما يسمى "السلفية الجهادية" يعود إلى الواجهة مرة أخرى. في رأيكم، ما هو السبيل الناجع للقضاء على ظاهرة العنف والإرهاب؟ الذي ينظر بعمق في واقع الجماعات التي اتخذت العنف سبيلا لها يجد بوضوح أن وراءها أسبابا فكرية، تتعلق بفهمها للدين، خصوصا ما يتعلق بفقه التغيير. وهذه الأسباب هي الأكثر تأثيرا في هؤلاء، بالإضافة إلى أسباب أخرى، وهي التي تدفعهم إلى القيام بأعمال العنف. هذا خلل فكري في رؤيتهم للدين، ورؤيتهم للناس ورؤيتهم للحياة. وهذا الخلل الفكري يعالج بأساليب متعددة، منها المعالجة الفكرية والعلمية، التي يجب أن يقوم بها علماء مشهود لهم بالصلاح والعلم، يجمعون بين فقه الدين وفقه الواقع. - بالنظر إلى التجربة الناجحة لبعض العلماء في حوار جماعات العنف والإرهاب، ما الذي يمكن أن يقدمه العلماء للقضاء على هذه الظاهرة بموازاة مع ما تقوم به الدولة؟ أرى أن محاورة هؤلاء الشباب بالحجة الفكرية والشرعية قد أعطت ثمارها في العديد من الدول، وهذه المهمة لا يحسنها إلا العلماء، وهذا هو دورهم الحقيقي، وهو توجيه وترشيد الفرد المسلم والمجتمع المسلم، لذلك أرى أن دور العلماء مهم في هذه المسألة. وأعتقد أن المغرب يزخر بالعلماء المتمكنين القادرين على القيام بهذه المهمة. ينبغي على أهل العلم والفكر وأهل الرأي والحكمة أن يجادلوا جماعات العنف بالتي هي أحسن، كما أمر الله تعالى، وأن يناقشوهم، أو قل: يناقشوا قادتهم، بالحكمة والمنطق الهادئ، ويقنعوهم بالحجة البالغة، في أمرين مهمين: أحدهما: مدى شرعية العنف بالصورة التي يمارسونها ويشهدها الناس، وأنها لا تستند إلى محكمات الشرع لا في نصوصه البينة، ولا في مقاصده الكلية. والثاني: مدى جدوى هذا العنف، هل غير وضعًا فاسدًا؟ أو أقام حكمًا عادلاً؟ أو حقق هدفًا من الأهداف الكبرى للأمة؟ لقد أعلنت جماعات "الجهاد" ومن في حكمها، مثل جماعة التكفير والجماعة الإسلامية والسلفية الجهادية، انتهاء ب"تنظيم القاعدة" الحرب على الحكومات القائمة، واختارت أسلوب الصدام المسلح، ولم تكتف بالبيان والبلاغ أو التربية والتوجيه، أو أسلوب التغيير السلمي بالكفاح الشعبي في الجامعات والنقابات والمساجد، والكفاح السياسي بدخول حلبة الانتخابات ودخول البرلمانات؛ لمقاومة التشريعات المخالفة للإسلام، أو لحريات الشعب ومصالحه. ولما كانت هذه الجماعات لا تملك القوة العسكرية المكافئة أو المقاربة لقوة الحكومات، فقد اتخذت أساليب في المصادمة تتفق مع إمكاناتها، منها: أسلوب الاغتيال، ومنها: أسلوب التخريب للمنشآت الحكومية، عن طريق المفخخات ونحوها. لكن هذا العنف لم يحقق لها هدفا ولم يغير نظاما، ولم يسقط حكومة. ومما يجب تسجيله هنا: ما قامت به مصر من الدخول في حوار مع جماعات العنف، عن طريق بعض العلماء الثقات من المستنيرين والمعتدلين، الذين جلسوا طويلا مع هذه الجماعات وجادلوا قادتها، بعد أن رفضوهم في أول الأمر، ثم لانوا شيئا فشيئا، وبعد مدة رأينا بعض هذه الجماعات الإسلامية التي تبنَّت مدة من الزمن فكر العنف وطبَّقته، وقاتلت وقتلت، وأصابها في سبيل ذلك ما أصابها، من أحكام بالإعدام وأحكام بالسجن لمدد تطول أو تقصر، طفِقت تراجع نفسها وتنقد ذاتها، وتستمع إلى غيرها، وتعود إلى خط الاعتدال والوسط، بعيدا عن الغلو والشطط، وتتراجع عن كثير مما كانت تؤمن به وتصرُّ عليه وتدافع عنه. وهو ما قامت به "الجماعة الإسلامية" في مصر - وهي شقيقة "جماعة الجهاد" - فقد أصدرت عدة كتب سمَّتها "سلسلة تصحيح المفاهيم"، أعلنت فيها تخلِّيها عن كثير من أفكارها القديمة، في شجاعة أدبية تُحسب لها وتُشكر عليها، وقد صدر منها اثنا عشر كتابا، منها "تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء". ومما فاجأني في هذه الكتب أني وجدتُهم ينقلون من كتبي صفحات كاملة متتالية، وقد كانت من قبل من "المحرَّمات" التي يرفضون قراءتها، ويحذِّرون منها أتباعهم. فهذا التغيير يدلُّ على أن العقول المغلقة قد عرَفت التفتُّح، والنفوس المتعصبة قد عرَفت التسامح، والمواقف المتصلِّبة قد عرَفت اللين، وأن عهدا جديدا قد بدأ، لم يعُد فيه الفرد المسلم أسيرا لرأي واحد ولشيخ واحد، ولوِجهة واحدة، وهذا بلا شك تطوُّر محمود وإنجاز كبير. وكذلك فعلت جماعة الجهاد بمصر، والجماعة الليبية المقاتلة، والسعيد من اعتبر بغيره. ومن هنا نعلن أن السبيل الناجح لمقاومة جماعات العنف الإسلامية ليس هو مجرد العلاج الأمني، لأن هذا العنف قائم على أساس فكرة، والفكرة لا تحارب إلا بالفكرة. ومن هنا ناقشنا هؤلاء في عدد من كتبنا، فيما يستندون إليه من فقه وأدلة، ولاسيما في كتابنا "الصحوة من المراهقة إلى الرشد" ثم فصلنا ذلك في "فقه الجهاد". - كيف تنظرون إلى دور علماء المغرب في تعزيز الاستقرار المذهبي والسياسي في المغرب؟ سبق أن أشرت إلى أن للعلماء دورا مهما في المجتمع الإسلامي، وقد كان لهم دورهم الكبير في تاريخ الأمة وما زالوا، لمكانتهم وقدرتهم على توجيه وترشيد الناس وتبليغ رسالة الأنبياء، وقد جاء في الحديث "العلماء ورثة الأنبياء"، فهم ورثوا رسالتهم وحكمتهم. ودور علماء المغرب معروف قديما وحديثا، ويشهد بذلك أهل المشرق والمغرب، وقد ساهموا بشكل ملحوظ في الاستقرار المذهبي والسياسي للمغرب، على درجات متفاوتة بينهم في ذلك. وأهم ما يقومون به: تنوير العقول بالفهم الصحيح للإسلام، حتى لا تلتبس عليها المفاهيم، وإيقاظ الضمائر بالتوجيه الرشيد، حتى لا يتبع الناس الهوى ويضلوا عن سبيل الله. - ما هو دور وسائل الإعلام في دعم ونشر الفكر الوسطي، الذي يرى الكثير من المراقبين أنه الفكر الذي يستطيع تحصين الفرد والمجتمع من فكر الغلو والتشدد؟ لا شك أن لوسائل الإعلام أهمية قصوى في نشر الفكر الوسطي الذي نتبناه وندعو إليه. فالثورة الإعلامية التي عرفها العالم اليوم قد أثرت تأثيرا بالغا في الناس من خلال نشر الأفكار والقيم، وتوجيه الأفراد والجماعات، ولذلك أرى أن الإعلام سيف ذو حدين، فقد يكون وسيلة للإصلاح وقد يكون عكس ذلك، وإذا تم توجيهه توجيها صحيحا أمكن أن يساهم في نشر الفكر الوسطي التجديدي، ومواجهة فكر الغلو والتشدد، وكذلك الانحلال والتسيب، وبالتالي يهيأ لنا تحصين الفرد والمجتمع بالإسلام وللإسلام، "وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (آل عمران:101).