بقلم: المختار لغزيوي ونواصل بعد أن تكررت الحوادث الإرهابية المرتكبة باسم الدين، والدين منها براء، طرح السؤال: ما العمل الآن؟ الجموع الغاضبة في العالمين العربي والإسلامي تواصل إحراق رايات فرنسا، وتواصل الإصرار على مقاطعة بضائعها التجارية، وتواصل التأكيد على أن ماكرون يمكر - لكن الله خير الماكرين - وتواصل الإلحاح ذاته أن ماوقع من رسوم، ارتكبه ماكرون دون غيره من رسامي الكاريكاتير في الصحيفة إياها، وأن انحيازه لحرية التعبير في بلاده هو جريمة لا تغتفر.. الرجل قدم إلى قناة « الجزيرة » يوم السبت الماضي، وقد اختار القناة القطرية بالتحديد لأسباب لا تخفى على حصيف. إذ لو كان يرغب فقط في الحديث مع الجمهور في العالم العربي لاختار القناة الفرنسية التي تمولها وزارة الخارجية التابعة له أي قناة « فرانس24 » وهي قناة لنا معها في المغرب قصصوحكايات إذ تستضيف كل من يرغب في سببلادنا وشتمها اليوم بطوله. لكن ماكرون لايريد مخاطبة العالم العربي كله، أو الجمهور العادي المكون من الناس العاديين. ماكرون يريد مخاطبة جمهور « الجزيرة »بالتحديد. وجمهور « الجزيرة » معروف الانتماء مكشوف الهوى، قلبه في مصر مع مرسي ويداه لاتشيران إلا ب « الرابعة »الشهيرة، وقلبه في تركيا مع أردوغان يرى فيه الخليفة المنتظر، مثلما قلبه في لبنان مع « حزب الله »، وفي فلسطين مع حماس وفي اليمن مع الحوثيين، وفي تونس مع النهضة، وفي الجزائر مع جبهة الإنقاذ سابقا، ومع اللاشيء حاليا، وفي ليبيا مع كل القبائل المتناحرة باسم الدين، وفي بقية بلدان عالمنا العربي الإسلامي مع الحركات الإسلاموية أو حركات الإسلام السياسي، أو لنقلها بوضوح وننتهي من الموضوع: مع التنظيمات القُطْرِية (نسبة إلى الأقطار وليس إلى قطر) التابعة للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين في كل مكان. ماكرون الذي يتقن الحديث كثيرا، وربما تعاب عليه هاته في فرنسا أكثر من غيرها، إذ يعتقد الفرنسيون أنه يتحدث كثيرا ويعمل قليلا، يعلم أن جمهور « الجزيرة » هو الذي يشعل النار الآن في البنغلادش والباكستان واليمن، وهو الذي يقود الحملة ضد فرنسا، والذي يرى أنه من المقبول جدا أن تقتل أستاذا في المدرسة لأنه أراد أن يقدم لتلامذته درسا حول حرية التعبير دون أن يتورط لا في تبني الرسوم المسيئة ولا في إدانتها... وبمناسبة الرسوم المسيئة قلناها منذ البدء ونعيد التأكيد عليها هنا: الحرية لا تعني الاستهزاء بديانات الآخرين، ولا التعريض بمعتقداتهم، خصوصا وأن الدين هو مسألة عاطفية تلامس في دواخل كل معتنق له المسام الحساسة الأكثر حميمية. ونحن المسلمون بالتحديد لانمزح إطلاقا في حكاية احترام نبينا عليه الصلاة والسلام، ولا نتقبلها ولايمكن أن تدخل إلى أذهان أي واحد منا أنها عادية وكفى، بالمقابل نتفهم أن يصدر الأمر عن أناس بعيدين عن ديننا على أراضيهم ووفق قوانينهم لكن من حقنا أن نطالبهم باحترام معتقداتنا ، مثلما نطالب أهلنا هنا بصعوبة وبمشقة الأنفس أن يحترموا معتقدات الآخرين ودياناتهم. هذا قوس أقفلناه لكي نعود الآن إلى طرح السؤال: ما العمل اليوم؟ منذ أسبوع في نفس المكان، أي ضمن « كلمة الأحداث » دائما قلناها: الحل هو الاعتدال، هو البحث عن الوسط والمنتصف وإلقاء القبض عليهما معا، بين المتطرفين في الحرية الذين يرون أن قمة استمتاعهم بحريتهم هي أن يهينوا ديانات الآخرين، وبين الموغلين في التطرف المغالين فيه الذين يرون أن الرئيس الفرنسي هو الذي أمر بنشر تلك الرسوم الكاريكاتورية، علما أن الأمر غير صحيح. هذا الوسط ضروري اليوم، لأن الانزياح عنه معناه قتل مدنيين أبرياء في كنيسة مثلما وقع في نيس، أو إطلاق النار على قس مثلما وقع في ليون، أو تفجير مكان للموسيقى مثلما وقع في الباتاكلان أو الهجوم على وسائل الإعلام وتفجير مقراتها واغتيال كل طواقمها مثلما وقع أكثر من مرة... العثور على هذا المنتصف ليس ترفا نهديه لأنفسنا، ونقترحه عليها ونفكر إن كنا سنبدأ في البحث أم لا. العثور على هذا المنتصف هو السبيل الوحيد لإنقاذ ديننا من التشويه الذي يتعرض له على يد المتطرفين من الجانبين. هذا الدين أرسل رحمة للعالمين، وهو دين وليس حزبا سياسيا لكي يلعب به اللاعبون والراغبون في العودة إلى الواجهات وبقية الترهات. هذا الدين أعظم منا جميعا، ومن يشوهون صورته اليوم، يضربوننا في مقتل حقيقي، سواء كانوا من جانب المغالين في الحرية أو كانوا محسوبين على المغالين في الانغلاق. هذا الدين ديننا نحن، وحمايته دور على كل مسلم عادي وكل مسلمة عادية، ولا يجب أن نترك هاته المهمة لإسلامويي السياسة، فهم أيضا لا يعني لهم الدين شيئا لا من قريب ولا من بعيد. أعينهم فقط على المكاسب التي يجنونها منه، أما البقية التي تهمنا نحن فعلا فلاتعني لهم الشيء الكثير...