مسلحا بخبرته كوزير سابق للاتصال، وبتجربته كدبلوماسي في سفارة المغرب بإيطاليا، ينتقد محمد نبيل بنعبد الله وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية بعض سياسات زملائه في الحكومة، لا يسمي أحدا، ولا يتشنج أو يتوتر، بلغة هادئة، لكنها نافذة ودقيقة، يبرز عدم رضاه على أسلوب وزراء العدالة والتنمية في نشر لوائح المأذونيات والتمويل العمومي والأجنبي للجمعيات، ولايخفي اعتراضه على طريقة وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، في وضع دفاتر التحملات وما تحمله من مضامين، لكن وقبل ذلك، يعرض أمامنا الرجل تصوره لما يمكن إنجازه في تصحيح اختلالات السكنى والتعمير وسياسة المدينة. في البداية، ماهو برنامج عملكم داخل قطاع السكنى والتعمير وسياسة المدينة؟ خطة العمل التي وضعناها داخل وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة تروم أساسا تحصين العديد من المكتسبات التي تحققت في هذا القطاع خلال السنوات الماضية، وأيضا تصحيح الكثير من الاختلالات والسلبيات التي كانت موجودة في هذا القطاع والتي يعرفها الكل. القطاع عموما عرف دينامية هائلة في العشر سنوات الماضية وهذا أمر لا يمكن لأحد أن ينكره، وداخل هذه الدينامية هناك إيجابيات وسلبيات انطلاقا مما يحدده لنا الدستور اليوم من الحق في السكن والعيش الكريم في بيئة سليمة، وضمان بناء مجتمع تضامني تسوده العدالة الاجتماعية. وانطلاقا من هذا الدستور وانطلاقا كذلك من التصريح الحكومي وما يتضمنه في هذا المجال وضعنا هذه الخطة التي تحدد خمسة أهداف في هذا القطاع. الهدف الأول يقوم أساسا على الرجوع إلى الأصل، والذي يرتبط أيضا بالتخطيط المجالي، بمعنى أن هناك تعاقدا في سياسة إعداد التراب الوطني، من خلال نتائج الحوار الوطني الذي تم إنجازه في بداية الألفية والذي أفضى إلى تصميم وطني للتراب الوطني، وتأسس على إثره المجلس الأعلى لإعداد التراب. للأسف كلها أمور وكأنها وضعت جانبا ولم يتم استغلالها كما يجب. فلذلك اليوم ومنذ سنوات الكل يتكلم على انتقالية السياسيات العمومية. وخير طريقة للوصول إلى هذه الالتقائية أن تتم هذه الأخيرة على المستوى المجالي، بمعنى أنه عندما نفكر في التدخلات العمومية المختلفة يتعين أن تجمع في مجال ترابي معين، عوضا أن يكون لكل قطاع أولية في مجال ما والآخر في منطقة أخرى، وتتبعثر الجهود على هذا المستوى. ومن ضمن انعكاسات هذا التوجه، التحكم في العقار، فالحكومة عندما تضع في قطاع ما سياسة معينة أو برنامجا حكوميا، فإن هذا البرنامج له كلفة مالية، لكنه يتطلب كذلك كلفة عقارية، وإذا جمعنا بين مختلف البرامج القطاعية سنجد بأن الحكومة في التزام حكومي معين تحتاج إلى عدد معين من الوعاء العقاري، هكذا يمكن أن نتحكم في هذا العقار وأن تكون لدينا سياسة عقارية. وهكذا يمكننا أن نحارب المضاربة العقارية وأن نتحكم في التنمية الحضارية للمدن وأن نربط بين مختلف الحاجيات، بمعنى عندما نضع تصورا لإعداد قطب تنموي يتعين أن نفكر في هذا القطب التنموي من خلال مضامنيه ولكن من المطلوب أن نفكر أيضا في ربطه بشبكة الطرق والمواصلات والبنيات التحتية والسكن الذي سيحيط به لاحتضان العاملين فيه، ويتطلب منا أيضا أن نفكر في التعليم والصحة للقاطنين بهذا المجال وبالمرتبطين بهذا القطب التنموي... وأين هي سياسة المدينة وسط كل هذه الطموحات التي تودون تحقيقها؟ كل هذا فالذي يجعلنا ندخل إلى سياسة المدينة هو الجزء الثاني من مشروعنا، لأنه اليوم بالنظر إلى التحولات الهائلة التي يعرفها المغرب، وبالنظر إلى عنصر التمدن السريع الذي نعرفه، فالمدن تعرف تنمية حضرية غير منظمة. هناك مدن مختلة من حيث توازنها، مدن غير مرتبطة فيما بينها ومركزة أساسا في الساحل الأطلسي، مع شبكة من المدن الكبيرة وشبكة لا بأس بها من المدن المتوسطة وشبكة من المدن الصغيرة التي يتساءل المرء هل هي مدن أم لا؟. هل فيها مقومات المدن أم لا؟ كل ذلك يجعلنا نقول إن هذه المدن تعيش مشاكل كبيرة في توازنها، أحياء فقيرة، تصدر الفقر إلى الهوامش وفي بعض الأحيان يكون الفقر في قلب هذه المدن، مثلا في الأنسجة العتيقة بحيث إذا أخدنا الدارالبيضاء كنموذج نجد أن تكدس الفقر يوجد بضواحيها ويوجد قي قلب المدينة. ونفس الشيء بالنسبة لفاس وسلا ومكناس.. وبالتالي هذه الأمور تدفعنا إلى التفكير في مدينة تبنى في إطار قابلية للإدماجية، قابلية لخلق ثروات في إطار التوزيع العادل لهذه الثروات وفي إطار توازن جديد بين مختلف الأحياء وفي إطار الاختلاط الاجتماعي، وهذا أمر أساسي، يتيح لنا إعطاء غاية لهذه المدن.. وهذا الأمر يتطلب التفاف مختلف المتدخلين في هذه المدن من منتخبين وسلطات محلية وقطاعات حكومية في إطار خدمة هذه الأهداف. كيف يمكن أن يتم إشراك كل المتدخلين الذين تحدثت عنهم، علما أن من تحملوا مسؤولية القطاع سابقا و كانوا يرددون باستمرار أن أكبر عائق في تدبير مشاكل القطاع خاصة السكن العشوائي والصفيحي هم المنتخبون والسلطة المحلية..؟ هذه عوائق وسلبيات موجودة، عانى منها توفيق احجيرة وكل الوزراء الذين سبقوه، اليوم ما نريده هو أن نؤسس لحوار وطني حول سياسة المدينة. هذا الحوار بدأناه على مستوى الوزارة ثم وسعناه على قطاعات وزارية أخرى، والآن نحن بصدد التفكير في البعد الجهوي لهذا الحوار والذي يتداخل فيه البعد المحلي والإقليمي وعلى هذا الأساس، سنلتقي في لقاء وطني مخصص لهذا النقاش، في بداية يونيو القادم، للخروج بمرجعية موحدة في هذا المجال. عندها علينا أن نجد صيغا وآليات التدخل وتجميع مختلف القطاعات لتشتغل في توجه واضح على أساسا مشروع المدينة الذي نلتف حوله. ومن خلال هذا المشروع نؤسس لعقد مدينة، هذه الأمور تبدو سهلة عندما تطرح بهذه الطريقة. نحن نعلم أننا سنلاقي صعوبات لكن في البداية دائما هناك حلم، وبالتالي هناك وعي أن هناك اختلالات وعلينا أن نصححها، وإلا سنجد أنفسنا أمام تجمعات حضرية غير متحكم فيها وهذا الأمر قد يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي لبلادنا. ماهي أهم معالم هذه الصيغ والآليات؟ هي صيغ مرتبطة أساسا بالنقطة الثالثة من استراتيجية عمل الوزارة، وهي تتمثل في العرض السكني. فعلى هذا المستوى هناك تراكمات كبيرة. فما تم إنجازه والحيوية التي يعرفها القطاع لا يمكن لأحد أن ينكرها. قطاع البناء يشكل اليوم 6٫7 في المائة في الناتج الوطني الخام، وهذا القطاع يشغل أزيد من مليون مواطن، ويساهم في حيوية اقتصادية واجتماعية كبيرة. ولذلك يتعين اليوم أن نواصل المجهود المبذول من أجل التقليص من العجز السكني، على أساس ألا يتم ذلك هكذا، كما يتم القيام به الآن، إذ أننا نعيش بزوغ أحياء جديدة قد تتحول إلى مدن، دون أن نفكر في مصيرها بشكل شامل. في العشر سنوات الأخيرة تمكنا من تخفيض العجز السكني، مما يقارب مليون و200 ألف وحدة سكنية إلى 800 ألف وحدة، مانريده اليوم هو أن نخفض هذا العجز بنسبة 50 في المائة وأن نقوم بمجهود في ظل الخمس السنوات القادمة يساوي المجهود الذي تم القيام به في ظل العشرية الأخيرة. ومن أجل ذلك يتعين أن نصل إلى مستوى إنتاج، يصل إلى 170 ألف وحدة سكنية من جميع الأنواع السكنية في السنة، ونحدد لأنفسنا هذا الهدف في أفق سنة 2016، بمعنى أننا سنرفع تدريجيا من وتيرة إنتاج هذا السكن. وما نشاهده في بداية هذه السنة يدل على أننا نسير في هذا الاتجاه. ونحن اليوم، في حاجة أيضا إلى تنويع العرض أي ما تنتجه الدولة أساسا بكلفة 140 ألف درهم، وما نساهم في إنتاجه في إطار الشراكة مع القطاع الخاص وقيمته 250 ألف درهم بعدد من التحفيزات الجبائية. هذه السياسة نجحت في شموليتها، لكنها تطرح بعض الإشكاليات ومنها أساسا الجودة، أنها تضرب سياسة المدينة، التوزان الاجتماعي، والاختلاط الاجتماعي داخل المدن، وأساسا إشكالية الطابع المستدام داخل هذه الأحياء، إشكالية التجهيزات العمومية ومصدر العيش وأساسا مدى قدرة هذه الأحياء الجديدة على الاندماج في محيط المدن التي تنشأ فيها. تنويع العرض له فائدة كذلك لأنه لا يمكن أن نركز الفقر، وأن نحوله من مدن الصفيح والسكن غير اللائق إلى هذه الأحياء، فمطلوب منا أن نستحضر في إنشائها مفهوم الاختلاط الاجتماعي. وبالتالي لا يمكن أن نخصص أحياء بكاملها للسكن الاجتماعي، وبالتالي نفكر في تنويع العرض إلى ما يسمى بالفئات الوسطى. وهنا من دون شك سنعمل على تضمين القانون المالي إمكانية تقديم منتوج جديد للفئات الوسطى، بأثمنة مناسبة. لأن هذه الفئات أصبحت اليوم تسير في اتجاه التفقير وأيضا تلجأ إلى السكن الاجتماعي، لأن لا منتوج يلبي وضعها، وهي أيضا تتسابق على منتوج 250 ألف درهم. بالإضافة إلى ذلك نريد أن نوسع هذا العرض إلى الأسر الحديثة التكوين وإلى الشبان الذين يلجون الحياة المهنية كل ذلك سيساهم في إعطاء دينامية جديدة وإحداث توازنات جديدة خاصة على المستوى الاجتماعي. كما ننوي أن نخصص في القانون المالي الحالي منتوجا جديدا وهو سكن اجتماعي مخصص للكراء على أساس أن مجموعات خصوصية بإمكانها أن تقتني هذا السكن في إطار برامج السكن الاجتماعي في ظروف معينة، شريطة أن تخصص هذه الوحدات السكنية للكراء في إطار ضوابط قانونية وسومة كرائية لا تتجاوز 1200 درهم. وهذا الأمر يتطلب مراجعة قانون الكراء ومعالجة العلاقة بين المالك والمكتري بتبعاتها القانونية والنظامية. في النهاية هل هذا المكتري سيصل إلى تملك هذا الشقة؟ الشركات عليها أن تحتفظ بهذه الوحدات لمدة ثمان سنوات على الأقل، حتى لا نسقط في ظاهرة المضاربة وبإمكان من يكتري هذه الوحدات أن تكون له الأسبقية في اقتنائها إذا بقي فيها لمدة ثمان سنوات. بإمكاننا التفكير في صيغة أخرى وهي صيغة الإيجار. وهو أمر نفكر فيه وبإمكانه، أن يحل عددا من المشاكل الخاصة عند الأسر التي لا تتوفر على الدفعة الأولية لاقتناء السكن. هل تمكنتم خلال الأشهر الأولى من توليكم مسؤولية هذا القطاع الاجتماعي الضخم أن ترتبوا أولويات عملكم داخله؟ طبعا. فمن أولوياتنا تأطير القطاع وتأهيله وذلك من خلال التحكم في السياسة التعميرية. اليوم راكمنا تجربة قوية على مستوى السياسة التعميرية وفي نفس الوقت هناك عناصر سلبية كثيرة مرتبطة بشكل هذه السياسة وتعثر وضع وثائق التعمير وعلينا أن نفكر في سياسة تعميرية مختلفة تكون عملياتية أكثر وتخطيطية في بعدها ومواكبة للواقع من خلال ممارسة سياسة القرب. فاليوم نلاحظ أن عددا من المدن تنتهي تصاميم التهيئة الموضوعة لها وتنتظر سنوات، وندخل في نظام الاستثناء وكل ذلك يؤدي إلى عدد من الممارسات التي لا نتحكم فيها. الجانب الآخر والأخير، تحسين حكامة هذا القطاع، والسير في اتجاه شفافية أقوى والسير في اتجاه تخليق تدخلات مختلف الفاعلين، من فاعلين عموميين إلى المواطنين إلى المنتخبين وإلى السلطات المحلية، وهنا فقط سنتمكن من أن نمارس هذه السياسة في إطار من الصفاء والتقيد بالقوانين والأخلاق. بالحديث عن تخليق مجال السكنى وسياسة المدينة، اليوم نعرف أن برنامج مدن بدون صفيح وصل إلى الباب المسدود، مدن كبيرة استعصت على هذا البرنامج، ولم يحقق إلا نصف أهدافه منذ انطلاقته، كيف تنظرون إلى الأمر؟ هذه إشكالية كبيرة. برنامج مدن بدون صفيح برنامج طموح. سياسة مدن بدون صفيح مكنت من معالجة 178 ألف حالة، علما أننا كنا نتكلم في البداية عما يناهز 350 ألف حالة. بمعنى أننا عالجنا النصف فقط من أهدافنا. لكن الإشكالية الكبيرة الآن، هي أنه ما كان مطروحا في البداية، لم يعد هو نفس العدد الذي نعالجه اليوم، وهناك تزايد مستمر ناتج عن ظاهرة التمدن بسبب الهجرة القروية. وفي نفس الوقت هناك بعض المشاكل عشناها خاصة في بعض المدن الكبرى أولها المشكل المرتبط بتوفير الوعاء العقاري، ثانيا المشاكل المرتبطة بالمعايير المعمول بها. كيف يمكن أن نعالج هذه الظاهرة والجميع يطمح إلى الحصول على بقع وهناك في كثير من الأحيان من يرفض الذهاب إلى السكن الاجتماعي كما أن الأسر التي كانت تتكون من أربعة أفراد، تزوج أبناؤها مع مرور الزمن وشكلوا أسرا وبذلك تزايد العدد. وفي بعض الأحيان هناك تلاعبات كبيرة تعرفها هذه التجمعات فهناك من يقتحم «براكة» معينة ويسعى إلى إضافة نفسه إلى المحصيين للاستفادة من السكن الاجتماعي. وبالتالي كل هذه المشاكل تجعلنا اليوم نقوم بإحصاء واضح شفاف للساكنة المعنية والأحياء الصفيحية المعنية اليوم. كما يجب أن نكون صرحاء مع المواطنين والمواطنات ومع أنفسنا وأن نقول بالنسبة لهذا الإحصاء سنسعى إلى التغلب على المشاكل المطروحة في أفق معين على أساس أنه لا يمكن أن نستمر في هذه الدوامة. هذا مع العلم أنه يطرح علينا مشكل أساسي، يرتبط بالسؤال التالي: لماذا الدولة ستعالج فقط أوضاع من يوجد في البيوت الصفيحية أو في السكن العشوائي. ولماذا لا نهتم بمن يسكن في وضعية الكراء في الأحياء الفقيرة. وهو الذي قد يقول عمليا بما أنه لا يوجد في مدينة صفيحية فلن يستفيد في يوم ما من الولوج إلى الملكية. والحال أن من هو في المدن الصفيحية يصل إلى هذه النتيجة. بهذه الطريقة يبدو وكأننا نشجع الناس ليسكنوا في مدن الصفيح، ليستفيدوا من هذه البرامج لذلك أعتقد أنه مع استمرار هذه السياسة للقضاء على الموجود، يجب أن نوجه السياسة السكنية في اتجاه تكثيف العرض والتحكم فيه في إطار سياسة المدينة والتنمية الحضرية وتنويع العرض وتبسيط ولوج الفئات المستضعفة إلى الملكية على أساس أن يكون ذلك مفتوحا للجميع ليس فقط لمن يوجد في السكن العشوائي أو مدن الصفيح. إذا سيستمر العمل ببرنامج مدن بدون صفيح إلى نهايته أم ستغيرون مشاريع التدخل في مجال القضاء على دور الصفيح؟ نحن بصدد إعطاء دفعة لبرنامج مدن بدون صفيح لكن على أساس ألا نظل في سباق مع الزمن، لأنه قد لا ينتهي. لذلك علينا أن نفكر في توجيه جديد يجعل المجهود السكني المبذول يكون أقوى في فترة ما، فالضعط الذي يمارس الآن علينا بهذه الطريقة اليوم يمكننا التحكم فيه، في حال التركيز على عنصر الجودة في الحلول وليس السرعة في تنفيذها. الآن في نفس الوقت علينا أن نعي أنه في لحظة ما ستخف وتيرة الضغط، لأن الضعط على المدن سيقل ومسألة التمدن بعد مرور خمس أو عشر سنوات ستعرف تراجعا أو استقرارا. وآنذاك سنتمكن من ضبط أمورنا. اليوم، نحن نوجد في فترة انتقالية تجعلنا نعاني من ضغط قوي، ونحن في سباق مع الزمن علينا إذن أن نغير من نظرتنا وفي إطار سياسة المدينة أن نتوفر على عرض سكني، مكتمل، مندمج ومتنوع الأطراف، وبذلك نستطيع أن نتحكم في يوم ما في هذه البرامج. وهناك اختلالات مرتبطة ببرنامج مدن بدون صفيح على مستوى التدبير وعلى مستوى الحكامة وعلى مستوى العدالة الاجتماعية، كل ذلك نحن بصدد التنسيق فيه مع كل السلطات المعنية من أجل التحكم فيه. ماهي المقاربات التي اعتمدتم عليها لتأكيد هذه الاختلالات؟ هناك مقاربات كثيرة تؤكد على هذه الاختلالات والمشاكل وهذا أمر موجود. هناك اختلالات وممارسات غير أخلاقية وفاسدة من أطراف متعددة ليس من السلطات أو المنتخبين بل حتى من السماسرة وبعض المواطنين الذي يترامون على مدن الصفيح للاستفادة من الامتيازات المخصصة في إطار هذه البرامج. ومعالجة هذا الأمر لا يتم فقط بالإكراه والقوانين بل في إطار سياسة شمولية قادرة فعلا أن تحول هذا الواقع إلى واقع جديد، لا يقبل إلا بتطبيق القانون وبمحاربة كل الاستغلالات الفاسدة وغير القانونية لهذه الملفات. ماهي المقاربة التي ستعتمدونها من أجل محاربة مظاهر الاختلالات التي تحدثتم عنها، ثم مشاكل الاجراءات التي يمكن من داخلها محاربة مظاهر الفساد بشكل عام؟ هذا هو المحور الخامس من برنامج العمل. قلت لكم بشكل واضح إنه علينا أن نطور هذه السياسة بمعالجة أوضاع التعمير وفي ضمن ذلك عندما نلاقي وسنلاقي مشاكل مرتبطة بالفساد والرشوة علينا أن نحاربها بشدة، مع وضع المساطر ونبسطها ونسير في اتجاه نظام شفاف وبالتدريج يمكننا من أن نتغلب على القضايا المرتبطة بالممارسات المخلة بالأخلاق والقوانين على هذا المستوى كما هو الحال في قطاعات أخرى. علينا أن نقول إن هذا الأمر يهم جميع الممارسات الفاسدة الموجودة على مستوى بعض التدخلات العمومية، كما عند بعض المنتخبين وعند بعض المواطنين فالممارسات الفاسدة ليست أحادية التوجه. قضية محاربة لفساد أساسية تشغل بال المواطنين والحكومة ونحن في الحزب خصصنا دائما لهذا الموضوع اهتماما بالغا وكنا دائما نطالب بالتخليق والترشيد ومحاربة الرشوة. لكن محاربة الفساد لا تتم بالإعلانات أو فقط بإخراج لوائح أو غيرها سواء تعلق الأمر بالكريمات أو الجمعيات التي تستفيد من الدعم أو المستفدين من مقالع الرمال أو من استفاد من برامج سكنية في الماضي.. محاربة الفساد تقتضي إجراءات قوية، واتخاذ تدابير واضحة. فعندما ننشر لائحة معينية، يقتضي ذلك بالضرورة اتخاذ إجراءات مصاحبة لها، فإما أننا نقول إنه من كان يستفيد ستتوقف هذه الاستفادة أو إننا سنفرض رسوما أو ضرائب على استفادة معينة. فمثلا في قطاع السكن، هناك بعض الأوساط الاجتماعية قد استفادت من البرامج السكنية دون أن يكون لها الحق القانوني في ذلك، علما أن هناك ثمانين في المائة من المواطنين العاديين والموجهة إليهم هذه المشاريع في الأصل هم من استفادوا من هذه البرامج، كما أن هناك الذين مارسوا المضاربة العقارية واستفادوا من علاقاتهم وحصلوا على بقع متعددة في هذا البرنامج ومساكن في برنامج آخر لكنهم اليوم يتوفرون على رسوم عقارية وشهادات ملكية. فإذا أردنا أن نراجع كل ذلك علينا أن ندخل عشرات الآلاف من القضايا إلى المحاكم وأن نظل في هذا المسار عشرات السنوات. ما يهمنا الآن، هو ألا تستمر هذه الممارسات في المستقبل وأن نعمل على تصفية الأجواء ووضع إطار قانوني نظامي مسطري يجعلنا نحقق محاربة الفساد بالموازاة مع تحقيق الأهداف الموكولة إلى الوزارة التي أسهر على تسييرها اليوم. هدفنا الأول هو حل المشاكل بإعداد التراب، العرض السكني، ولوج المغاربة إلى السكن تحسين طريقة تدبير القطاع، وفي ظل ذلك علينا أن نواجه كل ماهو مرتبط بالفساد في هذا القطاع. ولذلك أعتقد أن الحكومة مطالبة بأن تكون لها سياسية واضحة، وهذا ما طالبنا به أيضا من خلال برنامجنا الانتخابي أن تكون هناك إجراءات واضحة في محاربة الفساد واقتصاد الريع ومحاربة الرشوة، وهذا الأمر يتطلب سياسة جريئة ولها نفس طويل من أجل تحقيقها. من خلال برنامجكم كحزب أو من خلال تواجدكم داخل الحكومة، هل لديكم تصور للقضاء على اقتصاد الريع، هل ناقشتم هذا الأمر داخل الحكومة، عندما تم الإعلان عن لائحة المؤذونيات، أو لائحة الجمعيات التي استفادت من الدعم، هل هو مؤشر من مؤشرات الفساد أو الريع، وما الجدوى من هذه الإعلانات؟ أريد أن أؤكد لكم في هذا الشأن، أنه عندما نقوم بالمبادرة خاصة في موقع المسؤولية، يتعين أن نتحكم في كل تبعات هذه المبادرات وفي كل التأويلات الممكنة التي يمكن أن تصاغ حولها. عندما تنشر لائحة مثل اللوائح التي نشرت والتي لا أشك أن الإعلان عنها كان بحسن نية. فعندما تنشر لائحة مثلا تهم الجمعيات وتستغل فيما بعد إعلاميا من قبل بعض المنابر الإعلامية بطريقة توحي أن الدعم الذي كان يخصص للجمعيات كان يوجه إلى جمعيات بعينها دون تنظيمات جمعوية أخرى، إلى درجة تصل إلى الإيحاء بأنه كانت ممارسات مخلة بالقانون أو قد تسقط في اتجاه الاستفادة الشخصية من قبل مسؤولين أو مسؤولات حكوميين في السابق. أظن أن المسؤول الحكومي اليوم لا يمكن ألا يضرب حسابا لمثل هذه التأويلات. وعلى أي حال التقدم والاشتراكية في غنى على أن يثبت لأي كان بأن ممارسته الحكومية لم تشبها في أي لحظة أي ممارسة مخلة بالقانون أو بالأخلاق. وما يهمنا هو أن نعي بأن التوجه إلى المستقبل في معالجة القضايا التي ينتظرها الشعب المغربي هو الأهم. الحكومة مقيدة اليوم بميثاق شرف الأغلبية والتصريح الحكومي وعلينا أن نعي اليوم بأن الشعب ينتظر منها ليس فقط الإعلان الصارم على أننا سنكون مناهضين للفساد والرشوة بل ينتظر منا في نهاية المطاف والنتائج الملموسة والتغيير على أرض الواقع لهذه المظاهر، وليس فقط أن نسير في اتجاه الاعلانات التي قد تحمل الكثير من التأويلات البعيدة عن سياقاتها. وهنا أريد أن أؤكد أساسا على أن الممارسة الحكومية -اكتسبنا فيها تجربة لابأس بها- شبيهة بسباق الماراطون. الممارسة الحكومية ليس ممارسة المائة متر الأولى، فعندما تقارب الأشياء وكأنك في 100 متر تنسى أنه مازال أمامك أكثر من 41 كلم عليك أن تقطعها. وعليك خلال قطع هذه المسافة تقديم النتائج والأجوبة الشفافة والواضحة على كل الإشكالات التي أمامك. نحن نعتبر أن على الحكومة الحالية، أن تشتغل إلى جانب القانون المالي الذي هو في طور المصادقة، وإلى جانب القانون المالي للسنة القادمة الذي نتمناه أكثر قوة، على اعتبار أننا ورثنا عمليا القانون المالي الحالي، وإلى جانب ذلك علينا أن نصادق على مجموعة من الإجراءات المصاحبة التي تلعب بعدا سياسيا ورمزيا وأخلاقيا تهدف إلى تبسيط المساطر إلى خدمة كرامة المواطن وإلى محاربة ملموسة لمظاهر الفساد وإلى معالجة بقايا اقتصاد الريع، وهذا ما ينتظرنا اليوم. وعندما سنقدم للمواطن المغربي هذه الإرادة على شكل إجراءات ملموسة تغير واقعه المعاش، آنذاك سنكون أجبنا عن التحديات المطروحة التي جعلتنا اليوم نوجد جميعا في الحكومة الحالية. قلتم في السابق إنكم ستكونون ضمير اليسار في حكومة الإسلاميين، فكيف تنظرون إلى بعض الخرجات الإعلامية والتصريحات لعدد من وزراء العدلة والتنمية والتي تمس بشكل أو بآخر الحريات الفردية أو تلك التي فيها تراجع عن المواثيق الدولية وحقوق الإنسان بشكل عام؟ في الاجتماعات الرسمية للحكومة وأخرى للأغلبية، لا نلاقي أي مشاكل بمعنى أن ما نطالب به في حزب التقدم والاشتراكية من الرأي العام، ليس على أساس تصريحات معبر عنها هنا وهناك دون مفعول غير إثارة نقاشات داخل المجمتع. ما نريد أن نحاسب عليه ومانحن حريصون عليه هو ألا يصدر عن هذه الحكومة أي قرار أو إجراء يسير في اتجاه معاكس للمشروع المجتمعي الذي ندافع عنه. أو يسير في اتجاه بعيد عن ميثاق الشرف الذي وقعناه في إطار الأغلبية الحكومية أو في اتجاه معاكس للتصريح الحكومي أو بالأحرى أن يمضي في طريق مخالفة لما ينص عليه الدستور المغربي أو في القوانين المعمول بها إلى يومنا هذا. ورجاؤنا للجميع أن هذه الحكومة توجد في بدايتها، وأنها تبحث عن التناغم وأنها تسير أكثر فأكثر في اتجاه خدمة قضايا الشعب المغربي. وللشهادة فرئيس الحكومة يعي جيدا هذه المستلزمات ويقوم بدوره دائما من أجل تصحيح بعض الاعوجاجات ومراقبة بعض التصريحات ويسهر على أن تظل هذه الحكومة متماسكة ومتضامنة أو تظل متجهة نحو المستقبل على أساس البرنامج الذي وضعته والميثاق الذي وقعته. واليوم، نتوجه إلى الرأي العام وإلى بعض المنابر الإعلامية وإلى بعض زعماء الرأي في المجتمع المغربي، لنقول لهم اطمئنوا. لن نسمح أبدا أن تسير هذه الحكومة في أي اتجاه قد يعاكس منظومة الحريات أو القيم الشائعة المشتركة التي نؤمن بها كديمقراطيين. ربما في بعض الأمور هناك حاجة إلى أن نعالج بعض الانزلاقات التي وقعت وهناك. ومثلا عندما يطرح نقاش حول قضية المرحومة أمينة الفيلالي، تطرح الأمور في بعض الأوساط وكأن الحكومة هي المسؤولة عن هذه المأساة. والأصل أن هذه الحالة موجودة في القوانين المغربية والممارسات الأسرية المغربية، والممارسات الاجتماعية منذ عقود. في حين أمينة الفيلالي حالة ظهرت على المستوى الإعلامي علما أن هناك الآلاف من الحالات الأخرى المشابهة لهذه الحالة التي لم يسمع منها أي أحد. وهنا أتساءل هل الحكومة اعترضت رسميا أن نغير القوانين؟ لا. هل الحكومة اعتبرت أنه علينا أن نقيم الأمور في اتجاه محافظ أو نكوصي ؟.. لا. موضوع دفاتر التحملات للمجال السمعي البصري، أثار هو الآخر العديد من النقاشات داخل أوساط المجتمع والعاملين في القطاع، كيف تقيمون هذا الأمر، خاصة أن هناك من يصف هذه الدفاتر بالمحافظة؟ هنا أريد أن أوجه ملاحظة حول هذا الموضوع الذي يثير العديد من النقاشات اليوم، أنا شخصيا مطلع جيدا على التفاصيل المرتبطة بدفاتر التحملات من باب المسؤولية التي كنت أمارسها من قبل. لكن دفتر التحملات مفروض لم تضعه الحكومة حسب القانون. كان بودنا أن تطرح علينا هذه الدفاتر كحكومة لمناقشته في تفاصيله، وهو الأمر الذي لم يتم للأسف. القانون ينص كذلك على أن الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، أن تصادق على دفتر التحملات.. والهيئة مستقلة ووضعت على طاولتها هذه الدفاتر وصادقت عليها والحال أن هناك مرجعيات أولها الدستور، والقانون 77/03 وبحكم هذه المرجعيات هناك ضرورة لاحترام الانفتاح، التنوع الثقافي، التنوع اللغوي وعدد من المرجعيات الأخرى التي يلتزم بها المغرب منذ سنين. واليوم بحكم أن الهيئة العليا للسمعي البصري صادقت على هذه الدفاتر، بإمكاننا نحن في الحكومة في إطار من المعالجة اللينة في القريب العاجل، أن نستدرك بعض الأمور التي من الضروري أن تأخذ بعين الاعتبار. فالانفتاح على اللغات في البرامج وأساسا النشرات الإخبارية بجزء لا يأخذ إلا بالقيام بعملية إضافة لهذه المواد لا يتعدى هذا الأمر الساعة الواحدة، فما العيب أن يظل المغرب منفتحا على محيطه الشمالي وعلى جاليته في الخارج وعلى القاطنين الأجانب بالمغرب، وما العيب في أن نستمر في الانفتاح على المشاهدين بإفريقيا الذين يتابعون بقوة وبشكل مكثف النشرة الفرنسية بالقناة الثانية مثلا. لذلك هذه بعض الأمورالتي يجب أن نصححها وأن نستدركها وهناك مجال لذلك، في إطار لا يستدعي بالضرورة التصريح والتصريح المضاد. حاورته حنان رحاب