في الوقت الذي يزعم فيه رئيس الجزائر تبون، مد يده للحراك الشعبي، يواصل قضاؤه الإجهاز على رموز هذا الحراك، باعتماد مقصلة الاتهامات المجانية لتغييب صوت المتضامنين مع مطالب الشعب الجزائري. العشرات من زعماء الحراك في الجزائر، تم اعتقالهم في فترات متباعدة، وتجري محاكتهم باتهامات مصطنعة، من قبيل إهانة الجيش، كان آخرهم زعيم الحراك والناشط البارز كريم تابو، الذي تمت إدانته بالحبس سنة، بتهمة "المساس بسلامة وحدة الوطن"! وخلال المحاكمة التي جرت الأسبوع الماضي، طالب الإدعاء بعقوبة السجن أربع سنوات، بينما رفض طابو كل التهم الموجهة اليه. وطابو (46 عاما ) هو منس ق حزب الاتحاد الديموقراطي الاجتماعي قيد التأسيس وقد أخلي سبيله في 25 شتنبر الماضي، ثم أعيد اعتقاله في اليوم التالي، وأحيل للمحاكمة بتهمتي "التحريض على أعمال العنف" و"المساس بسلامة وحدة الوطن". الاعتقالات في الجزائر، لم تقف عند حدود الشباب الذين يقودون الحراك الشعبي، بل مست حتى شخصية تعد من رموز الجهاد ضد الاستعمار، ممثلا في المناضل لخضر بورقعة. فخلال جلسة محاكمة لخضر بورقعة، أحد رموز حرب الاستقلال والحراك، بتهمة "إهانة هيئة نظامية"، طالب ممثل النيابة بالسجن سنة في حق بورقعة البالغ من العمر 86 سنة. وكان توقيف بورقعة الذي كان أحد القادة العسكريين لثورة التحرير الجزائرية (1954-1962)، في منزله ثم وضعه رهن الحبس المؤقت في 30 يونيو الماضي، قد أثار موجة غضب في الجزائر، خاصة وأنه كان يشارك في تظاهرات الحراك الأسبوعية ثم أصبحت صوره ترفع خلال التظاهرات اللاحقة وتحو ل إلى رمز عن "معتقلي" الاحتجاج. وتشير جمعيات حقوقية إلى أنه لا يزال عشرات الأشخاص ملاحقين وموقوفين في سياق الحراك، ويصعب تحديد العدد بدقة بسبب تواصل التوقيفات وعمليات الإفراج بشكل متزامن. وتأتي هذه المحاكمات لرموز الحراك من قبل النظام الجزائري، بالتزامن مع عمليات شيطنة تمارس ضد بعض المعارضين بالخارج. الإعلام الموالي للنظام، أصبح مسخرا للضرب تحت الحزام، من خلال توجيه اتهامات بالعمالة والارتزاق، لكل المعارضين، واتهامهم بمحاولة استغلال الحراك، من أجل أجندات خارجية! آخر هذه العمليات هو ما جاء في مقال نشر أمس، الخميس في يومية "لو جون انديبوندون"، والتي ادعت أن الحراك الشعبي المتميز بالسلمية المثالية الى غاية الأن يعتبر "السلاح الأمثل"، يحاول "مرتزقة" استعماله على غرار محمد- العربي زيطوط من أجل "زعزعة مؤسسات الدولة الجزائرية". المقال وصف المعارض الجزائري بأنه "عدو الوطن الذي يدعو الى العصيان المدني"، حيث تساءل " كيف لهذا الشخص الذي لا تعادل شهرته المزعومة سوى التضليل, أن يحاول تحريك جزء من المجتمع ليحقق الانتقام" و " كيف لأحد بقايا عشرية رفضها الجزائريون كونها دامية و سوداء أن يحاول اللعب على براثن الشك في صفوف شعب من أجل تحقيق رغبته في تدمير حماس شعبي و تحويله الى عنف غير مبرر و أعمى"! وبعد أن كال المقال كل التهم بالمعارض الجزائري، وألصق به كل نقيصة، عاد في النهاية للتذكير بأن "رئيس الجمهورية الذي انتخب بشكل ديموقراطي هو بصدد وضع الإطار التنظيمي لإعادة بناء الجمهورية بعد مضي 20 سنة من الانحطاط"، متناسيا أن نفس النظام الذي أنتج هذا الانحطاط، هو نفسه الذي لايزال يحكم، لكن بوجه جديد.