السؤال واضح وبسيط: هل تتوفر منظمة العفو الدولية على دلائل تثبت اتهاماتها للمغرب بالتجسس على أحد مواطنيه بالاعتماد على شركة إسرائيلية متخصصة في المجال أم لا؟. ويتفرع عن هذا السؤال الجوهري سؤال آخر: لماذا لم تقبل «أمنستي» تحدي السلطات المغربية وتنشر أدلتها، وكما نعرف فإن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر؟ لم تكتف السلطات المغربية بالإنكار فقط، بل إنها قالت أيضا إن المغرب يتوفر على مؤسسات وطنية تشتغل على هذا المجال، ولاسيما مركز اليقظة والرصد والتصدي للهجمات المعلوماتية التابع للمديرية العامة لأمن نظم المعلومات، هذا المركز سبق وأصدر خمسة إشعارات موجهة لجميع المواطنين المغاربة تنبههم لإمكانية استغلال هواتفهم الذكية، ولاسيما من خلال الأنظمة التي تشير إليها المنظمة. أمنستي ادعت والمغرب أنكر، بل إنه يقدم قرينة براءته، بقي إذن على أمنستي أن تأتي بالدليل. هل هذا مطلب مستحيل؟ غير واقعي؟ أبدا، ما قالته أمنستي في تقريرها ينبغي أن يكون مسنودا بأدلة، هكذا هو الأمر في كل اتهام، سواء كان أمنيا أو قضائيا أو حقوقيا. وفي حالة منظمة حقوقية دولية لا يمكنها أن تصدر اتهاما يمس سمعة دولة بشكل عشوائي، فقط لأن اسمها أمنستي. وإلا فإن أمنستي كائن مقدس يأتيه وحي يعفيه من الأدلة، وحتى الأنبياء طالبهم الناس بالدليل ولو كانوا أصحاب وحي. ولذلك طالب المغرب، ويطالبها، وسيستمر في مطالبتها بأن تقدم الدليل. ولهذا الدليل وظيفتان جليلتان: من جهة يساعد المغرب على معاقبة أجهزته التي طالبت التجسس على مواطنيه، وسيساعد أمنستي على إنقاذ ماء وجهها أمام العالم، حتى لا تكون أضحوكة أكثر مما هي عليه الآن. ونحن في المغرب ليس اليوم فقط سنكتشف انحرافات أمنستي، بدأنا ذلك على الأقل منذ 2014، وبقينا معها في نقاش حول المنهجية وتوازن وجهات النظر في إعداد تقاريرها، لكننا لم نضع في حسابنا يوما أنها ستصبح «وكالة استخبارات» أو أداة حرب قذرة بالوكالة في حروب بين شركات التجسس، وباستغلال مواطن مغربي وعلى حسابه. ثم هناك السؤال الكارثة: إذا لم يكن لدى أمنستي أي دليل على مزاعمها، فمن أين تأتي بتلك القدرة غير المهنية على قذف الناس بالباطل؟ هل هو نقص في الحرفية كما أشار إلى ذلك المغرب باستمرار، أم أنه سوء نية مسبق ومقصود كما ظل يردد؟ الأمر لا يتعلق بمواقف فيها اختلافات في التقدير أو في زواية النظر، أو بمجال خاص بحرية التعبير والحق فيها، نحن بعيدون عن ذلك تماما، نحن إزاء اتهامات بوقائع مادية ملموسة تستدعي جوابا ماديا ملموسا. وإن لم يكن هناك جواب بدليل فسيكون واضحا أن أمنستي تمارس التشهير لأسباب وخليفات بعيدة تماما عن كل ما هو حقوقي. ونحن نعرف أن في الحكاية تشهيرا بالبلد، وليس غيرة على حقوق الإنسان. المغرب قال باستمرار إنه ليس جنة لحقوق الإنسان لكنه ليس جحيمها أيضا، غير أن إصدار تسعة بيانات وتقارير تهم المغرب خلال الأشهر الستة الأولى من السنة الجارية، وإصدار ما مجموعه 72 وثيقة تهم البلد منذ سنة 2016 وما يرافق ذلك من حملات دولية وإعلامية، يجعلنا نتساءل عما إن كانت أمنستي قد جعلت من المغرب مجال اختصاصها الحصري؟ ونحن نعلم أن تركيز النقد على جهة وتضخيمه هو أمر ينطوي على سوء نية، وإلا فما معنى أن تعمم أمنستي تقريرها المليء بالمزاعم ودون أدلة على 17 صحيفة وجريدة وموقعا للتشهير بالمغرب في العالم بأسره؟ في الحكاية كثير من شكوكنا الوطنية المشروعة، وكثير من قلقنا الضروري. نحن الآن لم نعد في مرحلة النقاش حول هل تقارير أمنستي مهنية أم لا. هذا النقاش سبق وانتهينا منه وربحنا كل جولاته بشرف وصدق النية، النقاش الآن أخطر: إما أن تؤكد أمنستي بالدليل أن المغرب يتجسس على مواطنيه، أو أن تقدم اعتذارها العلني والصريح أمام الرأي العام في المغرب وفي باقي العالم.