لم أفهم يوما خطاب ابن كيران حول "التحكم"، أولا، لأنه ابن مشروع تحكمي، "المشروع الاخواني" حتى لا نذكره، و ثانيا، لأنه كان طوال حياته، يعرض خدماته "الدينية" و "التنظيمية" و "التنظريرية" و "السياسية".. حتى يسهل الأمر على التحكم المخزني في صراعه مع القوى الوطنية و الديمقراطية. في رسالته الى "ادريس البصري" بداية الثمانينات، يعرض ابن كيران خدماته على وزير الداخلية الأسبق، و يقترح عليه مساعدته في خططه لمحاربة اليسار مستشهدا بنجاح حركته في "تصدى الشباب المسلم الملتزم للشباب اليساري في الثانويات والجامعات".. ويشدد على "وجوب توقيف مد الإلحاد خصوصا في صفوف الطلبة"، (بعدها سنرى ماذا حصل في جامعاتنا من غزو منظم و مسلح في كثير من محطاته، قاده تيار الاسلام السياسي)، و من هذه الزاوية أيضا يمكن فهم ماكتبه ابن كيران لادريس البصري من أن "الشباب المتدين لما أكرمه اللّه به من ورع وصلاح حسب ما نعلمه عنه مؤهل لخدمة دينه وبلده أفضل الخدمات"، و يجب التركيز طويلا على مصطلح "خدمات" هذا، لأنه مفتاح ضروري لاستيعاب التحالف الاستراتيجي الذي تم عقده بين التحكم زمن ادريس البصري و تيار ابن كيران لتعطيل المسار الديمقراطي في المغرب لمدة عقود. يختم ابن كيران رسالته الى ادريس البصري بالتعبير التالي: "الخادم المطيع و الداعي لكم بالصلاح و التوفيق في كل حين"، أي أنه يعرف نفسه بأنه "الخادم المطيع" للتحكم، كيف يقول هذا و هو يعلم أن البصري يعد من "قلالش" الملك؟ أم أن وقتها لم يكن حليب السباع قد وجد طريقه الى جوفه بعد؟ ابن كيران اذن عندما كان جزءا من التحكم، و أداة من أدواته، و عضوا فاعلا في محطاته الماضية، لم يكن يشكل له مشكلا حقيقيا، مشكلته مع "التحكم" اليوم، هو أنه خارج منظومته، بل يحس أنه هو المستهدف منه، ألم يقولوا قديما: "كما تدين تدان" و "باش قتلتي باش تموت.. "، بلا.. لقد قالوها.. لقد عرض ابن كيران خدماته في مرات عديدة على التحكم، يضيق المجال لسردها كلها، وربما رجعنا لها في وقت لاحق، لكن من المهم تذكير من مسحوا ذاكرتهم، أن ادريس البصري كان يضغط على الصف الوطني الديمقراطي و يبتزهم بتيار ابن كيران، و كما أدخله للجامعة ليحارب بدلا عنه، كان يستعد لادخاله المعترك السياسي ليدفع الكتلة الديمقراطية لتنزيل سقف مطالبها الدستورية، و فعلا، صوت ابن كيران على دستور 1992، هو وصحبه و عشيرته، و فتح له ادريس البصري وسائل الاعلام ليقول للمغاربة كم هو تقدم هائل دستور 1992، و كيف أنه لا يوجد مثله في الدنيا.. ابن كيران لم يكن يهتم بالديمقراطية التي كانت تناضل من أجلها أحزاب الحركة الوطنية، لقد كان همه الوحيد هو أن يثبت مكانه الى جانب.. التحكم. و حتى عندما فتح قوس تجربة التناوب التوافقي بقيادة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، كان هناك من رموز التحكم من يستعجل غلق القوس، و من كان ينظر للحكومة "الملتحية"، و يفتح لها الأبواب و يعبد لها الطرق السيارة، و لما جاءت "الخطة الوطنية لادماج المرأة في التنمية"، لم يكن الصراع كما بدا للسذج بين من يريد الاسلام و من كان ضده، لقد كان الضرب تحت الحزام و خدش صورة حكومة واعدة في أعين الناس البسطاء، لقد كانت خطة للتسريع بغلق قوس تجربة حكومة عبد الرحمان اليوسفي (الذي نعت حينها بأنه يخدم المشروع الصهيوني (كذا !))، و مرة أخرى من وجدنا الى جانب التحكم؟ نعم!!.. انه هو!!.. لقد وجدنا ابن كيران و أتباعه، أسيادهم و عرابه. عندما فتحت المساجد و وقف من وقف في المنابر ليتبنى الطرح السياسي المعارض ل"الخطة" (المطية)، كانت الخطة الحقيقية قد وجدت محركا لتسريعها، و كل شئ تم وراء شاشة دخان كثيف، يظهر لنا كم يتشبت ابن كيران و جماعته بالاسلام أيما تشبت (زعما)، في حين أن المعركة كانت تسير في اتجاه انتصار التحكم بمساعدة التيار الديني في معركة فرملة المد الاصلاحي الديمقراطي الحقيقي. ابن كيران اذن هو سليل التحكم و ابنه الشرعي، و صراخه ضد التحكم اليوم، هو صراخ ألم، صراخ من يرفض مصيره، لكنه أيضا صراخ انسان يرى أنه اقترب من تنزيل مشروعه "الاخواني"، و ككل اخواني "أصيل"، يمكن أن "يخربها و يقعد على تلها" اذا استدعى الأمر، انه منطق "لاعب و لا محرم"، اما أن أبقى جزءا من التحكم كما كنت لعقود من الزمن، أو أنتقل الى الضفة الأخرى و ألعب دور المضطهد المظلوم. أنا لا يهمني أن يصرح ابن كيران بأن حركته ليست تابعة تنظيميا للأممية الاخوانية، ما يهمني هو أن طريقة تفكير ابن كيران هي طريقة اخوانية صرفة، هو و الالاف من أتباعه طبعا، والاخواني بالنظر للمشروع السياسي الذي يحمل، تنتابه حالتان نفسيتان لا ثالث لهما، نفسية المضطهد المظلوم، و هي حالة مستمرة في الزمن الى حين التمكين، و الحالة النفسية الثانية هي حين يتم له "التمكين"، و من يظن أن شكوى ابن كيران من "التحكم" ستتوقف لو جاء في المرتبة الأولى في الانتخابات، لم يفهم شيئا، لأن ابن كيران لن يتوقف عن الشكوى الا اذا أخد السلطة كاملة، (التمكين)، هنا فقط يمكننا أن نرى الحالة النفسية الثانية ل"الاخواني"، حيث الظلم و الاضطهاد ينتقل للخصوم و"أعداء" الاسلام من موقع الحاكم بأمر الله. "تاخوانجيت" مرض، و يجب أن نتوقف عن "تربية" الوهم بأن له دواء. هذا الدواء لم يوجد في الماضي، و لا يوجد في الحاضر، و لن يوجد في المستقبل. شادي عبد الحميد الحجوجي