في ليلة غاب فيها دفاع توفيق بوعشرين، الذي طالما ملأ الدنيا تصريحات عن "براءة مزعومة"، و"مؤامرة مفترضة"، ضد مؤازر قيل إن قلمه قاده إلى المتابعة.. وفِي غياب مساءلة عن أي شيء كتبه طيلة الفترة التي قضاها صحافيا، غابت المقالات وانتفت الافتتاحيات.. وحده "قلم الشهوة" الذي ينتصف جسده، ليستقر تحت بطنه، قاده إلى الوقوع في "المحظور"، بعد أن استسلم لغوايته، وأسلم الطوع للقاءات الاستغلال التي كان يضرب لها موعدا فوق "الكنبة"، لتكون النتيجة اقتناع هيأة المحكمة، التي فضل المتهم الفرار من المواجهة أمامها، بأن الاتجار في البشر ثابت في حق الصحافي/المدير الذي حول مكتبه إلى ساحة "عشق ممنوع".. عشق غابت عنه الرومانسية والعبارات الرقيقة، والآهات الولهانة، التي يطلقها العشاق تنهدا من أفاعيل الهوى في النفوس، ذاك العشق البريء الذي يكتفي فيه الحبيب من محبوبه بمجرد النظرة.. المحامي جواد بنجلون التويمي عضو هيأة الدفاع عن الضحايا عشق متهم تدثر ب "السلطة"، المادية والمعنوية، من أجل المتاجرة في فتيات ونساء، قادهن البحث عن فرصة عمل ولقمة عيش، إلى ساحة من استباح أجسادهن، لمجرد أنهن تحت إمرته، مُؤْتَمِرات بأمره، ينتظرن عند نهاية كل شهر أن يصرف لهن رواتبهن، التي أصر على أن لا تكون نتيجة خالصة لعلاقة مهنية صرفة، حددها قانون الشغل، وإنما فضل أن تكون المهام والأدوار متعددة، تنطلق من مهام مكتبية تَمُتُ لمهنة المتاعب بصلة، أحيانا، وتستقر أحيانا أخرى عند أفعال مُهينة تستبيح الأجساد، على كنبة طالما احتلت مكانا رفيعا من مكتب المدير صاحب الافتتاحيات المُصْلِحة... ستبقى ليلة الجمعة، خامس والعشرين من شهر أكتوبر 2019، راسخة في أذهان كل من حضروا الدقائق المعدودة التي استغرقتها قراءة الحكم الاستئنافي في ملف المتهم بوعشرين.. راسخة في ذهن كل معني بها، أو خالدة، وهي كذلك، إن انطبق هذا الوصف عليها في مخيلة من ظل يبتعد عن مناقشة الجوهر، متمسكا بالقشور، لأن الجوهر أو الموضوع، بلغة أهل القانون، كان مؤلما في أحداثه، مقززا في مشاهده، وباعثا على الغثيان في تفاصيله الموثقة صورة وحركة وتجسيدا.. دقائق قبل الحكم ستظل ليلة النطق بالحكم الاستئنافي، على المتهم بوعشرين، خير تجسيد للمثل العامي "غرارين عايشة"، لأنها أبانت بالمكشوف مواجهة المتهم وحيدا لمصيره، الذي لم يجد عاقلا ينصحه بفضيلة الاعتراف قبل فوات الأوان.. انفض الجميع من حول من غرروا بِه، في جبهة ممانعة، ظلت تنفي المتجسد حقيقة وفعلا، وتنكر وجوده. في ليلة الجمعة الماضية، ووسط القاعة رقم 7، وبهو محكمة الاستئناف غاب أغلب دفاع المتهم بوعشرين، الذي وجد نفسه وحيدا في مواجهة مصيره، فلم تحضر احتجاجات النائب البرلماني حامي الدين، ولا الغيبوبة المفتعلة لمنجب، ولا بكاء الأقربين، واحتجاجات المستغلين للأوضاع، الراكبين على الموجات في كل وقت وحين.. غاب من حضروا عند النطق في الحكم خلال المرحلة الابتدائية، وملؤوا المحكمة شعارات وتصريحات، ووحدهم الصحافيون المكلفون بالتغطيات لجرائدهم، ملؤوا القاعة وبهو المحكمة، كما استمر في الحضور قلة قليلة ممن عملوا تحت إمرته ولازالوا كذلك... غاب جل من كانوا ينفون التهمة عن الصحافي، وحضر أغلب المحامين الذي نابوا عمن كانوا عرضة للاستغلال داخل المكتب المعلوم، للصحافي/المدير بعمارة محبسة، تنتصب شامخة في ركن ظاهر من شارع يحمل اسم "الجيش الملكي" تخليدا لجنود وقوات تذود عن الحمى، وتأبى الظلم أو الاستغلال. كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة ليلا عندما هرول الجميع صوب قاعة الجلسات رقم 7، التي تعتبر أكبر قاعة بمحكمة استئناف الدارالبيضاء، جلس الصحافيون على مقاعدهم وتقدم محامو الضحايا الصفوف الأمامية من القاعة، كان صوت المستشار لحسن الطلفي، الذي توسط أربعة قضاة من الهيأة، وما ينطق به، مبتغى ما أصخى السمع من أجله الجميع.. فكان الصوت هادئا قويا، كعادة ما ينطق به القاضي الذي يرتبط في الأذهان بوصف "بوگادومة" نسبة إلى اللحية القصيرة التي تحيط بذقنه. القاعة 7 كانت الوجهة ليلة الجمعة كانت تلاوة الحكم سريعة، والأحداث متسارعة في ليلة ليست كمثيلاتها باستئنافية البيضاء.. وحده الرقم كشف ما كان الجميع ينتظره..، كانوا يعلمون أن 12 عاما سجنا منطوق حكم ابتدائي. لكن في ليلة الجمعة ارتفع الحكم بثلاث درجات ليصل إلى 15 عاما، عندما اقتنعت المحكمة بأن جريمة الاتجار في البشر ثابتة في حق المتهم، وأن ضحاياها لسن ثلاثا فقط، وإنما ست من النساء والشابات اللواتي مررن على مراحل بمكتب المدير. رفع العقوبة السجنية 15 عاما ، عبارة رددها أكثر من لسان، ونبست بها أكثر من شفتين، لتأكيدها، ولتلخص أن العقوبة تغيرت، وأن المدة ارتفعت.. فبإضافة ثلاث سنوات إلى الحكم الابتدائي رفعت هيأة المحكمة بغرفة الجنايات الاستئنافية بالدارالبيضاء العقوبة السجنية الصادرة ضد توفيق بوعشرين، مدير النشر السابق ليومية «أخبار اليوم» وموقع «اليوم24». عقوبة استجابت لملتمس تشديد كان ممثل الحق العام قد تقدم به إلى المحكمة، حين طالب ممثل النيابة العامة، بالرفع من العقوبة السجنية للمتهم الذي توبع بعدد من الجنايات والجنح، تأتي على رأسها جناية «الاتجار بالبشر» و«الاغتصاب» و«الاستغلال الجنسي»، ملتمسا الإدانة بعقوبة سجنية تصل إلى 20 عاما، بعد أن كان المتهم أدين ابتدائيا ب 12 سنة سجنا. القاضي محمد مسعودي، وفي ختام مرافعته الطويلة، استند في ملتمسه على أن «المتهم استباح عرض 11 سيدة، وأهدر كرامتهن، مستغلا حاجتهن وضعفهن، غير مبال بأنينهن ووضعهن الاجتماعي»، مؤكدا أنه «لا يستحق لا شفقة ولا رحمة». القاضي محمد مسعودي، الذي كان مدافعا شرسا عن الحق العام وعن حقوق نساء مكسورات الجناح، وفي غياب المتهم الذي كان قد فضل الهروب من أطوار المحاكمة - بعد أن وصلت الهيأة إلى مناقشة الجوهر، حيث الأدلة والمستندات القوية التي تكشف ما كانت الضحايا يعانينه، قال إن «المتهم بوعشرين اقترف ظلما اهتز له عرش الرحمان». الحادية عشرة ليلا ساعة الحسم وقبل أن يسدل الستار على مرافعة التي استغرقت ثلاث جلسات متتالية بسط خلالها مختلف المراحل التي قطعتها القضية، والمستندات التي استندت عليها النيابة العامة لمتابعة المتهم في حالة اعتقال، ومختلف المراحل التي قطعتها المرحلة الابتدائية مِن المحاكمة، وصولا إلى المرحلة الاستئنافية التي فضل فيها المتهم إلقاء كلمته، و"الفرار" من المواجهة أمام قضاء الحكم، مواجهة ضحاياه وأسئلة دفاعهن، وأسئلة النيابة العامة وحججها، حيث قال القاضي محمد مسعودي إنه يتوجه إلى المحكمة برجاء مؤداه: «لدي طفلتان اثنتان، أريد الاطمئنان عليهما.. ولا أريد أن أراهما عندما يلجا سوق الشغل تتعرضان للاستغلال، لذلك؛ وللحيلولة دون وقوع هذا، يتعين على عدالة محكمتكم تشديد العقوبة في حق المتهم، كي يكون عبرة لكل من سيفكر في اقتراف جرائم مماثلة مستقبلا». رفع الغرامة.. إضافة إلى الرفع من العقوبة السجنية الصادرة ضد توفيق بوعشرين، المتابع على ذمة قضية تتعلق بالإتجار في البشر والاستغلال والاعتداء الجنسي، حيث أدين ب 15 عاما سجنا نافذا، قررت غرفة الجنايات الاستئنافية لدى محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، الرفع من الغرامة المحكوم بها إلى (300.000 ألف درهم)، 30 مليون سنتيم. كما قررت المحكمة تأييد الحكم الابتدائي فيما قضى به من إدانة وإتلاف، مع تعديل الحكم برفع العقوبة المحكوم بها، وإلغاء الحكم فيما قضت به غرفة الجنايات الابتدائية اتي ترأسها المستشار بوشعيب فارح، من إرجاع باقي المحجوز، لتصرح من جديد بمصادرة المحجوزات لفائدة الدولة وتحميل المتهم الصائر والإجبار في الأدنى. 6 ضحايا للإتحار في البشر ألغت غرفة الجنايات الاستئنافية ليلة الجمعة الماضي، جزئيا، قرار غرفة الجنايات الابتدائية في ملف المتهم توفيق بوعشرين المدان باثني عشرة سنة سجنا نافذا ابندائيا رفعت إلى 15 سنة استئنافيا، في الجزء المتعلق ببراءة المتهم من جريمة الإتجار البشر بخصوص الوقائع المتعلقة بالضحايا: كوثر فال، أسماء گريمش، نعيمة الحروري، صفاء زروال، ابتسام مشكور وأمال الهواري، حيث صرحت المحكمة في حدود الساعة الحادية عشرة ليلا وهي تنطف بقرارها الاستئنافي في الملف، بمؤاخذة المتهم توفيق بوعشرين من أجل هاته الجريمة، وهي «الإتجار في البشر»، في حق الضحايا الست، دون استثناء. 305 ملايين للتعويض لأن حجم الضرر الذي لحق بهن كبير، ولايمكن لأي تعويض مادي أن يجبره، كما ظل دفاع المطالبات بالحق المدني يطالب ويؤكد، ولأن الضرر ثابت، ارتأت غرفة الجنايات الاستئنافية، وهي تصدر حكمها الاستئنافي في ملف مدير النشر السابق ليومية «أخبار اليوم»، رفع مبالغ التعويضات المحكوم بها ابتدائيا، حيث بلغت في المجموع 305 ملايين سنتيم، يؤديها المتهم إلى ضحاياه من المطالبات بالحق المدني وهن: - أسماء الحلاوي: 800 ألف درهم - سارة المرس : 500 ألف درهم - خلود الجابري : 500 ألف درهم - نعيمة الحروري : 400 ألف درهم - وداد ملحاف : 400 ألف درهم كما قضت المحكمة بأداء المتهم توفيق بوعشرين لكل من الضحايا المطالبات بالحق المدني: وصال الطالع، كوثر فال، صفاء زروال مبلغ مائة وخمسون ألف درهم (150 ألف درهم)، مع تحميل المحكوم عليه (بوعشرين) الصائر والإكراه البدني في الأدنى.