"من الخيمة خرج مايل" قد يرى البعض في هذا المثل الدارج، أحسن توصيف للمجلس الوطني للصحافة الذي يبدو أنه لن ير النور، لقد كنا متفائلين أكثر من اللازم حين اعتبرنا أن الجسم الصحفي المغربي قد بلغ من النضج مما يجعله خارج وصاية الدولة وأجهزة الوزارة الوصية، ويؤهله ليكون قادرا على تحمل مسؤولية التنظيم الذاتي لمهنة خلت من الكثير من النبل بحكم انتقال عدوى الأمراض التي نخرت التنظيمات السياسية والنقابية والجمعوية... إلى صاحبة الجلالة والسلطة الرابعة وغيرها من المفاهيم التي تبدو اليوم مثل تلك الأوهام الاجتماعية التي تحدث عنها السوسيولوجي الفرنسي العظيم بيير بورديو.. لا يمكن إلا أن أحيي مهنيا شريفا من حجم محمد البريني "اللي وقف البيضة في الطاس" كما يقول المغاربة، ورفض تزكية وضع مختل أفرزه التنافس غير الشريف من أجل عضوية المجلس الوطني للصحافة الذي اعتبره مكسبا وطنيا بنص الدستور وبالقانون المنظم لتشكيله ووظائفه... لكن "حتى زين ما اخطاتو "لوليتا" وليس "لولا" فقط، تلك اللعوب الصغيرة التي دوخت نضجا مفترضا في رجل هو زوج أمها.. كذلك فعل بنا مهندسو الخريطة الانتخابية المؤدية إلى شرف تمثيل الصحافيين والناشرين في مجلس وطني للصحافة مات وهو جنين في بطن أمه.. وإذا كان ديننا الحنيف يعتبر إكرام الميت دفنه، فإننا معشر الصحافيين والناشرين والنقابة المهتمة بالمجال يجب أن نسارع لدفن جثة هذا المجلس ليس كهيئة ولكن كمكتب مسير مات وهو بعد جنين، خاصة وأن رائحة الجثة النتنة بدأت تفوح هنا وهناك، اللهم لا شماتة، علينا دفن هذا الجنين الميت الذي لم ير النور، وبعضنا هيأ له الاسم والمهد الذي ينام فيه ومستقبله وحاضره معا، ولم ينتظر كما يقول المغاربة "حتى يزيد وسميه سعيد"... ويجب أن ندفن مع جثة هذا الجنين، كل السلوكات المشينة لحرفيي الانتخابات والتواطؤات المخجلة والمساومات ولعب العيال الذي قام به البعض وكل من أساء لنا كجسم صحافي، ومنه عقدة الاستعلاء وادعاءات الأجهزة الأكثر تمثيلية، والنزول إلى الأرض وتطارح جميع القضايا والمشاكل بروح بعيدة عن خداع ومكر الثعالب أو القوة الافتراسية للذئاب.. لأن عقدة الأكثر تمثيلية هي التي حولت المؤسسات المنظمة المرتبطة بالصحافة والصحافيين من ناشري الصحف والتنظيمات المؤطرة نقابيا للصحافيين وغيرها، إلى أدوات للحصول على الغنيمة، وأنا أستحيي من فاعلين متهمين بقتل هذا الجنين الذي اسمه المجلس الوطني للصحافة في بطن أمه، بأساليب ميكيافيلية من فقهاء الصحافة الذين حين تقول لهم "الزردة في بغداد"، يقولون لك: "إنها قريبة"، ومع ذلك يستمر بعضهم في تدبيج مقالات تتحدث عن ربط المسؤولية بالمحاسبة والشفافية ومحاربة الفساد والديمقراطية، وهم "صناعها" في أرض الصحافة التي كشفت مناسبة انتخاب مجلسها الوطني كل عوراتهم ودسائسهم.. ومع ذلك فأنا جد متفائل، لقد برزت العديد من عناصر الضوء، فأن لا يزكي صحافي كبير من طينة محمد البريني وضع التشويش والفساد الانتخابي في تشكيل مكتب المجلس الوطني للصحافة، وينسحب بشكل علني شارحا في رسالته تلك العلل والاختلالات التي سبق أن حذرت منها في هذا الركن بلا خلفيات وأنا لم أكن مرشحا لا على رأس لائحة ولا على رأس المجلس ولا امتياز لي سوى أن أقول كلمتي بصدق وبحب وأمضي.. وأن تنسحب لائحتان من سباق تنافس غير شريف ويخلو من الشفافية وتكافؤ الفرص، فهذا نقطة ضوء أيضا وأن تقرر فيدرالية الناشرين حتى وإن في آخر حلقة من حلقات المسلسل الانتخابي لتشكيل المجلس، تجميد مساهمتها في تكريس هذا العبث، المهم أن عودة الوعي هو دليل حياة خير من فقدانه إلى الأبد، والصحافيون الذين ذهبوا إلى القضاء للتظلم من خروقات لم يرضوا أن يكونوا في وضع المتفرج أو الشيطان الأخرس، والصحافيون الذين انتقدوا ما حدث بحسن نية وبلا غل ولا تصفية حسابات ... هؤلاء كلهم عناصر ضوء تجعلنا متفائلين لإعادة فتح النقاش والتشاور الذي لا يبتغي مرضاة غير صاحبة الجلالة ولا تهم المغانم والهميزات، "يا الله أسيدي أجيو انديرو يد فيد" بلا استعلاء، بلا اتهامات مجانية، بلا مطامع في الاستعمال وبلا تهويل لما حدث.. و"بهاذ النية غنلقاو" بعد الاستعانة بالله، مجلسنا الوطني الذي حلمنا به... هذا إن كنا فعلا نبحث عن مستقبل لهذه المهنة... غير هذا لا يسعنا إلا أن نقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون".