هل تصدق مقولة الفيلسوف الألماني نيتشه: "الديمقراطية الحديثة هي الشكل التاريخي لاضمحلال الدولة"؟ أم أن حكمة أبراهام لينكون تختزل ما وقع في الولاياتالأمريكيةالمتحدة الثلاثاء الأخير: "الديمقراطية هي حكم الشعب بواسطة الشعب من أجل الشعب". بين قولة نيتشه وحكمة لينكون، انقسم العالم بين مؤيد ومحبط على نتيجة الانتخابات الأمريكية التي بوأت رجل الأعمال دونالد ترامب رئيسا للبيت الأبيض. برلين وكغيرها من العواصم الأوربية، أصيبت بالخرس لساعات طويلة، قبل أن يخرج وزير خارجيتها فالتر شتاينماير ليصرح بأن "الشعب الأمريكي عبر عن اختياراته". من دون شك أن تصريحات ترامب لعبت دورا كبيرا في توجيه الرأي العام العالمي والاعلام الدولي. ولا ريب أن تصريحاته الغريبة، بعضها عنصري وبعضها الآخر شوفيني. فترامب لم يترك أحدا إلا وأهانه. أعتقد أننا كنا أمام دعايتين انتخابيتين، واحدة عالمية وأخرى يخوضها الشعب الأمريكي. حملة عالمية انتصرت لهلاري كلينتون ولم تهتم بما يعتمل داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية ولا بتوجهات الناخب الأمريكي الذي تعود له كلمة الفصل النهائية في مستقبل البيت الأبيض. يبدو أن الناخب الأمريكي كان مهتما بقضايا أخرى لا علاقة لها بما كان يروج في الصحافة العالمية. وبرأي الخبراء الاقتصاديين، فإن حصيلة الديموقراطيين الاقتصادية بزعامة أوباما، ايجابية جدا والأرقام تؤكد ذلك، فمعدل النمو سجل أكثر من إثنين في المئة، وهو معدل كبير بالنسبة لدولة صناعية، كما أن ارتفاع الدخل الفردي السنوي، هو الآخر ارتفع من خمسين ألف دولار إلى ستة وخمسين ألف دولار. هذا بالاضافة إلى انخفاض البطالة من أكثر من ثمانية في المئة إلى خمسة في المئة. لكن لماذا لم يرض الأمريكيون على هذه الحصيلة؟ لسبب بسيط أن هناك شعور لدى غالبية الشعب الأمريكي بأن نسبة النمو الايجابية كانت لصالح الأغنياء فقط. كما أن معيار جيني لقياس التفاوتات الاجتماعية، يظهر أن غياب العدالة الاجتماعية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، لم يكن شاسعا كما هي عليه الحال اليوم، لأول مرة منذ أربعة عقود. الباحثة الألمانية كونستانسه شتليتسنميلر في العلوم السياسية في معهد بروكينغز بواشنطن، دعت في حوار لها قبل الاعلان عن النتائج الرسمية، مع إذاعة دوتشلاندفونك، إلى ضرورة استخلاص العبر من ليلة الانتخابات والاهتمام بالأسباب التي حفزت أنصار ترامب للاصطفاف وراءه. ترى الباحثة الألمانية أنه من الضروري أخذ مخاوف الناس على محمل الجد. ففي ألمانيا هناك اتساع لخطاب اليمين المتطرف، لأنه يلعب على مخاوف الناس. فرنسا أيضا تعيش على ايقاع نصر يلوح في الأفق للخطاب نفسه، وستكون معركة السنة المقبلة شرسة. وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية هناك مخاوف اقتصادية نتيجة العولمة ومخاوف ثقافية من فقدان الهوية. ويبدو أن الناخب الأمريكي كان يصوت للشخص الذي حاول أن يقدم له صمام آمان. فهل نستخلص العبر من هذه الانتخابات؟