قال الروائي والناقد المغربي محمد برادة، السبت بالدار البيضاء، إن الأديب المغربي الراحل ادموند عمران المليح استطاع في كتاباته بلورة نوع من كتابة الذاكرة المعتمدة على التفاصيل واستعادة مراجل الحياة، لتصبح الذاكرة قنطرة نحو إيجاد نوع من الواقع وتتعداه نحو الانفتاح على آفاق جديدة. وأضاف برادة، خلال ندوة نظمت حول ذاكرة المفكر والكاتب المغربي اليهودي الراحل إدموند عمران المليح على هامش المعرض الدولي ال23 للنشر والكتاب بمناسبة الذكرى المائوية لميلاده، أنه حاول استحضار الذاكرة المنسية واستحضار العناصر المهمة في تجربته الأدبية. ورأى برادة أن عودة المليح إلى الأدب مفيدة جدا، لأن صوته كان يذكر أن الكتابة الأدبية تختلف عن باقي الكتابات من خلال التطرق بالخصوص للذاكرة في معناها الشمولي ومحاولة تحطيم سجن الهوية المنغلق والتفاعل مع ما يعيشه المجتمع لتحرير الذات من مخلفات الماضي وطرح أسئلة حول المستقبل. وأكد، خلال هذا اللقاء التكريمي الذي نظمته وزارة الثقافة ومؤسسة إدموند عمران المليح، أن الأديب المغربي الراحل حرص بعد رجوعه ال المغرب على ربط علاقات مع الكتاب المغاربة وتوطيد علاقات مع الفنانين والرسامين وكتابة الكثير من المقالات والدراسات حول الفن. وأبرز محمد برادة أن أهمية إدموند عمران المليح تعود لوجوده كشخص وتحقيقه لنوع من الإشعاع، مضيفا أنه كان يكن حبا كبيرا للدارجة التي وجد فيها استعارات لغوية استعملها في رواياته. ودعا برادة مؤسسة إدموند عمران المليح إلى تجميع الأحاديث التلفزيونية والإذاعية للأديب والكاتب المغربي الراحل وإعادة بثها لما تحتويه من قيمة فنية وثقافية مبدعة. ومن جانبها ، قالت كريمة يثربي، أستاذة اللغة الفرنسية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الحسن الثاني بعين الشق بالدار البيضاء، أتها خصصت كتابها الجديد "حفيف الذكريات" للحديث عن الكاتب المغربي الراحل إدمون عمران المالح وأعماله، حول الأدب والفلسفة لما تمثله من قيمة جمالية ابداعية في تاريخ الهوية المغربية. وأضافت يثربي أن إدموند عمران المليح كتب مجموعة من الروايات التي تجسد مغربا متعايشا يسمع من خلاله صوت منفرد، تطرق فيها للذاكرة في مزيج متناغم ومتسامح يصف تعايش الطائفة اليهودية في المغرب، وارتباطها بالأرض. وأوضحت الباحثة أن إدموند عمران المليح جسد حقيقة الشعب المغربي واشتغل على التعدد وثراء الثقافات المتعايشة فيه والتبادل الناتج عنها، مبرزة أن الكاتب الراحل، الفخور بمغربيته والرافض للنسيان والقطع مع الماضي والذكريات، ترك صفحات جميلة من التاريخ المغربي الجميل والمتعايش والمنفتح على كل الحضارات. وقالت يثربي إن "هذا اللقاء يشكل فرصة لإعادة الاعتبار لتاريخنا وللطائفة اليهودية كجزء منصهر فيه، وضرورة تعريف الفئات الناشئة بهذه الطائفة وأثرها في الحضارة المغربية، وتربيتها على التسامح واستغلال هذه القسيفساء الثقافية والحضارية على الساحة الفنية في تعزيز قوة بلدنا المغرب المتعدد والمنفتح". وقال الأستاذ الجامعي بكلية ابن طفيل بالقنيطرة زهير زغيغل ، من جانبه، إن الأدب والفلسفة شكلا وجهان لعملة واحدة عند إدموند عمران المليح الذي عاش الحربين العالميتين وزامن مجموعة من الأحداث التاريخية التي مكنته من الوقوف على العديد من الحقائق واستخلاص مجموعة من الدروس والعبر كان لها الأثر الجلي في كتاباته. وسجل الأكاديمي أنه قام في أطروحته بدراسة عناوين مؤلفات إدموند عمران المليح، التي كانت "فريدة وذات حمولة ثقافية وفلسفية قوية"، ثم تطرق لطريقة المليح في تجسيد ووصف اللوحات الفنية التي كان يكتب حولها بأسلوب جمالي، واصفا المبدع الراحل بشاهد شعبي ذي علاقة وثيقة بالكلمات التي كان ينجح في استعمالها في الحديث والتعبير. أما الناقد أنور بنمسيلة فقد قال إن كتابات المليح كانت تلامس أعماق الفن والفلسفة بانفعالات وأحاسيس خاصة بالكاتب، رافضا أن يصنف كتاباته بالأدبية لأنه كان يكتب في السياسة والفن والرياضة إضافة إلى باقي الأجناس. وسجل بنمسيلة أن الفلسفة ليست نظرية عند المليح بل واقعية يجسدها في حياته التي عاشها بين مختلف الدول، وقسم حياة الكاتب الراحل بين ثلاث مراحل، خيث أطلق على المرحلة بين 1945 و1954 بالسياسية، وبين 1959 و1965 بالفلسفية، ثم مابين 1980 الى وفاته بالأدبية. وقد كان هذا اللقاء فرصة للمتدخلين والمشاركين لاستحضار الإنجازات الإبداعية للكاتب الراحل الذي بدأ الكتابة في سن متأخرة (60 سنة)، لكنه كتب اسمه من ذهب في سجلات الكتابة المغربية انطلاقا من خلفية ميزته عن باقي الكتاب. وقد ترجمت أغلب أعمال الكاتب الذي توفي سنة 2010 من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، ومن أبرز مؤلفاته (المجرى الثابت) سنة 1980 و(أيلان أو ليالي الحكي) عام 1983 و(ألف عام بيوم واحد) عام 1986 و(عودة أبو الحكي) عام 1990 و(أبو النور) عام 1995 و(حقيبة سيدي معاشو) عام 1998 و(المقهى الأزرق: زريريق) عام 1998 و(كتاب الأم) عام 2004.