يافعون وشباب في مقتل العمر، اختاروا الانزواء بعيدا في رقعات من الاسفلت بأماكن مختلفة من الدارالبيضاء للاستعراض والقيام بحركات بهلوانية تخطف الأنفاس. مجتمع مصغر للشباب والمراهقين، جمعهم عشق الدراجات النارية والسرعة التي تحررها محركاتها. شغف ومتعة لا تخلو من آلام وحوادث بسيطة، لكنها كذلك متعة مهددة بالزوال، ولو مؤقتا، من حين لآخر برقابة الأمن والأقارب، وقلة الأماكن المخصصة لهم للاستعراض بأريحية بدراجاتهم، بعدما صاروا أسرة واحدة وكونوا صداقات فيما بينهم. "عشران سبوت الحسن الثاني" كسر في الأنف منذ شهرين، لم يثن حمزة عن مواصلة هوايته المفضلة، والقيام بحركات بهلوانية بدراجته النارية بالقرب من مسجد الحسن الثاني بشارع لاكورينش بالدارالبيضاء. "هادي شهرين باش طحت وتهرست من نيفي"، يشرح حمزة 17 سنة، سبب اعوجاج أنفه. لازالت أثر السقطة ظاهرة على أنفه، وسببت اعوجاجا على مستوى عظمة الأنف، "كنت باغي نكابري بالموطور، ولكن مشديتش ليكيليبر وزلقت على وجهي" !.
ولع حمزة بالدارجات النارية، جعله يحول كل نهاية أسبوع وظيفة دراجته النارية المتمثلة في التنقل أساسا إلى وظيفة أخرى ترفيهية. خلال نهاية كل أسبوع، أي في ليلتي الجمعة والسبت يجتمع حمزة مع أصدقاء له يشتركون في نفس المتعة وحب السرعة ويبتدعون من حين استعراضات بهلوانية جديدة بدراجتهم النارية. "ديما كنتجمعو مع العشران، وكنقصرو بالماطر" بشغف كبير يحكي حمزة عن هوايته وعلاقته الوطيدة مع "عشرانه" كما يحلو أن يسميهم. علاقة صداقة نشأت على إسفلت شارع لاكورنيش بالدارالبيضاء، مابين شبان يافعين في مقتبل العمر، أغلبهم يدرسون في المرحلة الثانوية، ينتحدرون من مناطق مختلفة من الدارالبيضاء: من حي بوركون، كحمزة، و من المدينة القديمة والحي الحسني وحتى حي الألفة البعيد نسبيا عن مسجد الدارالبيضاء.
"قابل قرايتك" شغف حمزة بالاستعراض بواسطة عجلات دراجته النارية، وحركاته البهلوانية التي يطورها يوما عن يوم، وراءه دعم للأسرة التي اقتنت له الدراجة النارية وتوفر له مصاريف البنزين و الاصلاحات وحتى الاستشفاء بعد إصابته أخيرا بكسر في الأنف، وفيما بعد عملية تجميل لتقويم الأنف الذي تضرر بفعل هوايته الخطيرة، لكن رغم ذلك فالأسرة تدعمه بكل ما تملك من إمكانات شريطة أن يهتم بدراسته بعدما جربت المنع، لكن وجدت عنادا من حمزة حيث يقول: "واليديا كيقولو ليا قابل قرايتك هيا الأولى".
عمر: "سبوت الحسن الثاني يجمعنا" عمر عمروش ذي ال19 ربيعا، يتقاسم مع حمزة والدراجين الصغار نفس المتعة، منذ أن كان في عمر السابعة: "تأثرت بأخي الأكبر الذي كان يسوق الدراجة الرباعية "كواد" ودراجات "كروس" ويقوم بألعاب واستعراضات جميلة بها، سرعان ما انبهرت بما يقوم به أخي وحاولت أن أقلده في البداية في هذا السن تعلمت المبادئ الأولى للسياقة و ال" كابراج" بواسطة دراجة نارية صغيرة تتنساب مع جسدي آنذاك من نوع "كروس"، سقطات تلو السقطات كانت كافية لكي يتعلم عمر من أخطائه، ويطور مهاراته بدراجة نارية جديدة من نوع "ستانت".
عمر وأصدقاؤه يرون في "سبوت" أو رقعة الاسفلت، مكانا يجمعهم ويجمع شغفهم ومتعتهم، يتقاسمون المهارات ويقلد بعضهم البعض ويجربون آخر الاستعراضات، وينسقون فيما بينهم للبحث عن "سبوت" أو رقعة استعراض جديدة أو فارغة بعيدا عن الرقابة الأمنية وأعين فرق الصقور وأمن المرور بالدارالبيضاء. "كسيري تعيش فراني تموت" "كسيري تعيش فراني تموت"، هي "عقيدة" يؤمن بها عماد ذي 12 سنة، تلخص ولعه بالسرعة و التحكم بدراجته الصغيرة ال"كروس" والقيام بحركات فنية تخطف الأنظار وتحبس الأنفاس لاسيما أن الصغير يافع، وتشكل السياقة بطريقة استعراضية خطرا عليه، لكن كل هذا يحدث تحت إشراف الأخ الأكبر الذي يدعمه و عينه عليه أينما حل وارتحل، يقومان معا بحركات بهلوانية بدراجتيهما، وأكدا ل"أحداث أنفو" أن ما يقومان به بموافقة الوالدين و دعمهما المالي، "هادشي بخبار الواليدين هما لي كيشريو لينا ليصانص و"الكاريناج" ، أي هيكل الدراجة النارية المصنوع من مادة البوليستير، بل ويتعدى ذلك إلى مصاريف تأمين الدراجة وإصلاحاتها، وحتى التعديلات التي تطرأ عليها من أجل الزيادة في سرعتها وأدائها على الطريق.
تعديلات الدراجات.. اقتصاد "صغير" ينشأ دراجات "ستانت" و "سي 90" و "كروس" وحتى ال"103"، كلها تخضع لتعديلات قبل أن تدخل ل"سبوت" أو رقعة الاستعراض. تعديلات تبتدئ بتغيير العادم بآخر مصنوع من الألمنيوم، وتغيير المحرك وتقويته، حتى تنتقل الدراجة النارية من انتاج سرعة تتراوح مابين 75 و 80 كيلومتر في الساعة إلى مابين 90 و 140 كيلومتر في الساعة، لتنافس بذلك على مستوى الأداء والسرعة، الدراجات النارية ذات السعة والأسطوانات الكبيرة، بل وحتى السيارات على الطريق، وهذه التعديلات كلها لها سعر وثمن في سوق صيانة الدراجات النارية، يقول عمر عمروش: "شي مرات كيوصلو الروتوشات والاصلاحات في الموطور لجوج دلميون" أي أكثر ضعفين من سعر دراجة نارية خام وغير معدلة. نفس الأمر يؤكده حمزة، الذي زود دراجته النارية بدعامة حديدة وراء مقعد الدراجة النارية، دعامة تعمل على تثبيت الدراجة النارية وتفادي السقوط خلال الاستعراضات البهلوانية و ال"كابراج" تصل قيمتها إلى 300 أو 400 درهم حسب نوعية الدراجة وحجمها. مثل هذه الأكسسوارت والإضافات التي يعدل بها السائقون اليافعون دراجتهم، خلقت نوعا من اقتصاد مصغر أطرافه هؤلاء الشباب وتجار أكسسوارات الدراجات النارية، والحدادون الذين يصنعون الدعامات الحديدية، بالإضافة إلى تجار ملابس الدراجين وخوذاتهم، ووسائل حماية لليدين والأرجل والمفاصل، وسائل لابد أن يتوفر عليها أي سائق دراجة نارية يقوم بالاستعراض بها، لتخفف عنه نوعية المخاطر وأثر الصدمات والسقطات والانزلاقات التي تتهدده.
كر و فر مابين اليافعين والأمن أنشأ حمزة وعمر وعماد والآخرون من السائقين اليافعين، مجتمعا مصغرا لهم برقعات الإسفلت، أو ال" سبوت" حيث يمارسون هوايتهم المفضلة و استعراضاتهم، يتبادلون الأفكار والتجارب، يشاركون بعضهم نجاحات استعراضاتهم الصغيرة واخفاقاتهم وسقطاتهم، سقطات يقول عنها السائقون أنها لاتقتل"واش عمرك شفتي شي حد قتلو سكوتر؟" يتساءل السائق الصغير عماد ذي ال12 سنة، ويؤكد هو والآخرون أن الدراجات النارية الكبيرة الحجم والسعة، وسرعتها الكبيرة هي المسؤولة -بالإضافة إلى تهور السائقين- بالنظر للسرعة الكبيرة التي تحررها محركاتها والتي يمكن أن تصل إلى 230 كليومتر في الساعة، كدراجات "إير وان" و "هايابوزا" و "كاوازاكي" و فئات الهارلي دافيدسون الشهيرة.
هواية اليافعين واستعراضاتهم، غالبا ما تنتج في أحايين كثيرة كرا وفرا بينهم و بين الأمن، وكثيرا ما تطالبهم الدوريات بتعليمات شفوية بالابتعاد والتفرق، بعدما يثير تواجدهم بكثافة الريبة و الشك في صفوف الأمنيين وفرق الصقور، ويمكن أن تصل التدابير في بعض الأحيان إلى الحجز على الدراجة النارية وإرسالها إلى المحجز البلدي، وهذا كله لايروق السائقين اليافعين ويحرمهم متعتهم واستعراضاتهم، ويجعلهم يبحثون عن "سبوت" أو فضاء للاستعراض مابين "سبوت الحسن الثاني" أو "سبوت الولفة" أو "سبوت سويس" نسبة إلى فندق سويس بعين الذئاب. بغينا "سبوت" فين نلعبو أمام تزايد الملتحقين ب"سبوت" الحسن الثاني، من المولوعين بالسياقة الاستعراضية للدراجات النارية، أصبح لهؤلاء الشباب مطمح واحد: مكان قار لممارسة هوايتهم: "بغينا سبوت فين نلعبو"..
بصوت واحد وكلمة واحدة، يعبرون عن رغبتهم "حنا مكنديرو والو، بغينا غير فين نعلبو وميجريش علينا البوليس أو ياخد لينا ماطرنا"، مطلب مشروع في ظل ندرة الأماكن والفضاءات المخصصة للشباب، لاسيما هذا النوع من الهوايات التي تحولت إلى رياضات قائمة الذات ببلدان أخرى، فيما لايزال شباب سبوت الحسن الثاني يبحثون لهم عن رقعة خالية من أعين الأمن لممارسة شغفهم بالسرعة والاستعراض وهرمون الأدرينالين.. وفي انتظار تحقيق حلمهم. فقد أنشؤوا صفحات فايسبوكية تنسق فيما بينهم مواعيد اللقاءات، وتوثق استعراضاتهم ولحظات تجمعهم مع دراجاتهم النارية..