في حفل موسيقي ولا أروع، حلت المطربة السورية ميادة الحناوي ضيفة على المسرح الوطني محمد الخامس، السبت، في ثاني أيام مهرجان "موازين.. إيقاعات العالم" في نسخته الثامنة عشر، لتأخذ الجمهور الحاضر في رحلة موسيقية أعادت بها أمجاد عمالقة الطرب الأصيل وأحيت من خلالها ذكريات الزمن الجميل. فقبل ابتداء الحفل بلحظات، خفتت الأضواء داخل المسرح واعتلت الفرقة الموسيقية الخشبة لتبدأ استعداداتها. انشغل البعض من الجماهير بالدردشة في حين كان البعض يأخذ صورا تذكارية بواسطة الهواتف الذكية، وماهي إلا لحظات قليلة حتى أطلت فنانة الأجيال، لتتجه عدسات الكاميرات نحو خشبة المسرح وتتوقف الدردشات الثنائية وتستبدل بتصفيقات حارة وهتافات متواصلة. ومنذ اللحظة الأولى لاعتلائها خشبة المسرح، خطفت الفنانة السورية بإطلالتها المتألقة، مرتدية قفطانا مغربيا أبيض مرصعا بالأحجار المتلألئة ببساطته ورقيه، أنظار الجماهير التي حضرت هذا الحفل، منهم رجال ونساء في الخمسينيات والستينيات من عمرهم جاؤوا لاسترجاع ذكريات الطرب الأصيل، ومنهم شباب وشابات في مقتبل العمر جاؤوا لاكتشاف أغاني زمن سمعوا عنه دون أن يعيشوه، أغاني الزمن الجميل حيث الكلمة الراقية والموسيقى الحالمة. وقد كانت مطربة الأجيال على مستوى تطلعات جمهورها الذي ملأ جنبات المسرح عن آخره، فعلى امتداد ساعتين من الزمن، أطربت الفنانة السورية صحبة فرقتها الموسيقية آذان الحاضرين بأغاني كلاسيكية طربية بامتياز، حيث افتتحت الحفل بأغنية "حبينا وتحبينا"، ثم غنت مختارات من ريبرتوارها الفني الضخم، وغنت على الخصوص أغنية "أنا مخلصة لك"، و"كان يامكان"، وأغنية "سيدي أنا" ثم "هي الدنيا كده"، وتحت طلبات الجمهور المتكررة غنت أغنيتها الشهيرة "أنا بعشقك" التي تفاعل معها الجمهور بشكل كبير، وطالبوا بإعادتها عدة مرات، ما استجابت له المغنية بكل فرح. وتمكنت بنت الشام بصوتها الدافئ وإحساسها العالي، من نقل جمهورها إلى عالم من الأحاسيس الجياشة، حيث مر الحفل في أجواء حميمية بامتياز، وكأنه لقاء بين عاشقين بعد غياب، فالجمهور يملؤه الحنين للفن الأصيل والطرب الجميل، فيما تحن المطربة لجمهورها المغربي الذي غابت عنه لسنوات. ولعل ما ميز هذا الحفل، تفاعل الجمهور الكبير مع كل أغنية من الأغاني التي قدمتها فنانتهم المفضلة، وتلقائية هذه الأخيرة التي كانت بين الفينة والأخرى تعبر عن إعجابها ومحبتها لجمهورها بعبارات "الله عليكم"، و"أنا بحبكم"، ومن شدة تجاوب الجمهور وفي لقطة طريفة، التفت رئيس الفرقة الموسيقية التي رافقت المطربة السورية نحو الجمهور بابتسامة عريضة، رافعا يده كتحية وتعبير صادق وعفوي عن مدى روعة الجمهور الحاضر. وفي ختام هذا الحفل الأسطوري، الذي سيبقى لا محالة راسخا في الذاكرة، ودعت المطربة السورية ميادة الحناوي جمهورها حاملة العلم المغربي، وغادرت المسرح المملوء عن آخره تحت تصفيقات الجمهور الحاضر الذي كان شاهدا على واحدة من أجمل حفلات مهرجان "موازين.. إيقاعات العالم". وقد ولدت ميادة الحناوي في مدينة حلب السورية عام 1959 لعائلة عاشقة للموسيقى، حيث بدأت تستمع لأغاني أم كلثوم منذ صغرها، كما بدأت بتعلم الغناء منذ سن مبكرة، وتبناها فنيا الموسيقار محمد عبد الوهاب لتنطلق في مسيرتها الفنية ضمن إحدى أهم محطات الفن العربي في زمانها وزماننا. وتعتبر المطربة السورية ميادة الحناوي من عمالقة الغناء في العالم العربي، حيث حازت على المركز الأول بين فنانات زمانها، وشهدت لها الحفلات الموسيقية وجمهورها بروعة صوتها وأصالته. وتعاونت ميادة مع أكبر الفنانين العرب والملحنين، بمن فيهم محمد الموسوي ومحمد عبد الوهاب، لكن انطلاقتها الكبرى كانت عند تعاونها مع الموسيقار بليغ حمدي في الثمانينيات، فكتب لها "أنا بعشقك" و"الحب اللي كان" و"أنا اعمل إيه" وغيرها. وأطلقت ميادة الحناوي مجموعة كبيرة من الألبومات على مدار سنوات مسيرتها الفنية نذكر منها: "ثورة الشوق" عام 1986، "الليالي" عام 1990، "الحل الوحيد" عام 1991، "جالك كلامي" عام 1994 و"عرفوا إزاي" عام 2004. تلك هي إذن أجواء أمسيات مهرجان "موازين إيقاعات العالم"، التي تعد بكثير من الفرجة والمتعة على امتداد تسعة أيام (21 إلى 29 يونيو)، ستعيش على وقعها ساكنة الرباط وزوارها من داخل المغرب وخارجه، تجربة فنية فريدة، تحتفي بالفن بكل أطيافه، وتحمل شعار التنوع والتعايش والتسامح.