"الوطنية الحقة تعزز الوحدة والتضامن، وخاصة في المراحل الصعبة. والمغاربة الأحرار لاتؤثرفيهم تقلبات الظروف،رغمقساوتها أحيانا. بل تزيدهم إيمانا على إيمانهم، وتقوي عزمهم على مواجهة الصعاب، ورفع التحديات". محمد السادس - خطاب العرش - الأحد
لم يكن خطابا عاديا على الإطلاق، ولم يكن خطابا من النوع الروتيني الذي تنتظره في مناسبة معينة، وأنت تعرف ما الذي سيقال فيه. كان خطابا منتظرا بكثافة، وكان خطاب مكاشفة وتشريح من النوع الذي يتقن محمد السادس محادثة المغاربة به لأنه اختار منذ توليه العرش أن يتحدث مع الناس بصراحة لايعرف غيرها بديلا وطريقة لإصلاح البلاد، وأحوال العباد، ورسم خارطة الطريق التي تحدثنا عنها أمس في افتتاحية الجريدة اقترح الملك محمد السادس، في الخطاب الذي وجهه الأحد إلى الأمة مجموعة من الأوراش الرامية إلى تحسين الوضعية الاجتماعية بالمغرب، ردا على السؤال والهاجس الاجتماعي الذي يشغل بال كل الدول وإن كانت غنية، فمابالك ببلد بمقدرات مادية جد محدودة. الملك كان واضحا: ضرورة إصدار ميثاق اللاتمركز الإداري، داخل أجل لا يتعدى نهاية شهر أكتوبر المقبل، والإسراع بإخراج الميثاق الجديد للاستثمار، وبتفعيل إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، وتمكينها من الصلاحيات اللازمة للقيام بدورها. حدا للبيروقراطية القاتلة، وردا على سؤال الإدارة الذي يطرحه كل مغربي، اقترح الملك اعتماد نصوص قانونية تنص على تحديد أجل أقصاه شهر، لعدد من الإدارات، للرد على الطلبات المتعلقة بالاستثمار، مع التأكيد على أن عدم جوابها داخل هذا الأجل، يعد بمثابة موافقة من قبلها. وللرد على سؤال الفساد المستشري في كثير من الإدارات في بلادنا، وهذه حقيقة لا يمكن إخفاؤها نهائيا، أعرب الملك عن أمله في أن تشكل هذه الإجراءات "الحاسمة" حافزا قويا وغير مسبوق للاستثمار، وخلق فرص الشغل، وتحسين جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطن، والحد من التماطل، الذي ينتج عنه السقوط في الرشوة، كما يعرف ذلك جميع المغاربة. واعتبر جلالة الملك أن هذه الإجراءات التي ستمكن من تفعيل مبدإ المحاسبة، والوقوف على أماكن التعثر التي تعاكس هذا الإصلاح، ستشكل "دافعا لإصلاح الإدارة". وشدد جلالته على ضرورة العمل على جعل هذه الإجراءات أمرا واقعا، في ما يخص مجال الاستثمار، على أن يتم تعميمها على كافة علاقات الإدارة مع المواطن. ولأن محمد السادس يقول الأشياء كما هي ويسميها بمسمياتها فإنه أكدها مرة أخرى في الخطاب بالقول أن هاته النصوص القانونية « مهما بلغت جودتها، تبقى رهينة بمدى جدية والتزام كل مسؤول إداري، بحسن تطبيقها". المغاربة الأحرار ثم قالها الملك أيضا بشكل واضح وصريح: المغاربة الأحرار لن يسمحوا لدعاة السلبية والعدمية، وبائعي الأوهام، باستغلال بعض الاختلالات، لتبخيس المكاسب والمنجزات التي حققها المغرب. المغرب الذي أمضى كل هاته السنوات في إصلاح عديد الأعطاب، والذي نجح في بعض من هذا الإصلاح ولم ينجح في بعض آخر لايمكن أن يقبل محو كل شيء على مذبح المزايدات الفارغة، والقول بأننا عدنا إلى الوراء وأن سنوات الرصاص رجعت إلينا وبقية الترهات التي يعرف من عاش في المغرب قديما وحاليا أنها غير صادقة بل كاذبة لاعتبارات لاتخفى على لبيب. قالها الملك بالحرف وشدد عليها: « الوطنية الحقة تعزز الوحدة والتضامن، وخاصة في المراحل الصعبة. والمغاربة الأحرار لا تؤثر فيهم تقلبات الظروف، رغم قساوتها أحيانا. بل تزيدهم إيمانا على إيمانهم، وتقوي عزمهم على مواجهة الصعاب، ورفع التحديات". قبل أن يضيف: "وإني واثق أنهم لن يسمحوا لدعاة السلبية والعدمية، وبائعي الأوهام، باستغلال بعض الاختلالات، للتطاول على أمن المغرب واستقراره، أو لتبخيس مكاسبه ومنجزاته"، مشيرا إلى " أنهم يدركون أن الخاسر الأكبر، من إشاعة الفوضى والفتنة، هو الوطن والمواطن، على حد سواء ". أما للأحزاب التي أصبح بعضها يفضل لحظات الأزمة لعب دور المتفرج،وترك الحبل على غارب التطورات فقد كان الكلام واضحا، وتحديد المسؤولية لا يقبل أي نقاش: ضرورة استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي، وكذا العمل على تجديد أساليب وآليات اشتغالها، لأن أبناء اليوم، هم الذين يعرفون مشاكل ومتطلبات اليوم. وشدد الملك على أنه يجب على الأحزاب السياسية العمل على تجديد أساليب وآليات اشتغالها، داعيا مختلف الهيآت السياسية والحزبية، التجاوب المستمر مع مطالب المواطنين، والتفاعل مع الأحداث والتطورات، التي يعرفها المجتمع فور وقوعها، بل واستباقها، بدل تركها تتفاقم، وكأنها غير معنية بما يحدث. وتابع جلالته أن قضايا المواطن لا تقبل التأجيل ولا الانتظار، لأنها لا ترتبط بفترة دون غيرها، مشيرا إلى أن " الهيآت السياسية الجادة، هي التي تقف إلى جانب المواطنين، في السراء والضراء ". الملك تحدث عن ضرورة إعادة النظر في برنامج « راميد » الموجه لصحة المغاربة، وعن إطلاق الجيل الثالث من مبادرة التنمية البشرية وعن ضرورة دعم التمدرس، وعن بقية الأمور الحياتية التي تعيش مع الناس، والتي يعيشها يوميا المواطن المغربي ويحمل همها، والتي لايمكن للشعارات الكبرى أن تحل محلها، أو أن تغني الناس عنها أو أن تحل مشاكلها وحده التطبيق الجيد لإصلاح فعلي يعدل الاختلالات ويقف على مكامن الضعف، ويواجهها سيحل الإشكال، وسيعفينا من أزمات عدة عشناها وبقينا نتفرج عليها إلى أن وصلت إلى تطورات غير محمودة نهائيا الملك استمع لنبض الناس، ولأسئلتهم، وكان يعرف حجم الانتظارات، فقدم الأحد إجاباته بشكل واضح ودقيق. ذهب إلى تفاصيل التفاصيل، ولم يغفل أي موضوع مطروح على الساحة المغربية اليوم، ولم يلق بكرة الإصلاح إلى أي جهة أخرى، بل قال لنا جميعا مامعناه « أنا شريك في هذا الإصلاح، ومؤمن بهذا الإصلاح، ويلزمني أناس يستطيعون الإيمان به مثلي » هي نفس الكلمة التي يقولها المغاربة بدارجهم البليغ « خص غير يكون معا من وصافي »، وحكاية البحث عن هؤلاء « المعا - من » هي كل الحكاية المغربية اليوم فعلا، ولو أجهد كل واحد منا نفسه - في مجاله - لكي يصبح من هؤلاء المعنيين بالمغرب كله وليس بالمصلحة الصغيرة الضيقة فقط لنجحنا في هذا الإصلاح، ولانتقلنا بكل سلاسة إلى بقية الأشياء...