في لقائه مع المجلس الجهوي لحزبه بالرباط، دعا عبد الإله ابن كيران الطبقة السياسية والثقافية والصحافية إلى الإجابة عن سؤال: من المسؤول عن تعثر تشكيل الحكومة؟ دعوة رئيس الحكومة المعين هي من صميم النقاش العمومي، الذي يجب أن يتخذ شكل حوار مبني على الرأي والرأي الآخر، ومبني خصوصا على الإنصات. في البداية لابد من التأكيد على ضرورة استبعاد عقلية المؤامرة، والتحرر من الإحساس بأن كل منتقد أو مناقش للشأن العام هو مغرض أو مدفوع من جهة ما، أو يشتغل وفق أجندة معينة. بكل بساطة لأن هذا التفكير، أي الانطلاق من الاعتقاد بوجود مؤامرة، يقتل الحوار في مهده... وقبل أن أبدي بعض الملاحظات، وهي مجرد رأي من صحافي بسيط، لابد من الانطلاق من كوني لا أنتمي إلى أي حزب سياسي ، يبتغي المزايدة أو ينافس على المناصب والمقاعد. كما أنني لست مغرضا ولا مدفوعا، بل هي مجرد ملا حظات لتلبية دعوة المناقشة، أتمنى أن يتسع لها صدر السيد ابن كيران. أولا: السيد عبد الإله ابن كيران قال في الاجتماع السالف الذكر، إنه ليس مسؤولا عن الفشل في تشكيل الحكومة، وهذا كلام مردود عليه. فرئيس الحكومة المعين هو الذي يتحمل مسؤولية تشكيل الحكومة، وكل فشل يعود له وحده، ولا يمكنه التنصل من هذه المسؤولية. تشكيل الحكومة لن يقوم بها أي أحد آخر غيره، فهو المسؤول بالدرجة الأولى. يبقى الأمر منوطا، برؤيته في تشكيل هذه الحكومة، وتحديدالحلفاء الذين يسايرون برنامجه الحكومي وبطريقته في تدبير المشاورات. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن عملية تحديد الحلفاء قبل تحديد الخطوط العريضة للبرنامج الحكومي، يعتبر خللا من البداية قد يكون من بين أسباب التعثر الحاصل لحد الآن. ثانيا: السيد عبد الإله ابن كيران طرح إشكالا حقيقيا يجمل طريقة قيادة مشاوراته، وكيفية تدبيره لتشكيل التحالف الحكومي. لقد قال إنه محتاج للتجمع الوطني للأحرار، لأنه حزب يتوفر على «بروفايل»، المغرب في حاجة إليه في هذه المرحلة. لكنه يرفض بالمطلق أن يكون للتجمع الوطني للأحرار رأي في شكل التحالف الذي يرغب في العمل معه. أليس في هذا الأمر تعسف ومنطق يقوم على مقولة « أنا محتاج لكم لكن يجب أن تكونوا معي بشروطي»؟ لست هنا أدافع عن حزب التجمع الوطني للأحرار ولا عن خياراته، لكن هو رد على منطق رئيس الحكومة، الذي ما زال يقوم على المظلومية والتمسكن وفرض الخيارات... ثالثا: تحدث السيد رئيس الحكومة عن حزبه وقوته وشعبيته وغيرها من الأمور، لكنه انطلق من عملية إحصائية لم يقرأها في شموليتها. صحيح أن حزب «العدالة والتنمية» حصل على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، وهي المرتبة التي تخول له رئاسة الحكومة. غير أن عدد الأصوات والمقاعد التي حصل عليها لا تخول له إمكانية الحديث باسم كل الشعب المغربي. وهنا لابد من الوقوف عند قضية التوجه الإيديولوجي، الذي اعتبره ابن كيران غير ذي معنى ولا مشكلة فيه. إن توجه «العدالة والتنمية» الإيديولوجي هو الذي يختلف معه جزء كبير من المغاربة. هناك مغاربة، لا خلاف لهم مع العدالة والتنمية إلا في هذا التوجه وذلك لتعارضه، بل ومناقضته، للحداثة والديموقراطية. رابعا: وهذه الملاحظة لها علاقة بسابقتها، وهي مسألة الديموقراطية. لقد قال السيد عبد الإله ابن كيران بأنه «ما كاينش شي حزب اللي كيطبق الديموقراطية بحال حزبنا»، وهذا كلام كبير جدا... لا أرغب في التوسع في هذه النقطة، بل أكتفي بالرد عليها بما يقوله منتمون لهذا الحزب الذي لا يمكن لأعضائه التدرج في المناصب إلا إذا كانوا من المنتمين إلى حركة «التوحيد والإصلاح». وللناس أن يحكموا على هذه الديموقراطية التي تقوم على تمييز واضح بين أعضاء الحزب الواحد. تمييز يحدد معاييره التنظيم الأصل، وهو الحركة. وعلى أساسه تكون المرتبة المستحقة سواء في الترشح للبرلمان أو الجماعة أو الحكومة .... وهنا لابد من الحديث عن الديموقراطية ومفهومها ... فما نفهمه من كلام رئيس الحكومة المعين، و هو نفس ما يردده باستمرار منتمون لحزب «العدالة والتنمية»، يبين أن هؤلاء يحصرون مفهوم الديموقراطية في صناديق الإقتراع وكفى. وهذا الفهم انتهازي بشكل كبير، لأن الإنتخابات ليست سوى آلية لأجرأة الفعل الديموقراطي، وليست هي الديموقراطية. أما الديموقراطية الحقة، فهي جملة من القيم على رأسها الحريات . كما تستلزم فصل الدعوي عن السياسي في تدبير الشأن العام. إضافة إلى البناء العقلاني، الوضعي، الذي يحدد، بشكل واضح، العلاقة التي تربط المسؤول بعملية تسيير الشأن العام، مما ييسر ربط المسؤولية بالمحاسبة. أما الملاحظة الخامسة فتتعلق بقول السيد عبد الإله ابن كيران «بقاو تابعيني». هذه الجملة ليست سوى تعبير انفعالي لا معنى له. إنكم السيد ابن كيران رئيس معين للحكومة. وأنتم شخصية عمومية يرتبط بها المغرب والمغاربة قانونيا ، ولكم علينا واجب أن «نبقاو تابعينكم» وعليكم أن تكونوا في مستوى تطلعاتنا، لا لشخصكم المحترم، ولكن للمسؤولية التي تتحملونها...