يسترقون النظر بإرادتهم لمحتويات محظورة على عالم الصغار، لكن الفضول والصدفة تحملهم لدخول عالم الجنس بعيدا عن رقابة الكبار داخل قاعات الأنترنيت التي يشترط أصحابها عدم مطالعة مواد تحتوي مواضيع جنسية، أو من خلال مجالسة أصدقاء انفلتوا من رقابة الآباء وتمتعوا بحرية الابحار على صفحات الانترنيت بدون رقابة. يتجمعون خلف شاشة الحاسوب. يتبادلون الوشوشات والضحك. لا يوحي شكلهم بالارتياح وهم ينظرون إلى الشاشة حينا وإلى المارين من جوارهم حينا آخر. مشهد واحد يكاد يكرر نفسه لمجموعات من القاصرين داخل العديد من مقاهي الأنترنيت المنتشرة بالأحياء الشعبية والهامشية بالدار البيضاء. محلات الأنترنيت « آش كنقول ليك من الصباح أبنادم، الى باقي تشوف هاد الشي غادي نقولها للحاج» عبارة رددها الشاب المشرف على حراسة أحد مقاهي الأنترنيت بوجه طفل تحلق حوله مجموعة من الأطفال وهم يتابعون أحد المواقع الإباحية بتشجيع من الطفل الجالس على الكرسي والذي يبدو جليا أنه يقوم باستقطاب بقية الأطفال بسبب جرعة الجرأة الزائدة التي تبدو من خلال رده، « سير قولها لحاج مالك غادي تخلعني». يتكرر نفس الحوار بين المشرف على مراقبة المحل في غياب صاحبه الذي يؤكد أن غيابه يكون للضرورة فقط مثل الذهاب للصلاة، أو القيام ببعض المهام. «لأنني أفضل مراقبة المحل باستمرار، لأن صغر سن مساعدي لا يسمح له بضبط سير الأمور داخل المحل» يقول الحاج الذي حسم النزاع بعبارات مقتضبة وحادة توعد فيها الأطفال بالعقاب إن هم أعادوا الكرة. لم يمنع الخوف الصغار من انكار ما وقع غافلين عن امكانية الحاج في مطالعة المواقع التي كانوا يتصفحونها. حرص الحاج على مراقبة ما يطالعه زوار محله يمتد من حرصه على أبنائه وهو المهاجر الذي فضل العودة إلى المغرب خوفا من انجراف أبنائه نحو الحياة الغربية، « لكن يبدو أن الصعوبات موجودة في كل مكان» يقول الحاج الذي يرى أن مراقبة الصغار أمر صعب، خاصة أن البعض منهم لا يتعمد الدخول للمواقع المحظورة بل يكون ضحية بعض العناوين المثيرة التي تخفي ورائها روابط بمحتويات مخلة بالآداب. تستعين ببرنامج لحماية ابنها هناك روابط تطرق بابك حتى لو لم تكلف نفسك عناء البحث عنها. ولهذا قررت سارة أن تكون أكثر حذرا في استخدام أبنائها الثلاثة للحاسوب من خلال تنزيل برنامج للتحكم في الطريقة التي تضمن تصفحا آمنا للمواقع في فترة غيابها أو انشغالها، وذلك من خلال حظر كل المواقع الاباحية، مع إمكانية تتبع الطريقة التي يدير بها الأطفال عملهم، «هذه الخطوة كانت تجعلني في البداية أخبر أبنائي بتفصيل عن كل الخطوات التي قاموا بها وهم يتصفحون الأنترنيت مما جعلهم يشعرون أنني أراقبهم حتى في فترات غيابي عن البيت، كما أنني أضمن عدم توفرهم على حسابات شخصية في مواقع التواصل باستثناء صفحتنا العائلية التي يتواصلون عبرها بأخوالهم وخالاتهم بأوروبا وأمريكا». إلى جانب المحتوى تحدد سارة الأوقات التي يحظر على أبنائها مطالعة الأنترنيت، «أفضل أن لا يأخذ جل وقتهم، كما أفضل أن يقوم أصدقاؤهم بزيارتنا حتى لا يهدم الجيران ما أبنيه». تخوف تغذيه بعض التجارب التي عاشتها سارة التي لم تكن تمانع من أن يتبادل أبناؤها الزيارات رفقة أصدقائهم إلى أن أخبرها ابنها الأكبر أن شقيقه الأصغر لا يغمض عينيه أثناء مشاهدة بعض الصور الخليعة على حاسوب صديقهم. عندما فاتحت سارة جارتها في الأمر أخبرتها أنها ضربته لأكثر من مرة لكنه يخبرها أنه يلج لهذه المواقع بالصدفة. «أخبرتها أنني أستعين ببرنامج للمراقبة أستخدمه منذ كنت أقيم بأمريكا، لكنها لم تبدي أي استعداد لأخذ الأمر بجدية» تعلم سارة أنها لن تستمر طويلا في مراقبة أبنائها، «لكنني أريد وضعهم في الطريق الصحيح حتى لا يتشوش تفكيرهم بأمور سيتعرفون عليها في الوقت المناسب وبطريقة آمنة تتماشى و سنهم وثقافتهم أما طريقة استراق اللحظات مع هاجس الخوف فإنه يدفعهم لمطالعة الأمر بطريقة شاذة تجعل من الجنس عيبا يتعرفون عليه في الخفاء» تقول سارة التي ترى أنها تنطلق من تجربتها الشخصية، لأنها تعلم أن فتح باب الجنس يجب أن يخضع للتوقيت المناسب حتى لا يخلق نوعا من البلبلة والتشويش، لأن الأمر أشبه بالحلقة المفرغة التي يصعب على المرء الخروج منها، «شخصيا أذكر أنني رأيت أول صورة مثيرة وأنا في سن الثامنة، وقد دفعني الفضول لرؤية المزيد لأن في الأمر إشباع لغريزة لا خيار لنا في امتلاكها، لذا أنا كأم أعتبر الأمر مسألة توقيت فقط». الجنس بين صفحات ألعاب الأطفال توقيت لا يكترث له الكثير بالرغم من أن جل المواقع بما فيها المواقع التواصلية تضع السن من بين شروط الاتفاق، لكن الأمر لا يقف عقبة أمام الصغار الذين يضيفون سنوات لأعمارهم حتى يتمكنوا من دخول مواقع للبالغين فقط. وحدها الصدفة جعلت فتيحة تعرف أن ابنتها الصغرى تمتلك صفحة على أحد المواقع الاجتماعية. لم تجتهد ابنة فتيحة في اخفاء هويتها بل على العكس كانت الابنة تضع اسمها الكامل وعنوانها، ورقم هاتفها. وقعت عين الخال على الاسم وهو يتصفح إحدى صفحات أصدقائه ليجد أن من ضمن المعلقين ابنة شقيقته التي كانت تضع صورا شخصية اتخذتها رفقة صديقاتها بملابس يحاولن من خلالها محاكاة نساء مثيرات مع مشاركة بعض المقاطع الإباحية التي تلاقي الكثير من الاعجاب. إعجاب من جنسيات وأعمار مختلفة تتهافت على الصغيرة التي لم تفارقها بعد ملامح الطفولة. طفولة معرضة للوقوع في أي لحظة، وفي الكثير من الأحيان بدون علم مسبق. ففي الوقت الذي كانت نعيمة تعتقد أنها أحكمت الرقابة على ابنها الصغير من خلال مرافقته أثناء تصفح الأنترنيت، كانت الأم تبقي للصغير حيزا من الخصوصية عندما تختار له بعض ألعاب الأكشن قبل أن تكتشف الأم أنها تضم بعض المشاهد الاباحية التي تمرر للصغير رسائل سلبية تربط مفهوم الشجاعة والقوة بممارسة الجنس، حيث كان مرور البطل من جولة إلى أخرى يتخلله مشاهد يمارس فيها بطل اللعبة الجنس، « لقد صدمت عند رؤية المشهد، ولم أكن أعلم أن لعبة موجهة للصغار سوف تضم مثل هذه المشاهد الاباحية». مفاجأة دفعت الأم لتصفح بعض المواقع الأجنبية التي اختارت وضعها في لائحة الصفحات المفضلة حتى يتمكن الابن من الولوج لها بسهولة، لتجد أنها تضم تبويبا يقسم أصناف الألعاب، حيث تضم ألعابا رياضية، وألعاب بنات، وألعاب حركة، إضافة إلى ألعاب جنسية رسمت عليها صورة جذابة تغري بالدخول ولا توحي أنها تضم مواقع اباحية. « لا قيمة للشروط التي يدعون أنها تمنع دخول الأطفال، لأن الفضول سيدفع أي شخص للكذب بخصوص سنه، ثم أنا لا أفهم كيف توضع ألعاب جنسية في لائحة تضم ألعابا للصغار على الرغم من أن الأنترنيت يعج بمواقع إباحية، إنها خطوة غبية، وخطيرة في نفس الوقت، لأنني شخصيا على الرغم من حذري الشديد لم أتوقع أن تضم ألعاب الأطفال ألعابا بها وضعيات لممارسات شاذة» سكينة بنزين