كان و لا زال الحقل الديني ذاك السندان الذي يطرق أبواب الأنفس و الخواطر و يجلي معالم الصلاح وغيره من أجل بناء مجتمعي رصين، دأبت المؤسسات الدينية في بلدنا على مسايرة كل المستجدات و التطورات بغية الحفاظ على مسار التطورات المحلية و الخارجية و بغية الحفاظ على معالم المقدس الديني في المملكة، حيث عرف الحقل الديني المغربي في الآونة الأخيرة جملة من الجهود التحديثية في جل جوانبه. فكما هو معلوم أن أي نشاط ينبني على عناصر أساسية هي: القائم بالنشاط، ماهية النشاط، الحيز المكاني للنشاط، لمن يقدم هذا النشاط. هي عناصر يلزم مراعاتها في أي نشاط، وما بالنا في نشاط متعلق بالحقل الديني، وهذه العناصر رصت لها جهود كبيرة لتكون ذات مردودية و فاعلية، فكان الخطاب موجه لمكونين أساسيين هما المجال الذكوري و هو تشاركي مع النساء في معظمه خلاف الجانب المتعلق بالنساء و هو المقصود في هذه المداخلة. الكل يعرف أن الحقل الديني عرف توجه مولوي كبير في جوانب عدة من خلال فتح المساجد، و إعمال المندوبيات الجهوية لبرامج محو الأمية منذ عقد، و زيادة و تأطير المجالس العلمية للحياة الدينية في الوعظ و الإرشاد منذ عقود خلت، و ما كان في الطفرة النوعية لبرنامج المرشدات و الأئمة، هنا إشارة بسيطة إلى أن كل هذه القنوات الرسمية المستند عليها في الحقل الديني كروافد و نوافذ لكل جوانبه تقف بدورها على ما أشرت إليه سابقا في تعداد عناصر أي نشاط و ما دام حديثنا عن الجانب المتعلق بالنساء كحلقة قوية في المجتمع و فاعلة في كل جوانبه. وعليه نتذاكر سويا كلما ذكر أمر عن الدين بدا في المتخيل المسجد و المرأة العالمة والفقيهة التي أخذ منها المشيب حظه، والجلوس ضمن الحلقة القرآنية و هلم جرا، هذه الصورة النمطية في أذهان الكثيرين في زمن التقدم التكنولوجي الباهر و القاطع للنفس في المسايرة، كيف نجمع بين هذا و مجتمع ثلثيه في ريعان الشباب، و ما كان من المؤسسات المعنية اتجاه الأمر؟ لا ينكر أحدا الجهود المبذولة في المجال سواء في القائمات بالنشاط الوعظي أو الإرشادي أو التوجيهي في المساجد باعتبار هو الحيز المكاني الأوحد المعتمد من المؤسسات الرسمية، وهو بقداسته لا يلبي حاجات الفئة الشابة إذا أردنا أن يكون تحصين و إفادة ومردودية في المجتمع، فمسألة إعادة النظر في المرافق الخادمة لتطلعات الفتيات كقاعات مجهزة بأحدث وسائل التواصل من أجل إيصال الخطاب الديني في حلته المعتدلة و البسيطة بطابع علمي و آني في مراده،و بعدها ماهية النشاط و مكونه العلمي فإن كان درسا وعظيا فأساليب الوعظ لم تعد تلك الورقة من الرقائق التي تتلى بصوت خافت و مصاحبة لبكاء و نقول أن الرسالة وصلت و أثرت بل الصورة و الحركة و اللون و القصة و الشريط الموصل للرسالة في حلة تعمل في عقل المتلقية عمل السهم و عمل الوصلة الاشهارية ذات البعد ألقيمي الهادف. و أخيرا القائم بالنشاط و هذا لأهميته يجب العمل بكل القوى من أجل اختيار الواعظة والمرشدة و المتفقهة و الموجهة في أرقى الدرجات العلمية من حيث التكوين و فقه الرسالة التي تعمل بها و لها، و فقه المستهدفة من الرسالة فيكون آنذاك اختيار المناسب شكلا ومضمونا و علما و عملا، و إن كانت تجليات هذا الأمر بدت مؤخرا حيث صرنا نلحظ شابات في مقتبل العمر في مجال الوعظ و الإرشاد بالمجالس العلمية و أيضا ذوات شواهد عليا مؤطرات لدروس محو الأمية بالمساجد أيضا و أخيرا المرشدات خريجات معهد محمد السادس للائمة و المرشدات . فإن قلنا أن تشبيب المجال في شكله العام يبدو كذلك، لكن في عمق المسألة إذا كانت العاملات بالحقل الديني يقمن بإيصال مضمونالرسالة إما عقيدة أو عبادة أو سلوك كما هو معتمد في المملكة ، فيلزم تقديمها بحلة تجعل الفتيات مقبلات عن المساجد، ناهيك عن ضرورة الأنشطة شبابية التي من شأنها أن تبعث روح العطاء في الجانب التوعوي النسائي و لا يبق حكر على ساعات من الوعظ والحديث عن أحكام الغسل و الطهارة، أو تبقى القائمة بالنشاط تلك المؤطرة أو الواعظة أو المرشدة التي ألفت الخطاب الموجه لفئة تحسبها أمية بل يرقى الخطاب إلى خطاب نوعي راق بأساليبه و آلياته و كل الحيثيات المحيطة به، آنذاك يمكننا أن نقول خطابنا الديني فقه الحال و المآل و ساير الزمان و المكان و لم يبق على الصورة النمطية التي ترسخت بالأذهان، أن أهل المشيب هم عمار المساجد، فزمن النبي عليه الصلاة و السلام كان الشباب عنوان لكل الزمان و المكان. باحثة في الاجتهاد المعاصر و فقه الواقع