في ظل الغموض الذي يكتنف المشهد السياسي في الجزائر، ومصير الانتخابات الرئاسية الجزائرية ، شهر أبريل المقبل، يصارع صناعُ القرار الجزائريون من أجل تحديد شروط خلافة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، باستثناء قائد هيئة أركان الجيش الوطني، الجنرال أحمد قايد صالح الذي قد يقلب الموازين لصالحه. تساءلت صحيفة Mondafrique الفرنسية: مَن هو الحاكم الفعلي للجزائر؟ وأوضحت أنه لم تتم الإجابة عن هذا السؤال الملح بعد، حيث إن السلطة الجزائرية مبهمة ومقسمة وغامضة. وهنا يجدر التذكير بالمؤتمر الذي عُقد خلال ثمانينات القرن الماضي بمعهد الدراسات السياسية بباريس، من قِبل الوزير السابق لكل من جورج بومبيدو وفرانسوا ميتران، وصاحب الرؤية الدقيقة ميشال جوبرت، حيث سُخِر من عجز السفير الفرنسي بالجزائر عن الإجابة عن هذا السؤال الأساسي. اليوم، مع استنفاد بوتفليقة لقوته وعجزه عن الكلام، باتت الجزائر من دون قائد. وقد أصبح نظام الحكم بمثابة صندوق أسود، أكثر من أي وقت مضى. والأخطر من ذلك، أن الجيش الجزائري، الذي لَطَالما كان الملاذ الأول والأخير عند الأزمات، بات بدوره منقسماً. يبدو أن هناك ثلاث جماعات بصدد التنافس داخل المؤسسة العسكرية قبل الانتخابات الرئاسية الجزائرية . تخضع الأولى، التي تعتبر الأكثر نفوذاً في الوقت الحالي، لسلطة رئيس الأركان ونائب وزير الدفاع، قايد صالح. وتتبع المجموعة الثانية الجنرال بشير طرطاق، الذي عُين رئيساً لدائرة الاستعلام والأمن من قبل الرئاسة الجزائرية، فضلاً عن كونه مكلفاً بالاهتمام بجميع أعمال سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس. أما المجموعة الثالثة التي لا تعتبر أقل نفوذاً، فتتمثل في الشبكات الموالية للجنرال محمد الأمين مدين، المعروف باسم توفيق، والذي شغل منصب رئيس دائرة الاستعلام والأمن، ولعب دور الرئيس الفعلي للجزائر طيلة ربع قرن من الزمن. ,لم يعد بإمكان الجزائريين الآن الهروب من صورة الجنرال أحمد قايد صالح، التي تظهر في افتتاح جميع نشرات الأخبار في البلاد. وتكتسح مشاهد اجتماعات رئيس هيئة الأركان قايد صالح مرتدياً الزي العسكري، مع المتعاونين معه، البرامج التلفزيونية لدقائق عديدة وطويلة. وتبدو لهجة القائد الأعلى، التي تُنقل عبر التلفزيون، لهجة حازمة ومستبدة. يبدو الأمر كما لو أنه من الضروري أن ينسى الجميع الصورة المثيرة للشفقة التي يظهر من خلالها رئيس الجمهورية عبدالعزيز بوتفليقة، إذ في ظهور استثنائي له، كان بوتفليقة مثبتاً في كرسيه المتحرك بأحزمة من الواضح أنها تؤلم جسد رئيس الدولة المنهك. وتظهر هذه الصور يومياً لإثبات قوة قايد صالح، أو على الأقل النفوذ الذي يُمارسه على التلفزيون الوطني. وعلى الرغم من احتمال أن الرئيس يعيش أيامه الأخيرة، فإن نائب وزير الدفاع ما زال شجاعاً ومطمئناً. ومن بين الأوراق الرابحة التي يراهن عليها قايد صالح، قبل الانتخابات الرئاسية الجزائرية ، حقيقة أنه من بين أحد ضباط الجيش الجزائري القليلين النافذين، الذين بدأوا مسيرتهم المهنية في زمن جيش التحرير الوطني الجزائري، الجناح المسلح لحزب جبهة التحرير الوطني خلال حرب الاستقلال. تميل الخطب القليلة لرئيس الأركان الموجهة للإعلام الجزائري إلى إعطاء هذا الانطباع عن الصلابة. وقد صرَّح قايد صالح مؤخراً قائلاً: «سنكون العين التي لن تغمض أبداً، لمصلحة الجزائر وضد أعدائها». «أنا أو الفوضى»، هذه هي الرسالة الضمنية التي يُحاول الجنرال قايد صالح تمريرها. ولا يُخفي قايد صالح أمام أقاربه أمر ترشحه في الانتخابات الرئاسية الجزائرية ، في شهر أبريل، في حال فشلت الطبقة السياسية الجزائرية في التوصل إلى شروط انتقال سلمي للسلطة. وفي الوقت الراهن، تمنع محاولات حاشية الرئيس، التي تعمل على تشجيع التوصل إلى حل يلعب فيه سعيد بوتفليقة دوراً مؤثراً، من تحقيق هذا الهدف. أما فيما يتعلق بقصر زرالدة، حيث يخضع الرئيس بوتفليقة لعناية مركزة، تُعاني حاشية الرئيس من نوع من الهوس من أجل كسب بعض الوقت في إطار سباق السلطة المثير للشفقة. ويسعى سعيد بوتفليقة إلى إيجاد خلف لأخيه خلال الانتخابات الرئاسية الجزائرية ، يكون قادراً على ضمان حماية قانونية للعائلة الحاكمة عند تصفية الحسابات. في الأشهر الأخيرة، دافعت الرئاسة عن المشروع، المستبعد، أو حتى المحير للولاية الخامسة للرئيس بوتفليقة. وتُشكل هذه الخطوة الطريقة الوحيدة لإخماد النقاش العام، في ظل غياب استراتيجية واضحة بشأن الانتخابات.