كأوراق الشجر، بدأ يتساقط بعض ممتهني «الوساطة» لدى الهيئة القضائية بابتدائية إمنتانوت في يد العدالة، ليتلقفهم قفص الاتهام وحبل تهمة «النصب» ملتف حول أعناقهم. أشخاص اتخذوا من فضاءات المؤسسة القضائية المذكورة مجالا للكسب غير القانوني، فدأبوا على مزاحمة المتقاضين وأصحاب الملفات وعيونهم تتفحص الجموع بحثا عن «طريدة» مناسبة لنصب الشباك في طريقها، وإيقاعها في براثن» ضياع الجهد والمال«. انتبهت الأسرة القضائية بالمحكمة لهذا الصنف من» المتطفلين»، وما تسببه اقترافاتهم من إساءة ومس بسمعة القضاء والقضاة على حد سواء، ليكون القرار ضرورة مواجهة هذا «الغزو» بالمتعين من إجراءات قانونية ومتابعة، كل من ثبت تورطه في هذا الفعل المجرم قانونا. فلم تكد هيئة الحكم بغرفة الجنح التلسبية بالمحكمة ذاتها، تصدر حكمها في أول قضية تعرض عليها في هذا الشأن، والحكم على المتهم بأربعة أشهر حبسا نافذا على خلفية ضبطه متلبسا بالنصب على مواطن بقضاء الأسرة، أراد تزويج نجلته القاصر، وتقدم منه المعني بصفته من «فكاك لوحايل»، تمنحه علاقاته بأهل الحل والعقد بالمحكمة إمكانية الوساطة والتوسط لكل راغب بطي صفحة قضيته، ومن ثمة تسلمه مبلغ 2000 درهم من المواطن «المحتار» كواجب «تسليك» إذن الزواج لابنته القاصر (لم تكد تطوى صفحة القضية)، حتى باشرت الهيئة القضائية نفسها محاكمة شخصين آخرين (رجل وامرأة) دأبا على تصيد بعض المتقاضين بادعائهما التوفر على مفاتيح «باص بار تو» للولوج لمكاتب مختلف الهيئات القضائية بالمحكمة، وتذليل كل الصعاب، لتيسير ما أشكل بالملفات والقضايا المعروضة. المعنيان اكتسبا جرأة زائدة، وشرعا بالتردد على مبنى المحكمة في غفلة من الجميع، وتصيد الضحايا وإيهامهم بقدرتهم على التوسط في ملفاتهم وقضاياهم لدى القضاء، وطبعا مقابل أجر معلوم يتم الاتفاق وتلقيه مسبقا. انتباه بعض المسؤولين لما يلصق بالأسرة القضائية من إساءة وتشهير على يد المعنيين، فتح عليهما أبواب المساءلة بعد توقيفهما متلبسين بالجرم المشهود، ومن ثمة إحالتهما على المصالح الأمنية المختصة للبحث معهما في المنسوب إليهما، حيث لم يجدا بعد مواجهتهما بالقرائن الدامغة بدا من الاعتراف بالمنسوب إليهما، وبكونهما قد تمكنا من النصب على بعض المتقاضين السذج وتحصيل مبالغ مالية عد بعضها بملايين السنتيمات. المعلومات المتوفرة، تؤكد أن الثنائي المتابع لا يعدو كونه حلقة واحدة ضمن سلسلة متكاملة من أشخاص، نجحوا في تشكيل شبكة توزع الأدوار بين أعضائها للإيقاع بالضحايا من المتقاضين، وإيهامهم بقدرتهم الخارقة على التدخل لطي ملفاتهم وقضاياهم أو إصدار أحكام في صالحهم، حيث اكتسبوا خبرة واحترافية كبيرة في هذا الشأن، وظلوا يمارسون اقترافاتهم بعيدا عن أنظار الأسرة القضائية، بالنظر لمراكمتهم خبرة واسعة في التعاطي مع الضحايا،وإجبارهم على الركون للصمت، وعدم التبليغ حال اكتشاف زيف ادعاءاتهم، ما شجع عناصر الشبكة على التمادي في ممارستها إلى أن انتبهت النيابة العامة، وأعطت تعليماتها بمطاردة عناصر المجموعة، ما أسفر عن توقيف المتهمين في انتظار اقتناص باقي المتورطين الذين حددت هوياتهم، وتم تسييجهم بحبال مذكرات بحث وطنية.