بعد الاستماع إلى رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم أحمد أحمد، نهاية رمضان الماضي، أتى الدور على ميشيل بلاتيني الرئيس السابق للاتحاد الأوربي لكي ينصت إليه القضاء الفرنسي الثلاثاء قبل أن يتم إخلاء سبيله الأربعاء، واعتباره مستجوبا فقط في قضية منح مونديال قطر 2022. المتتبعون للمشهد الرياضي العالمي يعرفون أن الحكاية لن تقف عند هذا الحد، وأن ثمة أشياء أخرى غير الكرة وغير تسيير الجامعات والاتحادات القارية، وغير ما يهم الساحرة المستديرة تناقشها هاته المحاكم كل مرة مع مسؤولي الكرة هو الفساد المستشري داخل الهيئات التسييرية للكرة. قبل الرجلين كان هناك طبعا بلاتير الرئيس السابق للفيفا، وقد خرج من تسيير المنظمة الكروية العالمية بفضائح روائحها تزكم الأنوف، وبصورة بقيت للتاريخ لرجل ألقى عليه حزمة من الأوراق المالية المزيفة، وهو يقول له «خذ محرك بحثك الأبدي، خذ المزيد من المال». الكرة التي اخترعها الإنجليز يوما للترويح عن أنفسهم، ثم أصبحت لعبة الفقراء بامتياز في كل أنحاء العالم، أصبحت أيضا لعبة الكبار النافذين والأغنياء، الذين فهموا أن هناك من يستطيع أن يلعب الكرة بشكل مذهل على رقعة الملعب، وأن هناك بالمقابل من يستطيع أن يلعب الكرة بشكل أكثر إثارة خارج رقعة الملعب. لذلك كانت كل الفضائح التي رأيناها على امتداد السنوات الأخيرة، ولذلك كان هناك ظلم شديد في عديد الأشياء ليس أقلها شعورنا نحن هنا في المغرب أننا نستحق أن تمنح لنا فرصة تنظيم كأس العالم الذي تقدمنا لنيل هذا الشرف بخصوصها عدة مرات، وكل مرة كنا نخرج بالإضافة إلى «كوداس» حنين، وليس خفيه ما دمنا نتحدث عن الكرة، بمشاعر متباينة لعل أكثرها إيلاما هي تلك التي لازمتنا في التصويت الأخير لاعتبارات لا تخفى على لبيب. أيضا في الملاعب كانت شبهة الفساد تلاحق عديد التتويجات والمباريات والنتائج، التي كان يتضح أن أشياء أخرى غير التنافس الكروي الشريف والنزيه والواضح، هي التي تتحكم في مخرجاتها، وهي التي تعطي هذا اللقب لهذا البلد أو لهذا النادي، وهي التي تتحكم في منح الكرة الذهبية لهذا اللاعب أو ذاك، وهي التي تحدد في الختام شكل وخارطة الكرة العالمية. هل هو أمر سيئ إلى هذا الحد؟ بالنسبة للطهرانيين ذوي التصور الملائكي للأشياء نعم. بالنسبة للواقعيين الذين يعرفون أن الأشياء تجري هكذا وليس بشكل آخر لا، وإطلاقا والبتة. هناك مال كثير تدره هاته اللعبة، عبر الإشهار أساسا، وعبر النقل التلفزيوني في مقام ثان وهام، وعبر مختلف التنويعات التي تمس منتوجاتها وفي مقدمة هاته المنتوجات الأسماء التي تصنع الكرة العالمية، والتي تتحول من لاعبين ماهرين أوصلتهم مواهبهم إلى المكانة التي يحتلونها داخل فرقهم إلى كائنات لبيع كل شيء واللاشيء وإلى تقديم الإشهار تلو الإشهار وإلى ترويج العلامات تلو العلامات، لذلك لابد من مشرف أكبر أو «أب روحي» أو «PARRAIN» تكون له الكلمة الفصل بين مختلف المستفيدين من تجارته وكفى... تبقى في هذه الدورة من الفساد المهيكل والممنهج فرق وبلدان ودول على الرف، لا ثقل لها كرويا، ولا تستطيع مجاراة السفه المالي القائم في المجال، ولا تتوفر على آليات ضغط تستطيع بها أن تفرض تصورها للأشياء وتتمكن بها أن تحدد وجود موقع حقيقي لها على خارطة هاته الأشياء. الحل الوحيد لهاته الدول والبلدان أن تتفوق على أرض الملعب قدر الإمكان، ووفق ما يسمح به القائمون على شأن اللعبة. لذلك وعندما تريد هاته الجامعات أو الاتحادات الضعيفة مسايرة المد الكبير من التسيير غير الواضح كثيرا الموجود على أعلى مستوى في الفيفا أو في الاتحادات القارية الكبيرة يبدو مشهدها مضحكا للغاية. ولعله السبب الذي جعل نهاية كأس الأبطال الإفريقية، وهي ثاني أهم موعد كروي في القارة بعد نهاية كأس الأمم الإفريقية تنتهي تلك النهاية الكاريكاتورية والمحزنة، والتي تدفع إلى الضحك الباكي، وتكشف أن مسيري القارة ومسيري أعرق نواديها لم يستطيعوا الاهتداء مثل «أساتذتهم» الأوروبيين أو الأمريكيين إلى الجلوس إلى طاولة قبل المواعد الهامة وتحديد كل شيء خلف ستار. رأينا ذلك اليوم مصير مباراة هامة يحسم مباشرة عوض أن يحسم مثلما هي العادة في الكواليس، وفهمنا أن تونس التي خبرت مثلا سنوات من التحكم في كواليس اللعبة الشعبية الأولى في القارة عبر سليم شيبوب صهر الرئيس التونسي المخلوع بن علي الذي كان من رواد الكولسة في عالم الكرة الإفريقية تحتاج اليوم إلى من يخلفه، تماما مثلما يحتاج من يسيرون الاتحاد المغربي إلى من يساعدهم على قضاء حوائجهم بالكتمان عوض «فضيحة العرض»، التي أصبحت تجوب القارة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا عن صداقاتهم المفترضة أو الحقيقية مع بعض المسؤولين في الاتحاد القاري، والتي لم تنفعنا كثيرا في المواعد الحاسمة التي مررنا منها. يحزن محب الكرة العادي الذي يروقه اللعب النظيف والتباري الأنظف أن يتحدث عن الكرة بهذا الشكل، لكن هذا هو واقع الحال، وهذه هي الحقيقة التي لا ينفع الهروب منها في إخفائها أو تغييرها. سنسمع عن كثير من الفضح في هذا المجال كلما سقط نافذ جديد ولم يستطع الحفاظ على قوته التي كانت تستره، لأنهم جميعا - مثلما قال صحافي فرنسي متخصص مؤخرا - متورطون في شيء ما غير واضح، الفرق الوحيد بين من يسقطون وتعطى أسماؤهم للمحاكم ولوسائل الإعلام وبين من يظلون هاربين بجلدهم من أي متابعة هو فرق البقاء في مركز السلطة والتحكم في لحظة السقوط هاته من عدمها. مؤسف، لكنها مرة أخرى الحقيقة، لذلك يقاطع العديدون اليوم تلك المباريات العالمية الكبرى ويعودون إلى ملاعب الأحياء الصغرى المشتتة في كل مكان من هاته الأرض، يبحثون عن مهارة عفوية تمتعهم لم يغيرها مال، ولم يتحكم فيها فساد، ولم يفرض عليها نافذون أن تلعب ألعابا أخرى غير اللعبة الوحيدة التي تتقنها، والتي خلقت من أجلها: لعبة ضرب هاته الساحرة اللعينة واللهو بها إلى آخر الأيام... دونما هدف آخر سوى هذا اللعب البريء.