بالصدفة، ألفت المخرجة فريدة بورقية نفسها مدفوعة للاشتغال على موضوع فيلمها السينمائي الأخير الموسوم ب« زينب النفزاوية». لم تكن تعرف هذا الاسم، ولم يمر عليها من قبل، وتجهل عن هاته الشخصية كل شيء بالصدفة مرت على ثانوية من الثانويات فأثار انتباهها اسمها، كان أول سؤال بديهي تبادر إلى ذهنها: من تكون زينب النفزاوية؟كان هذا منطلق بداية رحلتها للبحث في مراجع التاريخ، وعبر الشبكة العنكبوتية عن حقيقة هذا الاسم « اكتشفت أن زينب شخصية حكمت مراكش في فترة من فترات الحكم بالمغرب، تملك ذكاء كبيرا وكانت لها شخصية تختلف جذريا عن كل النساء، كانت امرأة تطبق شرع الرجل بمعنى أن الشرع عطاها ربعة..»، تقول المخرجة فريدة بورقية. قد يبدو هذا الأمر غريبا، لكن حينما ندخل إلى التفاصيل نكتشف حقائق مثيرة حسب فريدة. زينب النفزاوية تزوجت من أربعة رجال، حصلت على طلاقها من ابن عم يوسف بن تاشفين، وتزوجت هذا الأخير باعتبارها الزوج الرابع، لكن كان حب حياتها الأول والأخير، لم تحب رجلا لا قبله ولا وبعده، تزوجت فعلا زيجات سابقة، لكنها حافظت على عذريتها ولم يمسسها أي واحد من الأزواج الثلاثة أو يفتض بكارتها، سوى السلطان يوسف بن تاشفين. زينب بنت إسحاق النفزاوية لم تكن امرأة عادية، بل جمعت بين الحسن والجمال وإدارة أمور الحكم بعقلها الرصين وبعدها النظري، وفي هذا قال عنها ابن خلدون «كانت إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة»، بات يطلق عليها بسبب قواها الخارقة الساحرة والمشعوة، بل وأنها من كانت تحكم مراكش وليس يوسف بن تاشفين استنادا إلى الشعودة. ما ساهم في إطلاق هذا الوصف عليهاعلاجها لبعض الأمراض عن طريق وصفات تخلط فيها الأعشاب الطبيعية. هذه المزايا والخصال جعلتها من أشهر نساء المغرب في عهد الدولة المرابطية. وسلطت عليها أضواء المؤرخين، إذ قال عنها الناصيري صاحب كتاب الاستقصا بعد زواحها من يوسف بن تاشفين عام 454 هجرية «فكانت عنوان سعده، والقائمة بملكه، والمدبرة لأمره، والفاتحة عليه بحسن سياستها لأكثر بلاد المغرب». وفي سياق المعنى نفسه، سار ابن الأثير في كتابة الكامل، إذ قال «كانت من أحسن النساء ولها الحكم في بلاد زوجها ابن تاشفين ». لا ينكر المؤرخون كبير فضلها في بناء مدينة مراكش، وتناقلوا عبر كتبهم أنها كانت امرأة ذات طموح جارف، قوية الشخصية، ولها نظر ثاقب ، بل وكانت لها القدرة على رسم خطط استراتيجية للحرب، شخصية بمثل هذا الزخم والثراء هل يمكن أن يحيط بكل أبعادها فيلم سينمائي من ساعة ونصف أو ساعتين؟ لفيلم المخرجة فريدة بورقية حول زينب النفزاوية له قصة قبل أن يغدو فيلما سينمائيا، كان في أصله مسلسلا تلفزيونيا من ثلاثين حلقة. تقدمت به عام 2004 إلى القناة الثانية، كان جوابها «الله غالب ما كاين الفلوس، وفي المقابل الفلوس تحضر لأعمال أخرى تمر دون أن يلتقطها أي ردار ضد الرداءة. منذ ثلاثين حلقة، سيمسخ المسلسل إلى خمس عشرة حلقة حينما سيصل إلى تلفزيون دار البريهي أي الأولى. القناة اتصلت بالمخرجة تطلب عملا من أعمالها بناء على نجاجات راكمتها في أعمال درامية سابقة. المخرجة لم تتأخر في تقزيم حلقات العمل، وقدمت ملخصات للعدد المطلوب العام الماضي . لم تتلق أي جواب أو كلام. «علاش بغيت غير نفهم علاش ما فهتش، وكاينين أعمال أخرى حصلت على الموافقة من مائة وعشرين حلقة، علاش العمل التاريخي مايدارش، علاش مايدارش على الأقل مرة في رمضان الله أعلم...» تتساءل مخرجة «جنان الكرمة». بعد رحلة الأولى ،الثانية وعودة فريدة منها بخفي حنين، حولت المسلسل إلى فيلم سينمائي، تنتظر إطلاق سراح الشطر الأول من دعم المركز السينمائي، حينما يقترب موعد تصويره شهر يونيو القادم، وفي انتظار أن يستفيد المخرجون السابقون لها من حيث مواعيد انطلاق تصوير أعمالهم. «صعيب الواحد يدير السينما في هاد الوقت» تقول بورقية. سبب هذا الموقف أن ميزانية فيلمها التاريخي الجديد تقدر بحوالي 800 مليون سنتيم، ولن يحول لها صندوق الدعم سوى مبلغ 380 مليون سنتيم، إذا كيف ستدبر أمر المبلغ الباقي؟ تجيب المخرجة «خصك دبر راسك وتبدا تقلب على منافذ مالية أخرى سواء بطرق أبواب القناتين الأولى أو الثانية. أو تضطر إلى التقليص من المستلزمات التقنية والفنية المتطلبة في العمل خاصة على مستوى الديكور أو الإكسسورات أو تبحث عن فنانين لا يطلبون مبلغ عشرين أو ثلاثين مليون سنتيم...». سبب آخر يبرر صعوبة العمل السينمائي، وضعف مردوديته المالية أن المخرجة فريدة بورقية ماتزال مدينة للمركز السينمائي المغربي عن فيلمها السينمائي الأخير «طريق لعيالات» بخمسين مليون سنتيم ثمن معالجته على مستوى الصوت والمونطاج وزيادة حجم البيليكيل، علما أن جزءا من هذه المرحلة كان بالعاصمة الاسبانية مدريد. وإذا أضفنا هذا الدين «أن المركز السينمائي يقتطع نسبة مبلغ تسبيقه، والموزع يحصل على نسبة ، وقاعات العرض تأخذ نصيبها ماذا سيتبقى للمخرج؟ نسبة ضئيلة جدا. كان تيبقى لينا في الأسبوع أثناء عرض طريق لعيالات لي بقا بزاف في القاعات ما بين عشرين وثلاثين ألف درهم» تقول بورقية كل هذه المعوقات لن تثن فريدة عن خوص غمار هذا العمل السينمائي ، وإيجاد تخريجة للتأقلم مع هذا المناخ، وحددت موعد منتصف الشهر الجاري لإنطلاق عملية الكاستينغ، إذ ستنتقي نخبة ممثلين سيركبون معها صهوة هذه المغامرة .