في الصيف الإيراني ضيعنا لبن المونديال. عندما كان المتخصصون في بلاتو «بي إين سبور» الفرنسية يناقشون الخروج المشرف للمنتخب المغربي من كأس العالم، بعد هزيمة صغيرة أمام برتغال رونالدو، بطل كأس أمم أوروبا، ويتحدثون عن الاحتجاج ضد الحكم الأمريكي، الذي لم يحتسب ضربتي جزاء للمنتخب الوطني، قال الحاجي ضيوف اللاعب السينغالي الشهير: «لو أن المغرب فاز على إيران لماوجد رونار نفسه في هذا المأزق». كل الذين شاهدوا المونديال أو تابعوه، كل من يعرف قليلا أو كثيرا في الكرة، كل من يتابع وإن عبر الشاشة مستجدات الساحرة المستديرة متفق على هذا الأمر: المونديال لم نضعه يوم البرتغال. المونديال أهدرناه ببشاعة مثلما يقول المعلق الرياضي يوم أهدينا الفارسيين اللقاء بغباء منقطع النظير، وذهبنا لكي نبكي بحرقة، ولكي نتبادل مع بعضنا البعض عبارات الطمأنة الكاذبة «سنفوز على البرتغال وإسبانيا وسنمر». جميعنا كنا نعرف أن الأمر مستحيل، وأن من ينهزم أمام منتخب أقل من العادي مثل إيران لا مكان له في المونديال و«باسطا». كلام جوقة الجامعة، وصور اللاعبين وهم يبكون بعد الإقصاء والتطبيل المبالغ فيه لمن قاموا بدورهم من بينهم، ومداعبة الجمهور المغربي في اتجاه الزغب واللعب على عاطفته باختلاق الأخبار كل ذلك لن ينسينا أننا حققنا صفر نقطة من مبارتين، ولن ينسينا ما هو أقسى: أننا مررنا مرة أخرى قرب موعد عالمي كبير لا يحق أن تمر قربه بهذا الشكل الغبي خصوصا في المباراة الأولى. عندما نقول هذا الكلام فنحن لا نتجنى على المنتخب، ولا نقصفهم بعد أن كنا أول المنوهين به والمشجعين لهم. لا، نحن نقول هذا الكلام لأن الأمر يتعلق بالمغرب، وهو أهم من رونار وأهم من لقجع وأهم من اللاعبين وأهم منا جميعا. صورة هذا البلد الذي نريد له الانتصار والانتصار فقط هي التي خرجت منهزمة يوم الأربعاء بعد الإقصاء السريع من المونديال. ولا تصدقوا باعة الوهم والنصابين والمحتالين ومحترفي الكذب الذين سيقولون لكم إن رونالدو هنأ المغاربة، وأن إنفانتينو (الذي دعم ملف الترشيح الثلاثي قبيل المونديال ضد المغرب بكل قوته، والذي منحنا حكما وتحكيم فيديو لم نر لهما فائدة) قد نزل إلى مستودعات الملابس لكي يهنئ اللاعبين على الهزيمة، وأن الصحافة العالمية كلها قد أشادت بأداء المنتخب الوطني. كل هذا كلام منهزمين، وهو لرفع العتب وتبويس اللحى ومواساة المنهزمين لئلا يحسوا بالهزيمة فقط لا غير... الحقيقة العارية هي أننا أدمنا هاته الهزيمة، وتآلفنا معها وطبعنا مع مرارتها ولم تعد تعني لنا أي مشكل. ننهزم في الدور الأول، نقصى، نجد لبعضنا البعض الأعذار والمبررات ونقول إننا خرجنا بشكل مشرف، وننتظر المناسبة القادمة لأجل تكرار نفس المشهد البليد. ننسى أن التأهل إلى الدور الثاني في كأس العالم لم يعد إنجازا بالنسبة إلينا فقد صنع الجيل الذهبي ذلك بأقل الإمكانيات في مكسيكو 86، وننسى أن المطلوب اليوم هو تجاوز هذا الدور الثاني، والمرور إلى ما حققته الكاميرون أو نيجيريا أو السينغال بعدنا. وننسى أن التأهل إلى كأس العالم في حد ذاته ليس إنجازا بل هو أضعف الإيمان لبلد يخصص إمكانيات ضخمة لمنتخبه، وننسى أن من يقولون لنا «لقد أهلناكم لكأس العالم بعد غياب عشرين سنة، فاصمتوا واحمدوا ربكم كثيرا» هم مجرد بيادق للإلهاء يدافعون عن مصدر رزقهم، ولا يهتمون بصورة البلد. هو إقصاء مر، وهي هزيمة قاسية، وهو خروج من الباب الصغير، وهو أمل أضعناه لأننا نتوفر على جيل ممتاز ورائع من اللاعبين اغتالتهم خطة رونار في المباراة الأولى، وأكملت المباراة الثانية والقرعة الملعونة التي وضعتنا أمام أول وثاني منتخب في العالم اليوم (إسبانيا والبرتغال) المهمة، وها نحن نبقى وحيدين مع دموعنا ومع صور بطولات لاعبينا التي لم تأتنا بنقطة واحدة، ومع أمل انتظار كأس العالم المقبلة في قطر لتكرار نفس السيناريو بشكل أو بآخر. يجب علينا أن نقولها وليغضب من أراد الغضب: منظومة كروية متخلفة مثل منظومتنا ببطولة مضحكة ومحزنة، وبمشاكل عديدة لا يمكنها أن تنتج في الختام منتخبا تنافسيا قادرا على الذهاب بعيدا في المنافسات القارية أو الدولية. لا تنسوا أن مصر أقصتنا من ربع نهائي كأس أمم إفريقيا وقلنا لأنفسنا مرة أخرى «لقد ربحنا منتخبا للمستقبل» وذهبنا للنوم. الاستعانة بالمحترفين هي عين العقل لأن لاعبين مثل المهدي بنعطية أو نور الدين أمرابط أو مبارك بوصوفة أو غيرهم لا يمكن أن تعثر عليهم في بطولة كسيحة مثل بطولتنا، لكن بالمقابل هاته البطولة الكسيحة لا يجب أن تظل كسيحة يقتلها اللعب المالي والسياسي والنفوذ المبالغ فيه، وبقية الصبيانيات التي يعرفها الجميع، والتي يحفظها عن ظهر قلب الجميع والتي يسكت عنها الجميع. هاته البطولة يجب أن يكون لها معنى أو لنلغها تماما وننسى الموضوع. لنطور مستوى هاته اللعبة في بلادنا بشكل جدي وحقيقي مادام شعبنا يراهن عليها بهذا الشكل الرائع، ومادامت أكثر من خمسين ألف مشجع مغربي قد ملأت ملعب موسكو فيما البقية الباقية من الأربعين مليون مغربي هنا التصقت بجهاز التلفزيون تدعو ربها أن ينصر الأسود. الناس هنا تحب الكرة، وتحب البلد، وتحب الانتصار. من يستطيع أن يحقق لنا الموازنة بين هاته الثلاثية مرحبا به وأهلا وسهلا. من لا يستطيع أن يقدم لنا إلا البكاء والعويل والإشادات الكاذبة بالإنجازات غير الموجودة على أرض الواقع «يورينا عرض كتافو آلخوت». قالها المغربي منذ القديم ونكررها على لسانه جميعا «جيب العز ولا كحز» و«ديما مغرب» قبل وبعد وفي منتصف كل الأشياء.