لا يوجد بين الأجيال لا شكر ولا احتفالات مواسم الحصاد. ربما تلخص هذه الشذرة للكاتب السويسري إميل باشنونغا جوهر الصراع بين الأجيال. لقد بات تقريب الهوة بين الشباب والمسنين، إشكالية تلقي بظلالها على جميع دول العالم تقريبا. ففي معظم الدول الصناعية يحتل السكان البالغون أكثر من ستين عاما أكثر من عشرين في المئة من الساكنة. وبحلول ألفين وخمسين، ستسجل الشيخوخة نسبا متقدمة في عدد من الدول من بينها الصين التي يوجد بها أكبر عدد للسكان في العالم. فما تأثير ذلك على المجتمع؟ وأي مشاكل ستنجم عن هذه الوضعية؟ لا ريب أن الامكانات أصبحت اليوم نادرة مقارنة مع السابق. وضعية تعزز الصراع بين الأجيال سواء على مستوى طريقة العيش أو على المستوى القيمي أو حتى على مستوى الاختيارات. وفي هذا الصدد يبقى بريكسيت والانتخابات الأمريكية أكبر نموذج على هذا الصراع. ففي حالة انتخابات البيت الأبيض، أظهرت استطلاعات الرأي ليوم الانتخابات أن ثلث الشباب فقط، من صوتوا لصالح ترامب. بينما حصل على أكبر عدد من الأصوات من كبار السن. وهم من حسموا فوزه في الانتخابات الرئاسية. ولسنوات طويلة يهتم الباحث الديموغرافي الألماني هارالد فيلكوسيفسكي بالسلوك الانتخابي بين الشباب والمسنين. ويرى أن الانتخابات الأمريكية وال"بريكسيت" قدمت لنا مفاتيح مهمة لفهم عدد من العوامل الأخرى. ففي حالة ترامب رأينا أن أولئك الذين صوتوا له، كانت لهم أيضا وجهات نظر في قضايا الهجرة والنمط الثقافي وهم قلقون لأن الغالبية البيضاء أصبحت مهمشة بعض الشيء". وهذه الصورة الثقافية النمطية هي الأخرى لعبت أيضا دورا كبيرا في ال"بريكسيت". كان الفرق في السلوك الانتخابي بين الشباب وكبار السن كبيراً للغاية في نظر فيلكوسيفسكي. إذ صوت واحد فقط من أربعة شباب لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. واختلفت النتيجة كلما تقدم سن الناخبين. فهل ينطبق هذا السيناريو على باقي الدول الصناعية؟ كان جواب فيلكوسيفسكي: "وضعنا مؤشراً لقياس ذلك، واتضح أنه في التسعة عشرة بلدا التي راقبناها سيخسر الشباب في صناديق الاقتراع. إن الشيخوخة هي الواقع الذي يشمل الدول الصناعية كلها. وعندما يكون هناك اختلاف في المواقف بين الشباب والمسنين، فإن الكلمة الفصل تكون لكبار السن". ما العمل إذن لتقريب الهوة بين الشباب والمسنين؟ مستقبلا لا بد للسياسيين من الاهتمام بقضايا الشباب. كما أن الشباب لابد لهم من الاهتمام والالتزام بقضايا السياسة. إننا نعرف أن نسبة التصويت تكون أضعف لدى الشباب مقارنة مع المسنين. وفي الوقت نفسه لابد من الاشتغال على التوعية السياسية لدى كبار السن أيضاً، فهذه المهمة ليست حصرا على الشباب فقط. على ضوء ما سبق يبدو أن الحاجة ملحة لوضع تصور مستدام لمواجهة صراع الأجيال، الخطر الذي يهدد الاستقرار الاجتماعي.