انتظرت حسناء بشوق وكثير من الأمل تحسن حالتها الصحية، هي التي ولجت المستشفى على قدميها لإجراء عملية زرع صمام القلب بقسم جراحة القلب بمستشفى محمد السادس بمراكش. حلمت كثيرا باستعادة حياتها العادية، طوال فترة التهييء للعملية التي لم تستطع أن تتدبر مصاريفها لولا مساعدة بعض الجمعيات في غياب خدمات «راميد» التي لم تستفد منها. وحتى عندما دخلت المستشفى لإجرائها زادت مطالب الفريق الطبي بضرورة اقتناء المريضة لوازم الجراحة، الشيء الذي تكفل به المحسنون لإنقاذ حياة الشابة. كان حلمها الوحيد هو إنشاء أسرة لتغمر أبناءها بالدفء والحنان. غير أن الحلم سيتوقف في منتصف الطريق وبعد أن كانت قد قطعت الشوط المهم في العلاج وهو إجراء العملية والدخول في فترة نقاهة، شابها بعض الألم والمعاناة. لم تستلم لمحنتها وبمجرد ما ارتفعت درجات حرارتها نقلتها عائلتها إلى قسم المستعجلات بمستشفى ابن طفيل بنفس المدينة لتلقي الإسعافات في أولى ساعات الصباح. انتظرت حسناء أمام قسم المستعجلات وبعد أن تأخر فحصها تقدمت عائلتها ومتابعين لحالتها الصحية بطلبات متكررة وملحة للجهات المسؤولة بالمستشفى من أجل استقبالها نظرا لوضعها الصحي الحرج وظروفها هي التي خرجت منذ أيام قليلة من عملية جراحية دقيقة. ذهبت كل الطلبات والتوسلات أدراج الريح بمبرر غياب الطبيب ولا وجود لمن يعوضه، وبدل العناية بالشابة المريضة لفظها المستشفى بدعوى ضرورة قيامها بتحاليل وفحوصات بالأشعة علما أن ملفها الطبي كان جاهزا ويرافقها باستمرار. وهذا ما يدل على أن دعوتها للقيام بتحاليل جديدة لم يكن سوى حركة لصرفها من قسم المستعجلات وحلقة من حلقات التسويف والمماطلة، دون تكليف الفريق المداوم نفسه الاتصال بالطبيب الجراح أو نائبه. ظلت حسناء تنتظر من «يحسن» إليها وتحول حقها في التطبيب إلى تسول واستجداء لم ينفعها لضخ جرعة أوكسيجين إضافية في حياتها التي توقفت وهي تنتظر العلاج. حياة أخرى لم يكتب لها الاستمرار لشخص مجهول الهوية بقسم الانعاش بشفشاون قبل أيام، وهو شخص تعرض لنزيف أثر على توازنه العقلي بشكل لم تستطع الأطر الطبية التعرف على هويته واعتقدت أنه مصاب باضطراب عقلي فأرسلته إلى مستشفى الأمراض العقلية بتطوان الذي رفض استقباله بعد التشخيص وأعاده إلى شفشاون ودون تكليف الطبيب المسؤول نفسه عناء فحصه بدقة أعاده من جديد إلى تطوان وخلال يومين ظل الرجل يسافر عبر منعجرات الطريق الرابط بين المدينتين وحالته الصحية في تدهور إلى أن لفظ أنفاسه. العديد من حالات الوفيات تسجل في المستشفيات لأسباب مختلفة. ورغم المجهودات التي قام بها الحسين الوردي منذ توليه تدبير قطاع الصحة في بلادنا إلا أن المستشفيات العمومية مازالت تعيش على وقع العديد من الاختلالات التي تسرق حياة الكثير من المرضى الذين يحلون بهذه المرافق الصحية أملا في العلاج. كلتا الحالتين هما عنوان كبير للتقصير والإهمال، وهما فقط نموذج لما يعانيه العديد من المرضى في مستشفياتنا، طبعا هناك مرضى آخرون يحضون بالعلاج والعناية ويتعافون من أمراضهم ويستأنفون حياتهم العادية، لكن حالات الإهمال التي تعجل بنهاية حياة باقي المرضى مازالت تتكرر باستمرار. كل الاستراتيجيات الصحية التي أعلن عنها في السابق لم تتمكن من الحد من هذه الآفة التي تزداد بافتقاد بعض الأطر للباقة في التعامل مع المرضى، وهو فقد يتعاظم في ظل غياب الإمكانيات والأعطاب المستمرة في أجهزة الفحص والمواعيد الطويلة التي لا تحل إلا بعدما يستفحل المرض بالمريض والرشوة والزبونية والمحسوبية التي مازالت تنخر الجسم الصحي، طبعا بدون استثناء بعض نقط الضوء التي تكاد تختفي في عتمة سوء التدبير.